احتجاجات مهسا أميني.. هل تنتقل العدوى إلى أفغانستان؟
قالت باحثة في الشأن الإيراني للسياق إن ثمة تأثيرًا محتملًا على أفغانستان، في ظل ما تعيشه المرأة الأفغانية أيضًا من رِدة صعبة وعميقة بعد حالة التحول الأخير وعودة طالبان إلى مشهد الحكم.

السياق (خاص)
بعد «الموت لخامنئي» في احتجاجات إيران رفع محتجون في أفغانستان لافتات تنادي بـ «الموت لطالبان»، لتكشف تلك الشعارات عن ضيق مواطني البلدين ذرعًا بسياسات النظامين التي بدت متشابهة إلى حد كبير، باعتبار نظرتهما المشتركة للمرأة بأنها دون الرجل.
إلا أنه بينما تمكنت سلطات طالبان- إلى حين- من إخماد التظاهرات النسوية التي كانت تخرج بين الحين والآخر للمطالبة بحقوق عادلة للمرأة أو السير على خطى الفترة الماضية، باتت سلطات إيران عاجزة أمام انتشار الاحتجاجات بشكل غير مسبوق.
ذلك «العجز» الإيراني بدا واضحًا من انتشار التظاهرات في المحافظات الإيرانية كافة واستمرارها رغم القمع «العنيف» من قوات الشرطة والباسيج ضد المحتجين، إلا أن جذوة الاحتجاجات لم تنطفئ يومًا، وسط إصرار على تحقيق مطالبهم، مهما بدا الثمن غاليًا.
تلك الاحتجاجات والتي خرجت تضامنًا مع حادث وفاة الشابة مهسا أميني على يد ما يعرف بـ«شرطة الأخلاق»، اتسعت رقعتها ومطالبها إلى إسقاط النظام الإيراني، الذي يحاول لملمة أذيال العجز واستعراض قدراته أمام المحتجين، دون جدوى.
ورغم أن الاحتجاجات الحالية بها بعض جوانب التشابه مع انتفاضتي 2009 و2018، إلا أنها تعد الأعنف والأطول في تاريخ إيران الحديث، لتطرح تساؤلات حول مدى استمرارها ومصير النظام الإيراني، وخاصة بعد تحذيرات دول غربية وأوروبية لمواطنيهم من السفر أو الوجود في إيران خلال الفترة الحالية.
وما إن بات مصير النظام الإيراني معلقًا على سياسة النفس الطويل بين المحتجين وقوات النظام، طُرحت تساؤلات حول سيناريوهات النجاح أو الفشل وتأثير ذلك على دول الجوار، وما إن كانت إيران ستصدر الثورة إلى دول الجوار كما الأزمات أم لا؟
إرهاصة ثورية
وإلى ذلك، قالت الباحثة في الشأن الإيراني ولاء عبد الله أبو ستيت، في تصريحات لـ«السياق»، إن الوضع في إيران يحمل أبعادًا عدة، مشيرة إلى أن الحراك الشعبي الراهن بمثابة رسالة من الإيرانيات بأنهن ضقن ذرعًا بكل ما يحدث لهن من نظام طهران.
وأوضحت الباحثة في الشأن الإيراني، أن مشاهد خلع الحجاب وإحراقه والتي بدت ظاهرة عامة في مناطق عدة، حملت رسائل عدة للنظام الإيراني، أبرزها تعاملات النظام وسياساته تجاه المرأة التي فرض عليها منذ 1979، ارتداء الشادور ومنعها من الاختيار.
واعتبرت أبو ستيت أن ما يحدث في إيران الآن هو بمثابة «إرهاصة ثورية» وإن كانت ليست جديدة؛ كونها الثالثة بعد أحداث 2009، وما تلاها في الفترة بين عامي 2018 و2019، إلا أنها قالت إن الاحتجاجات الحالية أكملت مثلث الأزمات في إيران بأضلاعه السياسية، والاقتصادية والثقافية.
وبحسب الباحثة في الشأن الإيراني، فإن أهداف «انتفاضة» 2009 كانت سياسية بامتياز لارتباطها بالانتخابات التي كانت تجرى في تلك الفترة، مشيرة إلى أن ما جرى في عام 2018، وما بعده كانت شراراته الأساسية اقتصادية، لكنها تحولت تدريجيا إلى سياسية أيضا بفعل الآلة القمعية العنيفة، التي قام بها النظام عبر قوات الباسيج التي وجهت سهام سطوتها نحو الشعب الإيراني.
وأشارت إلى أن الاحتجاجات الحالية تعطي رسالة «مهمة» بأن المرأة الإيرانية تقود الدفة هذه المرة، بل كانت «المحرض للفئات والقوميات كافة التي خرجت لتعبر عن غضبها ورفضها للنظام والدعوة إلى إسقاطه».
وربطت الباحثة في الشأن الإيراني بين «انتفاضة الحجاب» الحالية، وأحداث 2018؛ مشيرة إلى أنه كانت هناك محاولات نسوية إيرانية -رغم محدوديتها- لاستنفار الشارع عبر نزع الحجاب، لرفض سياسات النظام الجبرية المفروضة ضد المرأة على وجه الخصوص، لكنها كانت بمثابة إشارة رمزية إلى الوقوف ضد النظام ذاته.
اتساع متوقع
وكشفت الباحثة في الشؤون الإيرانية، عن أن «انتفاضة الحجاب»، استطاعت أن تجذب فئات أخرى غير نسوية، بمشاركة طلاب الجامعات في هذا الحراك، والذي بات يشبه في حجمه والفئات المشاركة إلى إرهاصات ما يعرف بـ«الربيع العربي»، في نهاية 2010 وعام 2011.
وأشارت إلى الجانب القومي في تلك الاحتجاجات، المتمثل في استنفار كردستان إيران، باعتبار مهسا أميني فتاة كردية، إلا أنها قالت إن التظاهرات لم تقتصر على كردستان فقط، بل إنها شملت أغلب المناطق الإيرانية، ما يؤكد أن هناك رفضًا من أغلب فئات الشعب الإيراني لنظام الخميني.
وحول تعامل القوات الإيرانية «العنيف» مع الاحتجاجات، اعتبرت الباحثة في الشؤون الإيرانية أن ذلك سيكون له تأثير على التظاهرات، ما سينبئ بتحول مرتقب لمسار الأحداث.
أفغانستان.. مسرح محتمل
أما عن تصدير هذه الاحتجاجات إلى دول الجوار وتحديدًا أفغانستان بسبب تشابه فلسفة الحكم بين البلدين، قالت الباحثة في الشأن الإيراني إن ثمة تأثيرًا محتملًا على أفغانستان، في ظل ما تعيشه المرأة الأفغانية أيضًا من رِدة صعبة وعميقة بعد حالة التحول الأخير وعودة طالبان إلى مشهد الحكم، مما دفعها مرة أخرى إلى المنزل وأفقدها مكاسب كبيرة كانت حصدتها مسبقًا.
وأوضحت أبو ستيت أنَّ إيران يمكن أن تعمل على تصدير التوتر والاضطرابات إلى دول المحيط، بهدف توجيه رسائل مفادها أن استمرار التوترات لديها يعني دفع المنطقة جميعها للتوتر، وأنها قادرة على السيطرة والتغيير في تلك الجغرافيا، مثل: العراق ولبنان واليمن وربما سوريا.
لغة السلاح
من جانبه، قال الدكتور نور الهدا فرزام الباحث الأفغاني في العلوم السياسية في تصريحات لـ«السياق»، إن الشارع الأفغاني على استعداد للتحرك شعبيًا ضد السلطة الدينية، خصوصًا أن العاصمة كابول قد شهدت من قبل مظاهرات رفعت شعار «الموت لطالبان سواء كانت في كابول أو طهران».
وفيما قال الباحث الأفغاني، إن الشعب الأفغاني يعلم تماما تشابه السلطتين في إدارة الحكم رغم اختلاف المذاهب، قارن بين تدخل الدولة الإيرانية بتفاصيل الحياة الشخصية، وسياسات طالبان.
لكنه اعتبر أن انتقال عدوى هذه الانتفاضة إلى أفغانستان، فرضية ضعيفة لكنها ليست مستحيلة، مشيرًا إلى أن الشعب الإيراني يدرك أن طالبان لا تعرف ولا تتحدث سوى بلغة السلاح، لذا لا تأثير للمظاهرات رغم تحركاتهم.