تقرير استخباراتي أمريكي: بوتين يواجه انتقادًا من دائرته المقرّبة بشأن أوكرانيا
أحد أعضاء الدائرة المقرّبة من فلاديمير بوتين عبّر بشكل مباشر للرئيس الروسي، في الأسابيع الأخيرة، عن اعتراضه على طريقة تعامله مع الحرب في أوكرانيا.

ترجمات – السياق
مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، يبدو أن هناك ارتباكًا داخل القيادة الروسية بشأن إدارة الحرب، التي شهدت تحوّلات كارثية بالنسبة لموسكو، إذ قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن أحد أعضاء الدائرة المقرّبة من فلاديمير بوتين عبّر بشكل مباشر للرئيس الروسي، في الأسابيع الأخيرة، عن اعتراضه على طريقة تعامله مع الحرب في أوكرانيا، وفق معلومات حصلت عليها الاستخبارات الأمريكية.
وبحسب "واشنطن بوست"، فإن هذه المعلومات مهمة بما يكفي لتضمينها ضمن الإحاطة الاستخبارية اليومية للرئيس الأمريكي جو بايدن، ومشاركتها مع مسؤولين أمريكيين آخرين، وفق أشخاص مطلعين على الأمر، تحدثوا شرط عدم الكشف عن هوياتهم، لمناقشة معلومات استخبارية حساسة.
ووفقًا للمعلومات التي حصلت عليها المخابرات الأمريكية، فقد تحدى أحد أعضاء الدائرة المقربة، بوتين، وأبلغه بشكل مباشر اعتراضه الواضح على العديد من قراراته الأخيرة المتعلقة بطريقة تعامله مع الحرب في أوكرانيا.
معلومات مهمة
ووفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر -تحدثوا مع الواشنطن بوست بشرط عدم الكشف عن هويتهم- فقد تم اعتبار المعلومات مهمة بما يكفي بحيث تم تضمينها في الإحاطة الاستخباراتية اليومية للرئيس بايدن ومشاركتها مع مسؤولين أمريكيين آخرين، كمحاولة للوقوف على ما قد يلجأ إليه بوتين لتغيير مسار الحرب لصالحه، خصوصًا أن الدائرة المقربة من الرئيس الروسي معروف عنها موافقتها وتأييدها المطلق لقراراته مهما كانت.
وبحسب أحد الأشخاص، فإن السخط الذي عبّر عنه عضو الدائرة المقربة من بوتين يتعلق بما اعتبره المطلعون سوء إدارة للمجهود الحربي والأخطاء التي يرتكبها من ينفذون الحملة العسكرية في أوكرانيا.
وحسب الصحيفة الأمريكية، تؤكد المعلومات الاستخباراتية الجديدة -إلى جانب تعليقات المسؤولين الروس الأخيرة بشأن مسار الحرب- على الانقسامات داخل الطبقة العليا لبوتين، مشيرة إلى أن هؤلاء المسؤولين لم يعتادوا نقل الأخبار السيئة إلى زعيمهم "الاستبدادي" والذي يُنظر إليه على أنه أكثر عزلة من أي وقت خلال حكمه الذي دام 22 عامًا.
وأوضحت الصحيفة، أن عدد الأشخاص الذين يعتبرهم بوتين من المساعدين والمستشارين المقربين أو الموثوق بهم محدود جدًا، ويتألف بشكل أساسي من زملاء من أيام عمله كضابط في المخابرات الروسية (كي جي بي)، وأولئك الذين التقى بهم أثناء توليه منصب نائب رئيس بلدية سانت بطرسبرغ في التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
وبيّنت أن قرار بوتين الأخير بالتعبئة الجزئية، أشعل اضطرابات داخلية، ودفع مئات الآلاف من الرجال الروس في سن التجنيد، إلى الفرار من البلاد، ما اضطر الجيش الروسي لاستدعاء أفراد غير مؤهلين للخدمة العسكرية.
وبحسب مسؤولين استخباراتيين، فإنه مع دخول الحرب شهرها الثامن، ولا يزال النصر الروسي بعيد المنال وغير محدد المعالم، ربما يتراجع الولاء الذي يتمتع به بوتين طوال السنوات الماضية، خصوصًا بين المقربين منه، لكنهم حذروا من عدم وجود مؤشر على أن الزعيم الروسي -رغم هذه الانقسامات- على وشك الانهيار.
قلق متزايد
ونقلت واشنطن بوست عن مسؤول استخباراتي غربي، قوله: "منذ بدء احتلال أوكرانيا في فبراير الماضي، شهدنا قلقًا متزايدًا بين عدد من الدائرة المقربة لبوتين"، مضيفًا: "تشير تقديراتنا إلى أن هذه الخلافات تتضمن بشكل خاص اعتراضات على الخسائر الروسية الأخيرة والتوجيهات المضللة وأوجه القصور العسكرية الواسعة النطاق".
فيما قال مسؤول غربي كبير آخر: إن التوترات الداخلية في روسيا تكشف عن عدم قناعة كثيرين داخل الدائرة المقربة من بوتين بأن الحرب تسير وفق مسارها المخطط لها.
وحسب الصحيفة "يواجه بوتين معارضة شديدة بشأن قدرة قواته العسكرية على الصمود، بينما تستعيد أوكرانيا أراضيها المحتلة".
وبالفعل، أقر ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين بوجود خلافات ومناقشات بين القادة الروس، خصوصًا فيما يتعلق بقرار التعبئة الأخير.
وقال بيسكوف لصحيفة واشنطن بوست: "هناك خلاف على مثل هذه القرارات، إذ يطالب البعض بضرورة أن نتصرف بشكل مختلف على جبهات القتال"، مضيفًا: "لكن مثل هذه الخلافات جزء من عملية العمل المعتادة".
وردًا على سؤال حول الخلافات داخل الدائرة المقربة من بوتين، قال بيسكوف: "هناك حجج عملية حول الاقتصاد، وحول سير العملية العسكرية، وحول نظام التعليم وغيرها من الأمور"، مشددًا على أن هذا كله جزء من عملية العمل العادية، وليس علامة على أي انقسام.
لكن بيسكوف عاد ليقول: إن تقارير المخابرات الأمريكية عن شخص في الدائرة المقربة لبوتين تحدى الرئيس الروسي بشكل مباشر "غير صحيح على الإطلاق".
الوضع على الأرض
وحول الوضع على الأرض، بيّنت واشنطن بوست أن القوات الأوكرانية المسلحة استعادت بأسلحة أمريكية وأوروبية السيطرة على آلاف الأميال المربعة من الأراضي خلال الأسابيع الأخيرة من الجيش الروسي الذي يعاني من نقص في الأفراد.
وأشارت إلى أن الخسائر دفعت الكرملين إلى اتخاذ قرارات متسرعة، ومنها "ضم بعض الأراضي المحتلة رسميًا"، وهو القرار الذي واجه معارضة دولية على نطاق واسع باعتباره غير شرعي، فضلًا عن البدء في تجنيد مئات الآلاف من جنود الاحتياط العسكريين على الرغم من تصاعد المعارضة والاحتجاجات المحلية على مثل هذه القرارات.
كما هدد بوتين باتخاذ إجراءات متطرفة لحماية الأراضي الروسية، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية، على أمل أن يؤدي التهديد إلى جعل داعمي أوكرانيا يفكرون مرتين حول المدى الذي يجب أن يتم فيه تمكين كييف من التقدم.
وهو ما أدى -حسب الصحيفة- إلى ظهور انتقادات علنية لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وكبار الجنرالات، في موجة نادرة من السخط على قرارات الزعيم الروسي.
وانتقد رمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان الروسية، الذي أرسل مليشيات شيشانية للقتال ضد أوكرانيا، جنرالًا كبيرًا في الأيام الأخيرة، وقال إنه ينبغي تخفيض رتبته إلى جندي، وبعد التعليقات أعلن قديروف أن بوتين منحه رتبة جنرال "عقيد".
فيما وصف أحد المسؤولين الذين عينتهم موسكو في خيرسون المحتلة، انسحاب القوات الروسية في الأيام الأخيرة شمال شرق المدينة بأنه "إعادة تجميع" وادعى أن المنطقة "مغلقة"، لكنّه وصف أيضًا كبار القادة العسكريين الروس بغير الأكفاء.
تفاقم المشاكل
وحسب واشنطن بوست، تتفاقم مشاكل بوتين في ساحة المعركة بسبب التعبئة العشوائية في الداخل، وقال مسؤول روسي عن بوتين في مقابلة يوم الإعلان عن التعبئة: "يبدو لي أن موقفه هش".
وفي محادثة أخرى هذا الأسبوع، قال المسؤول إنه لم يسمع بأي تحديات مباشرة لبوتين من داخل الدائرة الداخلية، لكن "هناك احتجاجات" من قِبل رؤساء اللجان البرلمانية حول الطريقة التي يدير بها الرئيس والجيش الحرب.
فيما قال مسؤولون أمنيون كبار في أوروبا إنهم لم يكونوا على علم بأن أي شخص قد تجرأ على تحدي بوتين بشكل مباشر على مدار الأحداث في أوكرانيا، وأضافوا أنهم لم يروا تقارير المخابرات الأمريكية عن الانتقادات الموجهة إلى بوتين.
ومع ذلك، قال بعض هؤلاء المسؤولين إن التشققات كانت واضحة بشكل متزايد عبر طبقات متعددة من النظام الروسي، مشيرين إلى اندلاع انتقادات وتوجيه أصابع الاتهام إلى الجيش الروسي وأجهزة الأمن والحكومات الإقليمية التي تجبر الرجال والشباب في سن التجنيد على الخدمة العسكرية.
ورأى أحد كبار المسؤولين الأمنيين الأوروبيين أن الانتقادات المتزايدة لبوتين تحدث بشكل أكبر من وراء ظهره، بما في ذلك من داخل صفوف الكرملين، مضيفًا: "إنهم يعتقدون أنه عنيد، ومهووس بأوكرانيا".
وحسب الصحيفة الأمريكية، أكد اثنان من مديري الأعمال الروس الذين يحافظون على اتصالات مع المسؤولين السياسيين، هذه الانشقاقات، وقالا إن الأسابيع المقبلة قد تكون حاسمة في تحديد مستقبل بوتين والقرارات التي يتخذها بشأن الحرب.