رغم التعافي... أمراض كورونا تتفاقم

تداعيات كورونا لا تزال مستمرة

رغم التعافي... أمراض كورونا تتفاقم

ترجمات _السياق

كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن أعراض جديدة مختلفة -أشد ضررًا- لهؤلاء الذين سبق أن شفوا من كورونا، مشيرة إلى أن التأثير المحتمل في أمراض القلب والدماغ يُشكل تحديات لأنظمة الرعاية الصحية على مستوى العالم.

وروت الصحيفة عددًا من هذه الحالات، قائلة: "عندما صادف الدكتور ديفيد سترين مريضًا يبلغ من العمر 64 عامًا في جولته بجناح المرضى، كان لطبيب أمراض الشيخوخة البريطاني نظرة قاتمة، إذ إنه قبل أقل من ستة أشهر كان قد عالج هذا الرجل من كورونا، والآن، كان من المؤلم أن يشهد تدهور صحته مجددًا".

وعن هذه الحالة، يقول سترين: "لقد جاء بسكتة دماغية وهذيان سيئ جدًا، وهو إحدى بوادر الخرف"، مضيفًا: "رأيت المريض، وعرفته، وأدركت حقيقة أنه قد تقدم في السن بشكل كبير".

كان سترين، قد قرأ دراسة منشورة حديثًا -أثناء وجوده بجامعة إكستر غربي إنجلترا- حددت انكماشًا كبيرًا في الدماغ بمجموعة من 400 شخص تراوح أعمارهم بين 51 و81 ممن تعافوا من كورونا.

هزات وبائية

وحسب "فايننشال تايمز" بلورت المواجهة اعتقاد سترين بأن كورونا ولّد نوعًا من صدمات ما بعد الوباء، من خلال ترك الناس عُرضة لمجموعة كبيرة من الأمراض الأخرى، ما يهدد أنظمة الصحة العالمية، التي تكافح بالفعل بسبب عدم كفاية الموارد وشيخوخة السكان، وتعليقًا على ذلك، يقول سترين: "لقد جعلني ذلك أدرك أن هذا شيء سنواجهه بشكل كبير في المستقبل القريب".

وأشارت الصحيفة، إلى أنه عندما بدأ يرى ارتفاعًا في أمراض معينة في العام الأول للجائحة، افترض سترين أنه كان نتيجة عدم قدرة الأشخاص أو عدم رغبتهم في الحصول على الرعاية الصحية، إلا أنه مع دخول الجائحة عامها الثاني، بدأ الشك في أن كورونا نفسه يمكن أن يزيد التعرض لأمراض خطيرة.

ويفسر سترين الأمر باعتباره "انعكاسًا للانخفاض الكبير في أمراض الجهاز التنفسي الذي شهده الأطباء منذ ثمانينيات القرن الماضي وما بعدها، عندما توقف الملايين عن التدخين أو قللوا منه".

وفي ذلك، يقول سترين: "مستوى الضرر الذي لحق بصحة السكان -خلال كورونا- سيكون كما لو أن الجميع قرروا فجأة العودة إلى التدخين دفعة واحدة".

وبينت الصحيفة، أنه مع تراكم المزيد من البيانات خلال الأعوام المقبلة عن أعراض كورونا، فإن هناك أدلة تدعم مخاوف سترين.

وأظهر تحليل أجرته "فاينانشيال تايمز" لبيانات من خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة، وهي من أغنى مجموعات البيانات الصحية في العالم، ارتفاعًا كبيرًا في الوفيات الناجمة عن أمراض القلب منذ بداية الجائحة في جميع الفئات العمرية، باستثناء الأكبر سنًا، مشيرة إلى أنه في الفئة العمرية 40 -64، زادت وفيات النوبات القلبية 15 في المئة عام 2021 مقارنةً بـ 2019.

وفي فبراير الماضي، أشار تحليل لأكثر من 150 ألف سجل من قواعد بيانات الرعاية الصحية الوطنية في وزارة شؤون المحاربين القدامى الأمريكية إلى أنه حتى بعض الذين لم يصابوا بمرض خطير مع كورونا كانوا أكثر عُرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لمدة عام على الأقل بعد ذلك.

وقد وجد الباحثون أن معدلات الإصابة بعدد من الأمراض، كقصور القلب والسكتة الدماغية، كانت أعلى بشكل كبير لدى الذين تعافوا من كورونا مقارنة بذوي الظروف المشابهة الذين لم يصابوا.

وأشار تحليل منفصل لبيانات وزارة شؤون المحاربين القدامى نُشر في مارس الماضي، أنه في "مرحلة ما بعد المرض الحاد"، فإن المصابين بكورونا "يظهرون زيادة في خطر الإصابة بمرض السكري وأعبائه".

وتعليقًا على ذلك، نقلت الصحيفة عن الدكتور زياد العلي، رئيس قسم البحث والتطوير في نظام وزارة شؤون المحاربين القدامى للرعاية الصحية وعالم الأوبئة الأكلينيكي بجامعة واشنطن في سانت لويس، الذي قاد البحثين، قوله: "الأمر المثير للقلق بشكل خاص أن هذه الحالات تستمر مدى الحياة".

أرقام ضخمة

وبينت "فايننشال تايمز" أنه بينما أصيب 4 في المئة فقط من الأشخاص بقصور في القلب، بعد الإصابة بكورنا مقارنةً بأولئك الذين لم يصابوا، فإن عدد المصابين بفيروس سارس-كوف -2 في العالم هائل، حتى النسب الصغيرة ستترجم إلى أرقام ضخمة.

ويضيف العلي: "هل يكفي رفع عبء الأمراض المزمنة، ووضع ضغط إضافي على أنظمة الرعاية الصحية؟

نعتقد أن الإجابة: نعم".

بينما يحذر بعض الباحثين من أنه من السابق لأوانه استخلاص استنتاجات عامة من البيانات المحدودة.

وفي ذلك، يقول الدكتور كريستوفر موراي، مدير معهد المقاييس الصحية والتقييم في سياتل: الزيادات قد تعكس أيضًا التناقضات في الإفادات، ففي العام الأول للجائحة -على سبيل المثال- تم تصنيف عدد من الوفيات بين كبار السن بالخرف، بينما قد تكون في الواقع بسبب كورونا غير المشخص، الذي كان له معدل وفيات مرتفع لدى كبار السن، مضيفًا: "حل ذلك مُعقد للغاية".

لكن -حسب الصحيفة- رغم أن الأدلة أصبح من الأسهل فهمها، فقد أصبح من الواضح للأطباء والقادة الصحيين في الأنظمة الطبية عبر العالم أنهم يتعاملون مع عبء أكبر من المرض بين السكان، سواء أكان جراء زيادة القابلية للإصابة بمرض خطير بعد كورونا، أم جراء الأعراض المستمرة أو التأثير غير المفهوم لكوفيد طويل الأمد، أو تراكم المرضى.

وفي الوقت نفسه، خلال العامين الماضيين، تعرض العديد من العمال للإرهاق أو فُقدوا في محاربة الجائحة بالخطوط الأمامية.

ويحذر إريك شنايدر، أحد نواب الرئيس التنفيذي في اللجنة الوطنية لضمان الجودة، وهي منظمة غير ربحية تركز على تحسين جودة الرعاية الصحية، من ذلك، قائلًا: "قد تتقلص قدرتنا في وقت يتزايد فيه الطلب من السكان".

ورأت الصحيفة، أن هذا المزيج من ارتفاع مستويات المرض وشح الموارد يجبر المتخصصين في المجال الطبي على إعادة تقييم الطريقة التي يمارسون بها الطب وتنظيم الرعاية الصحية، ما يشدد التركيز على الرعاية الوقائية والعمل التعاوني والرعاية الصحية عن بُعد لإدارة الأمراض المزمنة وتعزيز صحة السكان.

ونظرًا إلى التحديات التي يواجهها المتخصصون في الرعاية الصحية "من المستحيل حل المشكلة ما لم نكن مستعدين لإعادة التفكير في كيفية تقديم الرعاية الصحية"، كما يقول جيريمي ليم، مدير معهد القيادة للتحول الصحي العالمي في مدرسة إن يو إس سو سوي هوك في سنغافورة للصحة العامة.

قيد الدراسة

وحسب الصحيفة، كان العديد من هذه التغييرات قيد الدراسة قبل الجائحة، لاسيما في الدول التي فيها نسبة مرتفعة من المسنين.

وفي ذلك، نقلت "فايننشال تايمز" عن عدد من الخبراء قولهم: أحد الدروس المستفادة من الجائحة درجة تداخل الأمراض المختلفة، وكيف يؤثر ذلك في قدرة المرضى على التعافي.

ويقول موراي: "أعتقد أن العلاقة بين مخاطر الأمراض المزمنة، كالسكري والسمنة، ونتائج الأمراض المعدية، التي يعرفها الناس بشكل تجريدي، أصبحت ملموسة جدًا خلال كورونا لدرجة أنها تكسر بعض هذه الحواجز".

أما بالنسبة إلى اختصاصي الأمراض المعدية مثله، كما يقول، أدى العامان الماضيان إلى زيادة الوعي بأن "عليك التفكير في مصلحة المريض، فلا يمكنك التفكير في إدارة الجوائح، أو الأمراض المعدية على أنها تختلف عن الإدارة الجيدة للرعاية الأولية والصحة العامة للمجتمع والمرضى".

وحسب الصحيفة، قد يكون تأثير ذلك أكبر ما يكون في الدول ذات الدخل المتوسط، كما يجادل موراي، حيث "لا يزال كثير من السياسات الصحية يركز على صحة الأم والطفل والأمراض المعدية، والآن أصبحت العلاقة بالسكري وأمراض القلب والأمراض المزمنة واضحة جدًا، لدرجة أننا سنرى مزيدًا من الاهتمام بالنظام الصحي والتركيز على علاج هذه المشكلات"، حسب قوله.

ورغم ذلك، فإنه "حتى في العالم الثري، أوجد كورونا فهمًا جديدًا للعناصر المختلفة التي تسهم في الحفاظ على صحة الناس، وهذا لا يشمل الطب بمعناه التقليدي فحسب، بل يشمل التغذية والسكن اللائق".

ونقلت الصحيفة عن الدكتورة كاترينا أرمسترونغ، التي ترأس مركز إيرفينغ الطبي في جامعة كولومبيا، قولها: على مدى الـ20 عامًا الماضية من حياتها المهنية "كان أحد التحديات التي يواجهها الطب الانقسام بين الأشخاص، الذين يقول بعضهم إننا موظفون في مجال الصحة العامة، والآخرين الذين يقولون إننا موظفو رعاية صحية"، مضيفة: "أعتقد أن الثورة التي تحدث أننا نجمع هذه الأجزاء معًا".

وتضيف: "بعد أكثر من عامين شهد خلالها الأطباء والممرضات واقع الحياة المنزلية لمرضاهم باستخدام شاشات التطبيب عن بُعد "بدأنا نرى أن كثيرين أصبحوا قادرين على فهم السياق الذي يحيط بمرضاهم والتفاعل مع مكونات فريق الرعاية الصحية".

وترى أرمسترونج أن جزءًا من الحل للحفاظ على صحة الناس يكمن في جلب الرعاية الصحية إلى أماكن قريبة من منازلهم، باستخدام الرعاية الصحية عن بُعد وبرامج التمريض والعاملين في مجال الصحة المجتمعية للوصول إلى المرضى في منازلهم.

تثقيف الأطباء

وفي ما يخص تثقيف الأطباء، أوضحت "فايننشال تايمز" أن جامعة كولومبيا تعيد التفكير في طرق تثقيف الجيل المقبل من الأطباء، حيث يقضي طلاب الطب مزيدًا من الوقت خارج المستشفى، ويضطلعون بمهام مختلفة في المجتمع، ومن أجل كسر الحواجز بين التخصصات المختلفة وفئات الموظفين، جرى تشجيع اتباع نهج الفريق.

بينما استوعبت أوروبا دروسًا مماثلة، بالبناء على الأخلاقيات التي نشأت أثناء الجائحة عندما أصبحت الحدود الصارمة في العادة بين التخصصات المختلفة تتلاشى، وسط الاحتياجات التي أوجدتها جائحة كورونا.

وفي ذلك، يقول بيورن زويغا، الرئيس التنفيذي لمستشفى جامعة كارولينسكا في السويد، أحد أكبر المستشفيات التعليمية في القارة، إنه في مؤسسات عالية الاختصاص مثل المؤسسة التي يعمل فيها "يوجد كثير من الانعزال لأن الناس يعرفون كثيرًا عن شيء واحد فقط".

ويضيف: "مع ذلك، في ذروة الجائحة، عندما كنا في وحدة العناية المركزة كان جراحو التجميل يقيمون في المستوصف ويأخذون الأدوية للممرضات، لأنهم لم يتمكنوا من إجراء عمليات جراحية، فقد كان الجميع يساعدون ولكل منهم دور، وذلك جعل فهم الناس أكبر لعمل زملائهم".

ويتابع زويغا: "من الأمور التي نريد الاستمرار في العمل عليها بعد كورونا، هذا التعاون... أي هذا العمل الجماعي".

وترى الصحيفة البريطانية أنه نظرًا إلى أن الأنظمة الصحية تتكيف مع الطلب المتزايد، لن يكون أمام كثير منها سوى خيار استخدام الموظفين الحاليين بمرونة أكبر، مشيرة إلى أنه "حتى قبل الجائحة، قدر الخبراء أن العالم كان يعاني نقصًا في الأطباء قدره 6.4 مليون طبيب ونحو 31 مليون ممرض لتوفير رعاية آمنة بجودة عالية".

وفي هذا السياق، قد يستلزم ضمان تلبية الموارد للطلب نظامًا أكثر تنظيمًا لتصنيف المخاطر، مع حساب نقاط الضعف الفردية لدى المرضى قبل اتخاذ القرارات، ليس فقط بشأن علاجهم بل أيضًا مستوى اختصاصي الرعاية الصحية الذي يجب أن يقدمه.

بينما يرى الدكتور خافيير كوس كلارامونت، وهو طبيب عام وباحث بمرض السكري في برشلونة، ويرأس منظمة الرعاية الأولية لمرضى السكري في أوروبا، أن الموارد لم تعد كافية لمنح كل مريض المستوى نفسه من المتابعة، حيث ستكون هناك حاجة إلى تقييمات أكثر دقة للمخاطر الفردية، التي قد تتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي للتدقيق في مجموعات ضخمة من البيانات.

وبينما يستعد دكتور العلي لنشر مزيد من النتائج من فحصه لقاعدة بيانات وزارة شؤون المحاربين القدامى، في نظام سانت لويس للرعاية الصحية، لا شك لديه في أن الأطباء والمجتمع سيتعاملون مع الآثار اللاحقة لكورونا إلى الأبد، قائلًا: "لن يختفي هذا الشيء في غضون أسبوع، أو عام أو عامين أو ثلاثة، بل سينعكس علينا لأجيال مقبلة".

وفي سنغافورة، يسعى جيريمي ليم، جاهدًا في البحث عن الفرص وسط التحديات، قائلًا: "الرعاية الصحية في مقدمة ومحور البرامج لعدد من الحكومات وأجندة الوكالات العالمية، لذلك نأمل أن يكون هناك كثير من الأولويات، والاستثمار في الرعاية الصحية".

لكنه يحذر من أن الاحتياجات الصحية في العالم ازدادت في أعقاب الجائحة، وأضاف أنه "إذا لم تتغير الأدوات التي نستخدمها لتلبية الطلب على الرعاية الصحية، وإذا لم تتغير نماذجنا للرعاية، فلنقل فقط إننا سنسير في رحلة وعرة للغاية".