الهجوم الروسي على أوكرانيا... يشعل حربًا في الأسواق العالمية
تداعيات هذه الأزمة لم تقف عند أوروبا والشرق الأوسط، إذ وصلت إلى الولايات المتحدة، حيث يشعر المستهلك هناك بارتفاع متزايد في أسعار المواد الغذائية، بعد أن وصل التضخم في فبراير إلى 7.9 بالمئة ، وهو أعلى مستوى له خلال أربعين عامًا

ترجمات - السياق
من الغذاء إلى الأسمدة والوقود، هكذا شملت الحرب الروسية الأوكرانية الكثير من السلع الأساسية، ما أثر في حركة الأسواق العالمية، حسب تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية.
وأشارت المجلة إلى أن الخطر الأكبر يكمن في أن استمرار تصاعد هذه الحرب، مع حالة أعمق من حرب اقتصادية مشتعلة بين الغرب وروسيا -بدعم من الصين- قد يتسببان في ركود أكبر خلال المرحلة المقبلة.
وتطرقت المجلة -في تقرير- إلى الأزمة التي يعانيها ميناء أوديسا، ثالث أكبر مدينة في أوكرانيا، مشيرة إلى أنه بعد أن كان الميناء الأهم لتوزيع الحبوب، خصوصًا القمح أوروبيًا وعالميًا، بات يئن تحت القصف الروسي، وتوقفت الحركة تمامًا، ما أثر بدوره في الأسواق العالمية بشكل لم يسبق له مثيل.
ورأت المجلة، أن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية من شأنه تعطيل تدفق التجارة عبر هذا الميناء المطل على البحر الأسود، موضحة أن تداعيات هذا الأمر ستكون كارثية على أسواق الحبوب العالمية.
وبينت أن تداعيات هذه الأزمة لم تقف عند أوروبا والشرق الأوسط، إذ وصلت إلى الولايات المتحدة، حيث يشعر المستهلك هناك بارتفاع متزايد في أسعار المواد الغذائية، بعد أن وصل التضخم في فبراير إلى 7.9 بالمئة ، وهو أعلى مستوى له خلال أربعين عامًا.
رحلة رغيف الخبز
ورأت "ناشيونال إنترست" أن رحلة رغيف الخبز تسير بشكل معقد، حتى تصل إلى المستهلك، مشيرة إلى أن رغيف الخبز الذي يشترى من المتجر في إحدى المدن الأمريكية (ماريسفيل، أو كانساس، أو بلومفيلد، أو كونيتيكت)، هو في نهاية سلسلة طويلة من الزراعة والتسميد والحصاد والطحن وشراء عقود التوريد والنقل والتوزيع، ناهيك عن الاهتمام الكبير الذي يوليه صاحب المخبز للمكان الذي يباع فيه للمستهلك الجائع.
وأوضحت أن البلدين المتصارعين (روسيا وأوكرانيا) ينتجان ما يقرب من ثلث صادرات القمح العالمية، لذلك من المحتمل أن تسبب العقوبات الاقتصادية مشكلات عدة لروسيا في شحن قمحها، بينما تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى تعطيل دورة الزراعة والحصاد، ومن المرجح أيضًا أن يؤدي القتال الدائر على طول ساحل البحر الأسود في أوكرانيا، إلى خنق قدرة المزارعين في ذلك البلد، على إيصال منتجاتهم إلى الأسواق العالمية.
وأمام هذه الأزمة، ذكرت المجلة الأمريكية أن هناك العديد من الدول المتضررة، خصوصًا في إفريقيا والشرق الأوسط، وأبرزها الدولتان الكبيرتان، مصر وتركيا، إذ تعتمد مصر على البلدين الأوروبيين (روسيا وأوكرانيا) في نحو 80 بالمئة من واردات القمح، بينما تعتمد تركيا على روسيا في أكثر من 70 بالمئة من وارداتها من القمح، مشيرة إلى أنه مع ارتفاع التضخم في تركيا، فإن ارتفاع أسعار القمح سيفاقم الوضع الاقتصادي السيئ هناك، خصوصًا مع تراجع الليرة بشكل مستمر أمام الدولار الأمريكي.
دوار الشمس
من المحاصيل التي تنتجها روسيا وأوكرانيا، وتسببت الحرب في أزمة عالمية مصاحبة له، بسبب صعوبة عمليات الشحن (دوار الشمس)، إذ ذكرت "ناشيونال إنترست" أن هذا المحصول يلعب دورًا رئيسًا في الحياة اليومية للملايين.
وحسب المجلة، يتفاقم الضغط المتزايد على أسعار القمح ودوار الشمس بعامل آخر غير الحرب، يتمثل في الصين، إذ إنه في 5 مارس الماضي، أعلن وزير الزراعة والشؤون الريفية الصيني تانغ رينجيان، أن ظروف حصاد القمح الشتوي في بلاده، العام الماضي، لم تكن جيدة بسبب الأمطار التي أدت إلى تأخير زراعة قرابة ثلث مساحة القمح المعتادة.
وتشير المجلة إلى أنه بالنظر إلى أن أسعار القمح ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ أربعة عشر عامًا، وتأثير الحرب الروسية الأوكرانية، فإنه وقت صعب للغاية بالنسبة للصين، للبحث عن الحبوب في الأسواق الدولية.
وشددت المجلة الأمريكية، على أن الأمن الغذائي بات مصدر قلق للصين، إذ تشير التقارير إلى أنه حتى قبل الحرب الروسية الأوكرانية، كانت إمدادات الحبوب شحيحة، رغم مواسم الحصاد الجيدة المتتالية في العامين الماضيين.
ووفقًا للجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، تسعى الصين لضمان بقاء مساحة الحبوب لهذا العام عند مستوياتها الحالية، وستركز على زيادة محاصيل فول الصويا والبذور الزيتية الأخرى، إضافة إلى زيادة إنتاج الذرة، علاوة على ذلك، ستوقف الحكومة أي جهود لاستخدام الأراضي الزراعية لأي غرض آخر غير الزراعة، خاصة إنتاج الحبوب لحماية صناعة البذور وتنشيطها بوتيرة أسرع.
قضية الأسمدة
بالانتقال إلى قضية الأسمدة، بينت "ناشيونال إنترست" أن روسيا تُعد منتجًا مهمًا للبوتاس، وهو أحد المكونات المهمة لإنتاج الأسمدة، مشيرة إلى أن روسيا وجارتها بيلاروسيا تشكلان معًا نحو 37.6 في المئة من صادرات العالم من البوتاس.
وتوقعت المجلة أن تتجه أسعار البوتاس إلى الأعلى، مع استمرار الحرب، وهو ما يؤثر بشكل دوري في المزارعين، ثم تجار التجزئة، ثم المستهلكين، الذين يعانون بالفعل توابع ارتفاع أسعار معظم السلع المهمة.
وأوضحت المجلة الأمريكية، أن صناعة الأسمدة مقلقة أكثر بسبب تورط روسيا في تصدير مكونات أخرى، بما في ذلك الأمونيا (23 في المئة من الصادرات العالمية)، واليوريا (14 في المئة)، والفوسفات المعالج (10 في المئة).
وتوقعت المجلة الأمريكية، أن يزداد الأمر صعوبة مع ارتفاع محتمل في أسعار الشحن والنقل، مشيرة إلى أنه مع احتمال فرض عقوبات ضد بيع النفط والغاز الروسي، يمكن أن ترتفع تكاليف النقل بشكل كبير، وهو عامل آخر يغذي التضخم في معظم أنحاء العالم.
ولبيان أهمية أسعار القمح تحديدًا في استقرار الدول، ذكرت "ناشيونال إنترست" أن آخر مرة ارتفعت فيها أسعار القمح في 2007-2008، أدت إلى أعمال شغب في ما يقرب من أربعين دولة، كما دفعت المخاوف بشأن الأمن الغذائي عددًا من البلدان، مثل كمبوديا والهند وفيتنام، إلى كبح صادراتها من الأرز لضمان الأمن الغذائي في الداخل.
وأشارت إلى أنه يُنظر إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، على أنه عامل مساهم في اندلاع ما يعرف بـ"الربيع العربي" عام 2010، موضحة أنه رغم أن الولايات المتحدة لم تشهد اضطرابات سياسية مرتبطة بارتفاع أسعار المواد الغذائية عام 2008 أو 2010، فإنها ليست محصنة ضد قلق الناخبين من ارتفاع الأسعار.
وقالت "ناشيونال إنترست": مع دخول ما سمته (عصرًا جديدًا من الحديد والدم)، على كل مواطن في شتى أنحاء العالم، أن "يشتري خبزه ويضع القليل منه في الفريزر".