أمريكا والسعودية عالقتان.. كيف يمكن لبايدن إعادة ضبط العلاقة؟

على مدى السنوات القليلة الماضية، بذل الدبلوماسيون السعوديون في الولايات المتحدة جهودًا متضافرة، لتقديم نقاط الحوار السعودية إلى دوائر انتخابية جديدة.

أمريكا والسعودية عالقتان.. كيف يمكن لبايدن إعادة ضبط العلاقة؟

ترجمات - السياق

في الأسابيع الأخيرة، بينما أدت العقوبات الغربية على روسيا، بسبب حربها في أوكرانيا، إلى اضطراب أسواق الطاقة العالمية، واصلت المملكة العربية السعودية رفض طلبات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لزيادة إنتاج النفط.

ورغم أن رفض الرياض الواضح لتخفيف آلام الارتفاع الشديد في أسعار الوقود، أذهل العديد من المراقبين الأمريكيين، ما ألهم مجموعة كبيرة من التعليقات التي تتساءل عما إذا كان التحالف الأمريكي السعودي الذي دام 77 عامًا لا يزال يستحق الحفاظ عليه، فإنه لم يكن ينبغي أن يكون مفاجأة، بحسب "فورين أفيرز".

 

الحرب على الإرهاب

وأشارت "فورين أفيرز"، أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية ظلت في دوامة هبوط منذ 11 سبتمبر، بعد سنوات من التوترات بشأن الحرب على الإرهاب، التي تقودها الولايات المتحدة، والتدخل الأمريكي في العراق، وسعي واشنطن لإبرام اتفاق نووي مع إيران، والحرب في اليمن، وسجل الرياض في مجال حقوق الإنسان، حتى لم تفعل المغازلة المفتوحة للرئيس السابق دونالد ترامب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الكثير لتحسين الثقة والتواصل.

لسوء الحظ، تشير تصرفات إدارة بايدن -على مدى الخمسة عشر شهرًا الماضية- إلى أن العديد من صانعي السياسة الأمريكيين فشلوا في فهم مدى تغير موقف المملكة تجاه الولايات المتحدة، خاصة في السنوات الخمس التي انقضت، منذ أن أصبح محمد بن سلمان الحاكم الفعلي.

حدث هذا التحول مع التخفيض المستمر للمصالح السياسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث قاد بايدن الإدارة الأمريكية الثالثة على التوالي، التي سعت إلى تقليص الالتزام بالعمل العسكري في المنطقة.

سعى القادة السعوديون إلى التكيف مع هذا الانجراف، من خلال تعزيز مجموعة أكثر تنوعًا من العلاقات الاقتصادية والأمنية العالمية، لكن يبدو أن بايدن تولى منصبه بثقة وهو يتوقع ما يمكن أن تعتمد عليه أجيال من الرؤساء الأمريكيين: صداقة خاصة مع الرياض تقوم على مبيعات الأسلحة والتنسيق الأمني ​​وإنتاج النفط.

من جانبه، لم يخفِ محمد بن سلمان حقيقة أنه ينوي إعطاء الأولوية لمصالح المملكة في أسواق النفط العالمية، ومع القوى الغربية وغير الغربية، للمساعدة في تعزيز سطوة بلاده، بدلاً من الإصرار على تلقي الفوائد التقليدية للعلاقة الأمريكية السعودية، بعد سحب الغطاء السياسي العالمي والحماية العسكرية الإقليمية، التي وفرتها الإدارات الأمريكية تقليديًا للسعودية، ويجب على إدارة بايدن تبني نهج أكثر براغماتية، والسعي إلى توسع العلاقات الثنائية وممارسة النفوذ الأمريكي بطرق جديدة.

 

حلفاء تقليديون

تغير الخطاب السعودي والسياسة الخارجية بشكل كبير، منذ نهاية إدارة ترامب، إذ كثفت الرياض مشاركتها مع العراق وجهودها لاستعادة العلاقات الدافئة مع الحلفاء التقليديين، مثل مصر والأردن والمغرب وباكستان.

ورغم أن خطاب المملكة لم يتغير كثيرًا، في ما يتعلق بمواجهة الجهات الفاعلة المدعومة من إيران في المنطقة، فقد تبنت نهجًا أكثر مرونة تجاه إيران في الممارسة العملية، حيث إن إدارة بايدن تنتهج الدبلوماسية مع طهران، بدلاً من حملة الضغط الأقصى لترامب.

عام 2021، اعترفت المملكة العربية السعودية بأنها تواصل محادثات جارية مع إيران لتهدئة التوترات، وأعربت عن دعمها الحذر للاتفاق النووي لعام 2015 المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة، حتى في ما يتعلق بلبنان، الذي كان القادة السعوديون قد شطبوه على أنه خاضع لسيطرة إيران، وافق محمد بن سلمان مؤخرًا على التعاون مع فرنسا لنزع فتيل أزمة اقتصادية.

 

مسار جديد

حلت سياسة الولايات المتحدة -تجاه إيران ووكلائها- محل السياسة الأمريكية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كهدف رئيس للغضب في السعودية، حيث أصبحت "عقيدة أوباما" المتمثلة في تقليص الالتزامات العسكرية الأمريكية تجاه الشركاء القدامى، هدفًا لانتقادات شديدة.

ورغم أن إدارة ترامب توددت بالنيات الحسنة السعودية (وصفقات الأسلحة) بمزيج من الكلام المتشدد والعقوبات والعمل العسكري العرضي ضد إيران وحلفائها، فإن ترامب واصل اتجاهه للحد من العمل العسكري الأمريكي، من خلال رفض الرد على الهجمات على البنية التحتية النفطية السعودية.

في المقابل، بدلاً من رسم مسار جديد للعلاقة، اعتمدت إدارة بايدن على دليل مألوف: حماية قدرة المملكة على شراء الأسلحة الأمريكية، مقابل التنسيق الأمني ​​وامتيازات سياسية أخرى. معظم المعينين لسياسة بايدن في الشرق الأوسط، يؤمنون بأهمية الشراكة مع المملكة العربية السعودية، ويقبلون أن قدرتهم على تشكيل سلوك النظام السعودي لها حدود.

وبناءً على ذلك، أفسحت المناقشات، بشأن القيم في العلاقة الأمريكية السعودية، الطريق أمام الخطاب المألوف للشراكة التي تعد حيوية، على حد تعبير وزير الخارجية أنتوني بلينكن.

وتعاملت إدارة بايدن مع أوضح دليل على التغيير في المملكة العربية السعودية والدور الأساسي لمحمد بن سلمان في صنع السياسة السعودية، من خلال تجنُّبه، والتظاهر بأن محمد بن سلمان ولي العهد النموذجي، الذي يعمل فقط في وظيفة يومية بواحدة من الوزارات البارزة في المملكة، ويمكن استبعاده من المناقشات الثنائية بين مسؤولي الدولتين.

 

مصالح المملكة

لا يمكن للولايات المتحدة أن تأخذ دعم السعودية كأمر مسلم به. لقد استهانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بتأثير السياسات الأمريكية بعد 11 سبتمبر في الشرق الأوسط على مكانتها في الرياض.

الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، مثال على ذلك، والدور المفترض للولايات المتحدة في الثورات العربية 2010-2011، والاتفاق النووي الإيراني، وعدم رد واشنطن على الهجمات المدعومة من إيران على البنية التحتية النفطية السعودية... ذكريات تلك الأحداث هي مفتاح مرجعية صناع القرار السعوديين اليوم.

لقد حلوا محل الصور الأيقونية للقوات الأمريكية وهي تحرر الكويت عام 1991 والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت والملك السعودي عبدالعزيز بن سعود يلتقيان على ظهر السفينة يو إس إس كوينسي عام 1945.

بدلاً من الاستجابة لإشارات الرياض الدورية عن السخط، على صانعي السياسة الأمريكيين أن ينظروا إلى مصالح المملكة على المدى الطويل لتحديد نقاط النفوذ.

تتشابك مصالح المملكة العربية السعودية مع طموحات محمد بن سلمان الشخصية لرؤية 2030، وسوف تتكيف الرياض أو تبحث عن مصادر أخرى للأسلحة أو الاستثمارات أو التكنولوجيا، كلما أغلقتها واشنطن أو امتنعت الشركات الأمريكية عن الاستثمار.

في الوقت الحالي، لا تزال الولايات المتحدة توفر معظم الأسلحة التي تؤمن النظام السعودي ضد الخصوم الأجانب، والتي تمثل ما يقرب من 80 في المئة من واردات الأسلحة السعودية من 2016 إلى 2021.

واردات الأسلحة خلال الفترة نفسها، وروسيا أقل من 0.1 بالمئة. ولا يمكن للمملكة أن تنتقل بسهولة إلى مورد آخر للأسلحة بعد عقود من بناء قواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية بالذخائر الأمريكية.

 

رؤية 2030

تشكل تطلعات الاقتصاد المعرفي لرؤية السعودية 2030 وسيلة أخرى لنفوذ الولايات المتحدة، إن لم تكن مصدرًا مباشرًا للضغط. لا تزال الجامعات الأمريكية الهدف الرئيس للسعوديين الذين يسعون للدراسة في الخارج، فقد التحق 55 بالمئة من الطلاب السعوديين الذين يدرسون في الخارج، بمنح ممولة من الحكومة في مؤسسات أمريكية عام 2019، مقارنة بـ 0.4 بالمئة فقط في المدارس الصينية.

ومع ذلك، من الواضح أن الرياض استثمرت أكثر بكثير مما استثمرت واشنطن في بناء الأدوات الدبلوماسية لتشكيل العلاقات الأمريكية السعودية.

تعتمد مؤسسات الدولة في المملكة على خبرة مئات السعوديين، الذين أمضوا وقتًا طويلاً في الولايات المتحدة. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، بذل الدبلوماسيون السعوديون في الولايات المتحدة جهودًا متضافرة، لتقديم نقاط الحوار السعودية إلى دوائر انتخابية جديدة.

حتى في الوقت الذي أثارت فيه المزيد من الجهود السعودية من أعلى إلى أسفل، لتشكيل آراء صانعي السياسة الأمريكية، الدهشة في واشنطن، وفشلت إدارة بايدن في تعيين سفير لها في الرياض.

ومع التوتر بين بايدن ومحمد بن سلمان، لم تسع أي سياسات أمريكية لتعويض هذا الموقف، من خلال إظهار أي اهتمام حقيقي بالسعوديين.

تعزز هذه الإخفاقات الرسالة التي مفادها أن واشنطن لا تهتم إلا بالسكان العرب المسلمين عندما يشكلون تهديدًا، إما من خلال دعم الإرهاب وإما معارضة المصالح الأمريكية.

وتقدم المواجهة الحالية، بشأن إنتاج النفط، لصناع السياسة الأمريكيين فرصة لإعادة التفكير في المسار المستقبلي للعلاقة الثنائية.

لقد قرأ محمد بن سلمان ومستشاروه بوضوح أن الالتزامات الأمنية الأمريكية المتناقصة تمنح المملكة مساحة أكبر للعمل بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، بدلاً من مجرد زيادة إمدادات الأسلحة إلى المملكة، ويمكن لإدارة بايدن رسم مسار جديد للعلاقة المتدهورة في غضون شهر.