هل يؤدي تدخل الناتو في أوكرانيا إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة؟
الجهود الدبلوماسية الغربية لإبقاء روسيا معزولة عالميًا، لم تكن أقل حدة من المساعدات العسكرية التي قدمتها لأوكرانيا، بل كانت حاسمة أيضًا في إيقاع خسائر قاسية بالاقتصاد الروسي

ترجمات - السياق
قبل 38 يومًا كان العالم على موعد مع قرع روسيا أجراس الحرب الأوكرانية، التي لم تستطع حسمها، مُنيت خلالها بخسائر فادحة في العتاد والأرواح، وسط مقاومة «شرسة» من القوات الأوكرانية.
وعلى وقع ما يحدث في أوكرانيا، من هجوم مستمر للقوات الروسية واتساع ساحة المعركة، تلوح في الأفق سيناريوهات عدة، أخطرها اندلاع حرب عالمية ثالثة، خاصة بعد تأثر المصالح الغربية والأوروبية، بالحرب الدائرة في البلد الأوراسي.
إلا أن ذلك السيناريو الذي وُصف بـ«المرعب»، استبعدت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، حدوثه، لسببين، أولهما أن القدرات العسكرية الروسية ضعيفة، مقارنة بقدرات الجيوش الغربية، فضلا عن أن التوقع بأن موسكو يمكن أن تصعد الحرب إلى مسارح أخرى بطريقة فعّالة، لاسيما بالوسائل التقليدية، غير واقعي.
أما السبب الثاني، فهو نجاح الغرب في عزل روسيا دوليًا، مشيرة إلى أنه لكي تخوض حربًا عالمية، تحتاج روسيا إلى حلفاء أقوياء، وهو أمر لا تمتلكه حاليًا.
حرب عالمية ثالثة
وعن الدور الصيني في مساندة روسيا، حال نشوب حرب عالمية ثالثة، قالت «فورين بوليسي»، إن الصين -التي تعد حاليًا أقوى حليف لموسكو- ظلت على الهامش إلى حد كبير منذ بدء الحرب، مشيرة إلى أنه رغم امتناعها عن التصويت ضد قرار الأمم المتحدة، الذي يطالب روسيا بإنهاء هجومها، فإنها قلقة من أي عقوبات ثانوية تفرض عليها، إذا ساعدت روسيا.
وأكدت «فورين بوليسي» أن الدول التي وقفت إلى جانب روسيا، والتي صوتت لرفض القرار كانت بيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا وسوريا، مشيرة إلى أنه تحالف غير كفء لمواجهة التكتل الآخر المتمثل في "الناتو".
وترى المجلة الأمريكية، أن هذه العوامل تعني أنه لا يوجد خطر كبير من حدوث تصعيد إلى حرب عالمية شاملة.
ورغم دحض المجلة الأمريكية هذا السيناريو، فإنها حذرت من مغبة آثار هذا الصراع، الذي استخدمت فيه الدول الغربية، وسائل ردع «قاسية» ضد روسيا، لإثنائها عن مواصلة عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
وحاولت المجلة الأمريكية، الاستدلال على وجهة نظرها باستبعاد حرب عالمية ثالثة، مؤكدة أن ما سمته «النفور الغربي» من الخسائر البشرية، والمخاوف من الاستخدام النووي الروسي، يعيقان تدخل الحلف ضد خصم أدنى بكثير.
وقالت المجلة، في تقرير ترجمته «السياق»، إن الديمقراطيات الليبرالية لديها إجهاد الحرب، ما تجلى بوضوح من خلال فك الارتباط والانسحاب من النزاعات (كما هو الحال في أفغانستان) والتدخلات المحدودة (كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن)، مشيرة إلى أن القوات الغربية قللت اعتمادها على القوات البرية، وركزت على الضربات الجوية ومساعدة القوات المقاتلة.
وأوضحت «فورين بوليسي»، أن ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 مر بعواقب قليلة بالنسبة لروسيا، مشيرة إلى أنه بينما كانت موسكو تستعد لغزو بقية أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، كان من الواضح أن الدول الغربية ستلتزم بسياسة عدم التدخل.
خسائر روسية
وقارنت المجلة الأمريكية، ما حدث إبان ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 من رد فعل غربي ضئيل، والعقوبات «القاسية» التي فُرضت على موسكو بعد «غزو» أوكرانيا.
العقوبات وحدها لم تكن ما «آلم» روسيا، بل إن القوات الأوكرانية تلقت أسلحة ومعدات ومعلومات استخباراتية قيّمة من الدول الغربية، سمحت لها بنشر قوة غير متوقعة ضد القوات الروسية، تسببت في سقوط مئات الجنود وتدمير عشرات الدبابات وغيرها من المركبات المدرعة وقاذفات الصواريخ والطائرات والسفن الروسية، بحسب «فورين بوليسي».
وأوضحت المجلة، أن الجهود الدبلوماسية الغربية لإبقاء روسيا معزولة عالميًا، لم تكن أقل حدة من المساعدات العسكرية التي قدمتها لأوكرانيا، بل كانت حاسمة أيضًا في إيقاع خسائر قاسية بالاقتصاد الروسي.
إلا أنه مع ذلك فإن الهجمات الروسية العشوائية ضد المدنيين الأوكرانيين -بما في ذلك قصف المستشفيات والمدارس وكذلك استخدام أسلحة مروعة، مثل القنابل العنقودية والفوسفور الأبيض- يجب أن تدفع الغرب لإعادة تقييم سياسة المشاركة في الحرب، والاضطلاع بدور أكثر نشاطًا، من خلال تنفيذ منطقة حظر طيران أو تأمين ممرات إجلاء، وربما حتى محاربة القوات الروسية بشكل مباشر.
كما استبعدت المجلة، أن يلجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نشر أسلحة كيميائية أو حتى نووية، لزيادة المكاسب وردع الغرب عن التدخل.
الأسلحة النووية
وعن المخاوف من أن يلجأ بوتين لاستخدام الأسلحة النووية، إذا تدخل "الناتو" عسكريًا في أوكرانيا، قالت «فورين بوليسي»، إنه ليس لدى الرئيس الروسي دافع كبير لتدمير دولة يرغب في ضمها، كما أنه لم يجر أي استعدادات لاستخدام مثل هذه الأسلحة حتى الآن.
أما عن إمكانية تغيير الأمور إلى مواجهة مباشرة بين "الناتو" وروسيا، فقالت المجلة إن هذا الغزو أحدث تحولًا في المواقف تجاه الحروب في أوروبا، إذ تحولت السياسة الألمانية التي عُرفت بأنها من دعاة السلام، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، أكبر تحول، إلى دعم المساعدة العسكرية لأوكرانيا وزيادة كبيرة في الأموال، لإعادة بناء القوة العسكرية الألمانية.
لكن هناك حاجة إلى تحول أكبر بالنظر إلى خطورة «العدوان» الروسي، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إنه «حان الوقت لكي يتوقف الغرب عن الخوف من التهديدات المحدودة، التي من غير المحتمل أن تتحقق، وأن يستخدم تفوقه العسكري لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن استقلالها».
وأشارت إلى أن «روسيا ليست غريبة عن استهداف المدنيين، كما فعلت في القصف المكثف لغروزني في الشيشان بين عامي 1994 و1995 ومن 1999 إلى 2000، لذلك تكرر الأمر في بلد أوروبي».
وشددت «فورين بوليسي» على أن التدخل لن يحول هذا الصراع المحلي في أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة، مشيرة إلى أن خطر وقوع هجوم نووي تكتيكي على أوكرانيا، سيظل محدودًا بالنظر إلى ما قد يعنيه هذا الأمر من رد فعل قوي تجاه روسيا.