تسليح الأموال: كيف أطلق الغرب عنان الصدمة والرعب ضد روسيا؟
الإجراءات التي اتخذها الغرب ضد روسيا، نوع جديد من الحرب، يتضمن تسليح الدولار الأمريكي والعملات الغربية الأخرى لمعاقبة الخصوم، ويعتبر نهج جديد للصراع، إذ كانت الحروب العسكرية الحل الوحيد لأي صراع.

ترجمات - السياق
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أطلقت الدول الغربية سلسلة من العقوبات التي استهدفت البنك المركزي، وعددًا من الشخصيات شملت حتى الرئيس فلاديمير بوتين وأفراد من عائلته، ما أضر بالاقتصاد الروسي بشكل غير مسبوق.
ففي اليوم الثالث للحرب على أوكرانيا، وفي الطابق الثالث عشر من مقر المفوضية الأوروبية ببروكسل، اصطدمت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية بعقبة، بعد أن أمضت اليوم السابق في العمل، سعيًا للحصول على إجماع الحكومات الغربية بشأن العقوبات المالية والاقتصادية الأكثر شمولاً ضد موسكو.
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن الاتفاق كان وشيكًا، إلا أن العقبة كانت في واشنطن، حيث كانت وزيرة الخزانة جانيت يلين تراجع تفاصيل الإجراء الأكثر دراماتيكية وحساسية للسوق "معاقبة البنك المركزي الروسي نفسه".
ورغم أن الولايات المتحدة كانت القوة الدافعة وراء الضغط بشأن العقوبات، فإنه بينما كانت يلين تفكر في التفاصيل الدقيقة، كان الأوروبيون -الذين كانوا قلقين من أن الروس قد استوعبوا الخطط- حريصين على دفع الخطط إلى ما بعد خط النهاية، في أسرع وقت ممكن.
ولإتمام الاتفاق، أجرت فون دير لاين اتصالًا برئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، وطلبت منه عرض التفاصيل مباشرة مع يلين.
وعن اللحظات الأخيرة قبل توقيع الاتفاق، نقلت الصحيفة عن مسؤول في الاتحاد الأوروبي، قوله: "كنا جميعًا ننتظر، ونسأل لماذا كل هذا الوقت الطويل؟... ثم جاء الجواب: على دراغي أن يعمل سحره على يلين... إذ إنه بحلول المساء، كان التوصل إلى اتفاق".
يلين ودراغي
وعن الأسباب التي دفعت أورسولا فون دير لاين، للجوء إلى رئيس الوزراء الإيطالي تحديدًا لإقناع وزيرة الخزانة الأمريكية، بإتمام الاتفاق، أشارت "فايننشال تايمز" إلى أن يلين، التي كانت ترأس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ودراغي الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، من قدامى المحاربين في سلسلة من الأزمات الدراماتيكية -من الانهيار المالي 2008-2009 إلى أزمة اليورو- مبينة أنهما كانا طوال الوقت يتميزان بالهدوء والاستقرار في الأسواق المالية المتوترة.
لكن في هذه الحالة، كانت الخطة التي اتفقت عليها يلين ودراغي، لتجميد جزء كبير من احتياطات موسكو من العملات الأجنبية البالغة 643 مليار دولار شيئًا مختلفًا، إذ إن هذا القرار يعني (إعلان حرب مالية على روسيا بشكل فعّال).
وذكرت الصحيفة، أن النية المعلنة للعقوبات، إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الروسي، أو كما قال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين -بعد إعلان الإجراءات- إن العقوبات ستدفع العملة الروسية "إلى السقوط الحر".
نوع جديد من الحرب
الإجراءات التي اتخذها الغرب ضد روسيا، نوع جديد من الحرب، يتضمن تسليح الدولار الأمريكي والعملات الغربية الأخرى لمعاقبة الخصوم.
ورأت "فايننشال تايمز" أن هذا نهج جديد للصراع، بعد عقدين من الزمان، إذ كانت الحروب العسكرية الحل الوحيد لأي صراع، مشيرة إلى أن الناخبين في الولايات المتحدة سئموا التدخلات العسكرية وما تسمى "الحروب التي لا نهاية لها"، ومن ثمّ فقد ملأت (الحرب المالية) هذه الفجوة جزئيًا، موضحة أنه في ظل غياب خيار عسكري أو دبلوماسي، أصبحت العقوبات المالية المتزايدة سياسة الأمن القومي المفضلة لدى الغرب.
ونقلت الصحيفة عن خوان زاراتي، مسؤول كبير سابق في البيت الأبيض -ساعد في فرض عدد من العقوبات المالية الأمريكية على مدى العشرين عامًا الماضية- قوله: "هذه صدمة ورهبة... لأن الأمر يتعلق بفصل النظام المالي والتجاري الروسي بشكل عدواني لا يمكن وصفه".
وشددت "فايننشال تايمز" على أن فاعلية العقوبات المالية مستمدة من الدولار الأمريكي، مشيرة إلى أنه العملة الأكثر استخدامًا في المعاملات التجارية والمالية العالمية.
نتيجة لذلك يصعب على المؤسسات المالية والبنوك المركزية، وحتى العديد من الشركات العمل، إذا كانت معزولة عن الدولار والنظام المالي الأمريكي، موضحًا أنه بإضافة اليورو، وهو ثاني أكثر العملات احتفاظًا باحتياطات البنك المركزي، والجنيه الاسترليني والين والفرنك السويسري، إلى العقوبات، فإن تأثير هذه العقوبات سيكون مخيفًا بدرجة لا يمكن تخيلها.
سلاح المال
وعن تفاصيل التوصل لاتفاق (غربي موحد) ضد موسكو، كشفت "فايننشال تايمز" أن دراغي هو الذي دفع بفكرة معاقبة البنك المركزي في قمة الاتحاد الأوروبي الطارئة ليلة الغزو 24 فبراير، مشيرة إلى أن إيطاليا، وهي مستورد كبير للغاز الروسي، كانت مترددة بشأن العقوبات، لكن الزعيم الإيطالي جادل بأن مخزون روسيا من الاحتياطات يمكن استخدامه لتخفيف وطأة العقوبات الأخرى.
وأوضحت أن أوروبا كانت مترددة في فرض حظر على النفط والغاز ، نظرًا لاعتماد الكتلة الكبيرة من دول الاتحاد، على واردات الطاقة الروسية، لكن منذ كشف الفظائع التي يُزعم ارتكابها من قِبل الجنود الروس في ضواحي كييف، أعلِن عن جولة جديدة من عقوبات الاتحاد الأوروبي، ستشمل حظرًا على واردات الفحم الروسي، وربما النفط أيضًا في مرحلة لاحقة، بل من المتوقع صدور قرار بين العواصم الـ27 بهذا الشأن.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية قوله: قرار ألمانيا بإلغاء خط أنابيب نورد ستريم2 بعد الغزو كان حاسمًا في جذب الأوروبيين المترددين، مضيفًا: "لقد كانت إشارة مهمة للغاية للأوروبيين الآخرين بأنه يجب التضحية بالأبقار المقدسة".
ولأهمية ما سمته (سلاح المال)، أوضحت "فايننشال تايمز" أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على البنوك المركزية من قبل في كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا، لكنها كانت معزولة إلى حد كبير عن التجارة العالمية، بينما العقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي، تعد المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا السلاح ضد اقتصاد كبير، والمرة الأولى كجزء من حرب مالية موجهة، لاسيما أن الصراع هذه المرة بين إحدى القوى النووية الكبرى.
ولم تستبعد الصحيفة وجود مخاطر جراء هذه العقوبات، مشيرة إلى أن العقوبات ضد البنك المركزي الروسي، قد تؤدي إلى رد فعل عنيف ضد هيمنة الدولار على التمويل العالمي، موضحة أنه خلال الأسابيع الخمسة، التي تلت فرض الإجراءات الغربية ضد موسكو، استعاد الروبل الروسي الكثير من الخسائر التي فقدها، بينما يزعم المسؤولون في موسكو أنهم سيجدون سبلًا للالتفاف على العقوبات.
ورأت "فايننشال تايمز" أنه مهما كانت النتيجة، فإن التحركات لتجميد الاحتياطات الروسية تمثل تحولًا تاريخيًا في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية، مستشهدة بما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال خطاب ألقاه في وارسو أواخر مارس المنصرم، من أن "هذه العقوبات الاقتصادية تعد نوعًا جديدًا من فن الحكم الاقتصادي مع القدرة على إلحاق الضرر بشكل مماثل للقوة العسكرية"، مؤكدًا أن هذه العقوبات الدولية تستنزف القوة الروسية وقدرتها على تجديد جيشها وإبراز قوتها، مشيرًا إلى أن بوتين هو المسؤول عن ذلك.