وهم العالم الحر... هل تتحد الديمقراطيات ضد روسيا؟

العديد من الدول وجهت انتقادات لروسيا جراء الحرب، لكن الإدانة لم تكن عالمية

وهم العالم الحر... هل تتحد الديمقراطيات ضد روسيا؟

ترجمات - السياق

أطلق الغزو الروسي لأوكرانيا العنان لوابل من العقوبات الاقتصادية لحكومات غربية عدة ضد موسكو، بينما وصل الأمر بألمانيا إلى إعادة التفكير في إنفاقها العسكري، بعد عقود من التبعية لأمريكا.

وقالت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، في تحليل لشيف شانكار مينون مستشار الأمن القومي بالهند، إن هذه المواقف منحت بصيص أمل للعالم، بأن هناك تحالفًا عالميًا جديدًا يوحد الديمقراطيات ضد روسيا والصين، ويؤمن العالم الحر لجيل قادم.

وذكرت المجلة أنه من خلال وجهة النظر هذه -اتحاد الديمقراطيات- قد تكون حرب روسيا في أوكرانيا، حلقة محورية في المنافسة العالمية بين الاستبداد والديمقراطية، لافتة إلى أن انتهاك بوتين الجسيم للمعايير الدولية، منح انطباعًا بأن هذه الديمقراطيات ستتحد لإعادة تأكيد قوة النظام الدولي الليبرالي.

 

تشكيل النظام العالمي

وقالت "فورين أفيرز": رغم أن هذه الحرب -التي وصفتها بأنها حدث زلزالي- ستكون لها عواقب وخيمة على روسيا وجيرانها المباشرين وبقية أوروبا، فإنها لن تعيد تشكيل النظام العالمي، ولن تنذر بمواجهة أيديولوجية للديمقراطيات ضد الصين وروسيا.

وأشار ت إلى أن العديد من أكبر الديمقراطيات في العالم، بما في ذلك الهند، لم تنضم -حتى الآن- إلى الحملة الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا، أو حتى تدين الغزو صراحةً.

وأوضحت أنه بعيدًا عن تعزيز مصطلح "العالم الحر"، أكدت الحرب عدم اتساقها، مضيفًا: "على أية حال، لن يتحدد مستقبل النظام العالمي من خلال الحروب في أوروبا ولكن من خلال المنافسة في آسيا، حيث يكون للأحداث في أوكرانيا تأثير محدود".

وبيّن مينون، أن العديد من الدول وجهت انتقادات لروسيا جراء الحرب، لكن الإدانة لم تكن عالمية، مشيرًا إلى أن ردود الفعل المتنوعة على الحرب، تربك أي رؤية للديمقراطيات المتحالفة مع الولايات المتحدة، ضد الأنظمة الاستبدادية المتحالفة مع روسيا.

وذكرت أن العديد من الديمقراطيات الكبرى، لا سيما الهند وجنوب إفريقيا، امتنعت عن التصويت في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس الماضي، التي طالبت بانسحاب روسيا من أوكرانيا، بينما رفضت الديمقراطيات الكبرى في أمريكا اللاتينية، بما في ذلك البرازيل والمكسيك، المشاركة في العقوبات، وامتنع ما يقرب من نِصف الدول الآسيوية والإفريقية عن التصويت، أو صوتت ضد القرار، بينما انضمت ثلاث دول آسيوية فقط -اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية- بقوة إلى عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد روسيا.

 

الحرب وآسيا

وعن تأثير الحرب في الدول الآسيوية، ذكرت "فورين أفيرز" أن دول آسيا كانت بالطبع منزعجة من الغزو، إذ تراجعت أسواق الأسهم في جميع أنحاء المنطقة بشكل حاد، بعد أنباء قرار بوتين بالحرب، إلا أن معظم التعليقات الرسمية في العواصم الآسيوية رأت الصراع حربًا بين الأوروبيين بشأن النظام الأمني الأوروبي، وليس شرارة لبدء حرب عالمية جديدة.

وأشارت إلى أن الصراع غيّر حسابات الأمن الأوروبية، حيث سارعت دول أوروبا الغربية إلى تعزيز دفاعاتها ، وأعلنت ألمانيا عملية إعادة تسليح، وظهر حلف شمال الأطلسي "الناتو" موحدًا أكثر من أي وقت مضى، وبدا أن التشدد غير المسبوق للعقوبات الاقتصادية، التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على روسيا، رمز لهذه الوحدة الغربية الجديدة.

ولكن من منظور آسيوي -تضيف المجلة الأمريكية- لا تنذر الحرب في أوكرانيا بتحولات مقبلة، بقدر ما تبرز التحول الذي حدث بالفعل، مشيرة إلى أن خوض حرب بين الأوروبيين على الأراضي الأوروبية، انعكاس لمدى تغير الجغرافيا السياسية العالمية، منذ نهاية الحرب الباردة.

وحسب المجلة الأمريكية، انتقل مركز ثقل الاقتصاد العالمي من المحيط الأطلسي إلى شرق جبال الأورال حاليًا، مشيرة إلى أن الخلافات الجيوسياسية والمعضلات الأمنية، التي يمكن أن تؤثر في النظام العالمي تتركز في آسيا البحرية، حيث يسعى العالم إلى توازن جديد لحساب صعود الصين.

واستبعدت المجلة وقوع حرب شبيهة على الأراضي الآسيوية قريبًا، مشيرة إلى أن الديناميكيات السياسية المعقدة في آسيا، لا تقبل بسهولة المواجهة الصارخة الجارية في أوكرانيا، داعية صانعي السياسة في الدول الغربية، ألا يعتقدوا أن أفعالهم على الخطوط الأمامية الجديدة في أوروبا ستشكل ملامح صراع أوسع.

 

خيار لا جدوى منه

ورأى مستشار الأمن القومي بالهند، أن الحرب في أوكرانيا ستكون لها تأثيرات مهمة، لكن من الدرجة الثانية في بلدان آسيا، خصوصًا آفاقها الاقتصادية، عندما يتعلق الأمر بإمدادات الطاقة والمعادن النفيسة والاستراتيجية والأسمدة والحبوب.

وأشار إلى أن التباطؤ في الاقتصاد العالمي، الناتج عن الارتفاع الحاد في أسعار النفط والغاز سيؤثر بشكل خاص في آسيا -التي تمثل إلى حد كبير ما يقرب من 60 في المئة من واردات النفط الخام في الاقتصاد العالمي- بينما سيؤدي ارتفاع تكاليف إنتاج الأسمدة كثيفة الاستهلاك للطاقة، إلى تفاقم الألم الناجم عن انسحاب القمح الروسي والأوكراني من السوق، الذي يمثل أكثر من 25 في المئة من القمح المتداول في العالم.

وبيّن الكاتب أنه ربما تكون الصين، الاقتصاد الآسيوي الأكثر تعاملًا مع روسيا، من خلال الغذاء والطاقة والمنتجات الأخرى وكسوق للصادرات الصينية، كما تعد أوكرانيا ثالث أكبر مصدر للأسلحة المستوردة، بعد روسيا وفرنسا، إلا أنه -حسب الكاتب- رغم اختيار الصين، روسيا على أوكرانيا في مواقفها العامة، فإنها لا يمكنها أن تخاطر بعلاقاتها مع الغرب، مشيرًا إلى أن بكين قد تقبل في النهاية تنفيذ عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا، حتى تستطيع تجنب العقوبات الثانوية التي قد تتعرض لها حال الرفض.

ويرى الكاتب أن الحرب لن تغير الديناميكية الجيوسياسية الأساسية في آسيا، إلا إذا أصبحت الولايات المتحدة مشتتة للغاية عن استراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وأشار إلى أن أغلبية الدول الآسيوية، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة، مرتبطة اقتصاديًا بالصين ومع ذلك تعتمد على الولايات المتحدة في أمنها.

وضرب مثالًا بالهند، مشيرًا إلى أن تجارتها مع الصين سجلت أرقامًا قياسية جديدة في العامين الماضيين، رغم العلاقات السياسية الفاترة والحشد العسكري والاشتباكات على طول الحدود المشتركة بينهما، بينما في الوقت نفسه، زادت العلاقات الأمنية والاستخباراتية بين الهند والولايات المتحدة بشكل كبير، كما شهدت روسيا -التي شكلت 88 في المئة من واردات الأسلحة الهندية عام 2002- انخفاضًا في حصتها إلى 35 في المئة عام 2020.

وعن القاعدة السياسية الأساسية في آسيا، قال مينون: ديناميكية الانتماءات والشراكات المتعددة هي القاعدة في آسيا، ومن ثمّ ستعقد أي تأطير غربي لمواجهة أكبر مع الأنظمة الاستبدادية في الصين وروسيا.

وأضاف: بصرف النظر عن المدة التي ستستمر فيها الحرب الأوكرانية، وكيف يعزل الغرب روسيا، وكيف أثرت تأثيرات السوق الثانوية للحرب في الاقتصادات الآسيوية، من غير المرجح أن يتأثر ميزان القوى في آسيا بشكل كبير.

وقال: "من المرجح أن تقنع الآثار الاقتصادية والسياسية المشتركة للحرب، الدول الآسيوية بتبني قدر أكبر من الاعتماد على الذات، وهو اتجاه ولّده وباء كورونا، لكن الغزو الروسي لا يرسم خطًا في الرمال بين حلفاء العالم الحر وخصومه، مستبعدًا وقوع صراع عالمي على خلفية الحرب في أوكرانيا، مشيرًا إلى أن أولئك المراقبين الذين يأملون نشوء صراع عالمي، سيصابون بخيبة أمل.