الموت للديمقراطية... الحياة لرئيس الوزراء عمران خان
شهدت الأجواء السياسية في إسلام آباد توترات بالغة خلال الأسبوعين الماضيين، إثر اتهام رئيس الوزراء عمران خان، زعماء المعارضة بتقاضي رشاوى من الاستخبارات الأمريكية، لإطاحته من رئاسة الحكومة.

ترجمات - السياق
بدا عمران خان، نجم رياضة الكريكت السابق، الذي فاز بالانتخابات الباكستانية عام 2018، على وشك خسارة الأغلبية البرلمانية، بعدما جمعت المعارضة ما يكفي من الأصوات لطرح مذكرة حجب ثقة عنه، غير أن مناورات في اللحظة الأخيرة تنظر المحكمة في مدى شرعيتها، سمحت له بتفادي المصير الذي واجه كلّ أسلافه.
وتواصل المحكمة الباكستانية العليا مداولاتها، في مدى شرعية الإجراءات التي سمحت لرئيس الوزراء عمران خان، بطلب حلّ الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات مبكرة، ما جنّبه حجب الثقة عنه.
وتتخبّط باكستان، البالغ عدد سكانها 220 مليون نسمة، التي تمتلك السلاح النووي وتحتفي هذه السنة بالذكرى الخامسة والسبعين لاستقلالها، في أزمة دستورية جديدة بدأت الأحد.
ولم يصل أيّ رئيس وزراء في باكستان إلى نهاية عهده. وقد شهدت البلاد منذ استقلالها عام 1947 أربعة انقلابات عسكرية أطاحت النظام وعددًا مماثلًا تقريًبا من محاولات الانقلاب الفاشلة، وظلّت أكثر من ثلاثة عقود تحت حكم العسكر.
أزمة دستورية
إلى ذلك رأت صحيفة داون (الفجر) الباكستانية، الناطقة باللغة الإنجليزية، أن تدخل رئيس مجلس النواب قاسم سوري، لإلغاء التصويت الذي كان من المتوقع أن يجرى -الأحد 3 أبريل- على سحب الثقة من رئيس الوزراء عمران خان، وتنفيذ إرادته على 342 عضوًا في مجلس النواب، أمر غير مسبوق، مشيرة إلى أن الأمة الباكستانية في حالة ذهول منذ صدور القرار.
وقالت في تحليل للأكاديمي الحقوقي الباكستاني جبران ناصر: ربما تكون تصرفات نائب رئيس مجلس النواب في الجمعية الوطنية (البرلمان) قد أعاقت محاولات المعارضة لإطاحة رئيس الوزراء عمران خان في الوقت الحالي، لكنها أغرقت البلاد في أزمة دستورية جديدة، مشيرًا إلى أن هذه أزمة تدل على انهيار الحوار والتواصل بين القوى النيابية، سواء أنصار الحكومة "الخزانة" أم المعارضة.
وشدد ناصر على أن (هذا الخلل) يتسبب في تغول القضاء على السياسة، حيث باتت الإجراءات البرلمانية بيد المحكمة العليا، مشيرًا إلى أنه يجوز للمحكمة أن تحكم بأن المادة 95، التي تتناول التصويت بحجب الثقة عن رئيس الوزراء، كان يجب تنفيذها وأن صلاحيات الرئيس -المنصوص عليها في المادة 37- لا تمنحه حق اتخاذ هذا القرار، أو تحكم بعكس ذلك بأنه يجوز للرئيس التدخل ورفض اقتراح سحب الثقة، ومن ثمّ حق رئيس الوزراء في حل البرلمان.
ووفقاً للدستور الباكستاني، لا يحق لرئيس الوزراء الذي رُفع ضده اقتراح برلماني بسحب الثقة، أن يأمر بحل الجمعية الوطنية، وعلى نحو مماثل، لا يملك رئيس الجمعية الوطنية صلاحية تعطيل أعمال الجمعية الوطنية لأجل مسمى، حتى الانتهاء من التصويت على اقتراح سحب الثقة.
كانت المعارضة الباكستانية قد احتجت بقوة على قرار رئيس البرلمان، ووصفته بعدم الدستورية، وشرع حزب الشعب الباكستاني -أحد الأحزاب المؤلفة لتيار المعارضة- في نقل الأمر إلى المحكمة العليا ضد قرار رئيس البرلمان، مطالبًا المحكمة بسرعة إصدار الأمر المؤقت، لوقف قرار حل الجمعية الوطنية.
شهدت الأجواء السياسية في إسلام آباد توترات بالغة خلال الأسبوعين الماضيين، إثر اتهام رئيس الوزراء عمران خان، زعماء المعارضة بتقاضي رشاوى من الاستخبارات الأمريكية، لإطاحته من رئاسة الحكومة.
بعد نجاته من حجب الثقة... المحكمة العليا تبت في مصير رئيس وزراء باكستان
تدخل قضائي
وبينّت صحيفة داون الباكستانية، أن هيئة المحكمة العليا المكونة من خمسة أعضاء، التي بدأت الإجراءات من تلقاء نفسها، بعد ساعات من جلسة الأحد الصاخبة، أصدرت مرسومًا بأن جميع الأوامر والإجراءات التي بدأها رئيس الوزراء والرئيس في ما يتعلق بحل الجمعية الوطنية، ستخضع لأمر المحكمة.
ومن المقرر -حسب الصحيفة- أن تجتمع المحكمة العليا في باكستان، اليوم، للبت في مصير رئيس الوزراء عمران خان، بعد أن عرقل حزبه التصويت على حجب الثقة وحل البرلمان، في خطوة مفاجئة لمنع إطاحته.
وأوضحت الصحيفة الباكستانية، أن المحكمة طلبت من المدعي العام لباكستان، مساعدتها في مسألة دستورية قرار رئيس مجلس النواب، بالاستناد إلى المادتين 5 و6 ورفض اقتراح معلق أمام الجمعية.
وتنص المادة 6 على أن "أي محاولات لتعليق الدستور أو إلغائه باستخدام القوة، أو إظهار القوة أو بأي وسيلة أخرى غير دستورية، تكون مذنبة بالخيانة العظمى".
وأشارت الصحيفة إلى أن المادة 5 (1) توفر معيارًا شخصيًا مثل "الولاء"، بينما توفر المادة 5 (2) اختبارًا موضوعيًا لإثبات هذا الولاء، مبينة أن القسم الفرعي الأخير يتطلب من المواطنين، خاصة أصحاب المناصب العامة، وأولئك الذين تحددت أدوارهم في الدستور، ضمان الالتزام بإطاره وهذا هو في الواقع الولاء المشار إليه في المادة 5 (1).
وأوضحت أن تحديد دور وصلاحيات رئيس مجلس النواب، يكون بشكل جيد كما هو الحال بالنسبة لأعضاء الجمعية الوطنية، بما في ذلك سلطة التصويت على الاقتراح، ومن ثمّ فإنه -حسب الصحيفة- إذا أراد رئيس مجلس النواب التعبير عن ولائه للبلاد، يجب عليه أن يلتزم بالولاية الدستورية، وأن يسمح بمناقشة نتائج مجلس الأمن القومي، أثناء مناقشة التصويت على اقتراح حجب الثقة.
لكن -تضيف الصحيفة الباكستانية- بصرف النظر عن حجج أنصار عمران خان، فإن لأعضاء المعارضة السلطة الدستورية للتصويت عليها بالشكل الذي يرونه مناسبًا، مشددة على أن رئيس مجلس الأمة سلب أعضاء مجلس الأمة المنتخبين حقهم الدستوري في التصويت، وبذلك يكون قد انتهك المادة 5 (2).
مؤامرة أجنبية
وبينّت "داون" أنه عندما رفض رئيس مجلس النواب اقتراح سحب الثقة، أعلن أنه جزء من مؤامرة أجنبية، ووجَّه بدوره الاتهام إلى 86 عضوًا من أعضاء المعارضة الباكستانية، الذين قدموا الاقتراح إلى الجمعية في 8 مارس المنصرم.
الغريب -حسب الصحيفة الباكستانية- أن الإجراءات في الجمعية الوطنية (البرلمان)، اعتمدت على نتائج مجلس الأمن القومي، التي لا تشير -في بيانها الصحفي حتى- إلى التصويت بحجب الثقة، إذ تذكر فقط أن اللغة المستخدمة في الاتصال أو البرقية المستلمة أظهرت أن هناك "تدخلًا صارخًا في الشؤون الداخلية لباكستان" من قِبل قوة أجنبية.
علاوة على ذلك، فإن الطريقة التي جرى بها تنظيم الإجراءات -إذ إنه بدلاً من قضاء بعض الوقت في مناقشة الأمر، قرأ رئيس مجلس النواب مذكرة مكتوبة- منحت الانطباع بأنه بدلاً من تمثيل المجلس التشريعي، كان مكتب رئيس المجلس ونائبه يمثلان السلطة التنفيذية ويفرضان إرادة الحكومة.
وأضافت: "لا يمكن إغفال حقيقة أن رئيس مجلس النواب من المفترض أن يكون غير حزبي، إذ إنه ممثل ليس للسلطة التنفيذية، بل للسلطة التشريعية"، مشيرة إلى أنه بصفته وصيًا على مجلس النواب، فإن وظيفته إجراء مناقشة اقتراح، ثم جعل البرلمانيين يمارسون سلطتهم التقديرية، بعد الاستماع إلى المناقشة والتصويت لصالح الاقتراح أو ضده، لكن تدخل رئيس مجلس النواب وفرض إرادته على الأعضاء البالغ عددهم 342 أمر غير مسبوق.
وأمام ذلك، رأت "داون" أنه إذا عُدَّ حل المجلس صحيحًا، واعترفت المحكمة العليا به على هذا النحو، سيكون تصديقًا للإجراءات التي أجراها رئيس المجلس، من أن يمنح رئيس الوزراء حق حل البرلمان.
ماذا بعد؟
وعما يمكن أن يحدث، بينّت الصحيفة الباكستانية أن الدستور يسمح للرئيس بمنح صلاحيات خاصة لرئيس الوزراء للاستمرار في دوره، حتى بعد حل المجلس فترة مؤقتة.
وأشارت إلى أن هذه الفترة الانتقالية محددة بالمادتين 224 و224 (أ)، اللتين تنصان على أن زعيم المعارضة ورئيس الوزراء، إلى جانب الرئيس، أمامهم ثلاثة أيام للاتفاق على اسم رئيس الوزراء المؤقت، أما إذا فشلوا في ذلك، فسيشكل رئيس مجلس النواب على الفور لجنة من ثمانية أعضاء -أربعة من المعارضة وأربعة والخزانة- يجب على رئيس الوزراء وزعيم المعارضة إرسال اسمين لكل منهما.
وأوضحت أنه أمام اللجنة ثلاثة أيام للتداول بشأن الأسماء، وإلا سترسل الأسماء إلى لجنة الانتخابات الباكستانية، التي عليها بعد ذلك اتخاذ قرار بشأن الاسم في غضون يومين.
وأضافت: "مع الأخذ في الاعتبار الفترة الانتقالية، يمكن التوقع بأن يتولى رئيس وزراء مؤقت المسؤولية بعد أسبوعين تقريبًا من الآن".
وختمت الصحيفة تقريرها: من الآن، تتجه الأنظار إلى المحكمة العليا المكونة من خمسة أعضاء، إلا أنه مهما كان القرار فإن تداعيات الإجراءات غير الدستورية، التي اتخذها نائب رئيس مجلس النواب، ستظل محسوسة بالتأكيد لأشهر، إن لم تكن سنوات مقبلة.