لماذا تحتاج الولايات المتحدة إلى التركيز على معاقبة بوتين ماليًا؟
العقوبات المالية، مهما كانت واسعة النطاق، فلن تحقق أهداف الولايات المتحدة إلا إذا استهدفت بوتين نفسه، إذ تحتاج واشنطن وحلفاؤها إلى استراتيجية حرب مالية، لتعطيل ما يسمى باقتصاد القصر التابع للرئيس الروسي.

ترجمات – السياق
جولة أوروبية لنائب وزير الخزانة الأمريكي، والي أديمو، الشهر الماضي، في مسعى إلى تشديد عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا، وتعزيز إجراءات تجميد أصول تستهدف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين ونخبته، مع توجيه رسالة واضحة إلى داعمي موسكو و"أي شخص قد يكون في وضع يسمح له بمساعدة روسيا في تحقيق استفادة وتفادي العقوبات" بأنه سيعرِّض نفسه لمخاطر.
ورغم هذه الضغوط الاقتصادية غير المسبوقة، فإن الكثير من شبكة بوتين المالية لا يزال يعمل، بحسب "فايننشال تايمز".
وأشارت الصحيفة -في تقرير- إلى أن العقوبات المالية، مهما كانت واسعة النطاق، فلن تحقق أهداف الولايات المتحدة إلا إذا استهدفت بوتين نفسه، إذ تحتاج واشنطن وحلفاؤها إلى استراتيجية حرب مالية، لتعطيل ما يوصف بـ "اقتصاد القصر" التابع للرئيس الروسي.
مصرف بوتين الشخصي
وقالت "فايننشال تايمز": يجب أن ينصب تركيز هذه الحملة على البنية التحتية للشركات المحيطة بـ"بنك بوتين الشخصي"، بنك "روسيا"، الذي تضرر لأول مرة من عقوبات واشنطن عام 2014 بسبب صلاته بمسؤولين في الكرملين، إذ تعمل الولايات المتحدة على زيادة الضغوط المالية على شبكات بنك روسيا ومساهميه وشركائه، ورغم ذلك لا يزال البنك يزاول نشاطه، ويستطيع بوتين عن طريقه تحويل الأموال في جميع أنحاء العالم.
وشبهت الصحيفة، الشؤون المالية للرئيس الروسي، بـ"دمية ماتريوشكا"، وهي مجموعة من الدمى الخشبية ذات الحجم المتناقص والمُعقدة في تركيبتها، مشيرة إلى أن الأموال الخارجية متداخلة في نظام بنك روسيا المعقد، الذي يشمل شركات قابضة وعددًا لا يحصى من واجهات الشركات المملوكة لرجال أعمال في دول مثل قبرص وهولندا، تعمل كجهات تحويل مالية غير بنكية.
وشددت على أنه لدفع بنك روسيا إلى حافة الهاوية وإضعاف الموارد المالية لبوتين، يجب استهداف العلاقة التي تجمع تلك الشركات ببعضها، ليس بالعقوبات فحسب، بل من خلال عمليات مالية واستخباراتية وإلكترونية سرية.
واستشهدت الصحيفة البريطانية، بعلاقة شركة Telcrest Investments Limited "تيلكريست المحدودة للاستثمارات"، ومقرها قبرص، وهي إحدى أكثر الجبهات شهرة في بنك روسيا، وأفراد يخضعون لعقوبات داخل الدائرة المقربة من بوتين، بمن في ذلك رئيس البنك، يوري كوفالتشوك.
وأشارت إلى أنه رغم ذلك -ولسبب غير مفهوم- لم تضع وزارة الخزانة الأمريكية شركة تيلكريست، ولا الشركة الهولندية الشقيقة "إيه بي آر للاستثمار" على قوائمها، رغم أن "إيه بي آر أو إس"، الشركة الأم لشركة "إيه بي آر" ومالكتها بنسبة 100 في المئة، تخضع لعقوبات منذ عام 2014 بسبب موقعها المركزي في شبكة بنك روسيا.
لماذا لا؟
وتساءلت "فايننشال تايمز": لماذا لا تخضع مثل هذه الشركات للعقوبات الأمريكية؟، مشيرة إلى أن ممثلي وزارة الخزانة الأمريكية -الوزارة المعنية بتطبيق العقوبات- قد يفسرون ذلك بأنه نظرًا لأن بنك روسيا لا يمتلك -من الناحية الفنية- سوى حصة أقلية في شركة تيلكريست، فإنه غير خاضع للعقوبات، وذلك يكشف نقطة ضعف في استراتيجية العقوبات الأمريكية، التي تعرف بـ "قاعدة الـ50 في المئة" الصادرة من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية "أوفاك"، التي تنص على عدم حظر شركة يديرها شخص أو أكثر من المحظورين، في حال عدم ملكيتهم النصف أو أكثر من حصة الشركة.
ولتعزيز فعالية الضغوط المالية، شددت الصحيفة على ضرورة إلغاء قاعدة الـ50 في المئة على الفور، كما يجب على "أوفاك" تحديد الشركات التابعة والفرعية، حتى تستطيع البنوك تحديد من تستهدف، ويعرف الحلفاء من الدول الأوروبية والآسيوية الأصول التي يجب تجميدها ومصادرتها.
وأشارت إلى أن كل بنك ومؤسسة مالية تقع تحت العقوبات الأمريكية، تعمل على حماية نفسها من التأثر بهذه القيود، من خلال توظيف مصالح ملكية الأقليات المتداخلة وهياكل الملكية المفيدة عبر الوكلاء والشركاء.
المادة 311
وحسب "فايننشال تايمز" هناك عامل آخر يحد القيود الأمريكية، هو إحجام واشنطن عن استخدام أداة تتصدى لشبكات التمويل غير المشروعة، مشيرة إلى أن المادة 311 من قانون باتريوت الأمريكي، الذي يسمح لوزارة الخزانة بتصنيف مؤسسة مالية على أنها "مصدر قلق رئيس لغسل الأموال"، قد استخدمت مرارًا لعزل بنوك عن النظام المالي الأمريكي، ومن ثمّ فإنه بالنظر إلى السيادة العالمية للدولار، فإن ذلك يشل أهداف الولايات المتحدة المتعلقة بنشاط غسل الأموال.
وشددت الصحيفة على ضرورة تصنيف بنك روسيا بموجب القسم 311، وكذلك البنوك القبرصية التي تخدم شبكته، مشيرة إلى أن قبرص ليس أمامها سوى خيارين، إما أن تتعاون، وإما أن تواجه العزلة المالية التي تعيشها لاتفيا حاليًا بعد أن تضرر بنكها الرائد ABLV ، جراء تطبيق القسم 311 عليه قبل أربع سنوات لغسل الأموال لروسيا وكوريا الشمالية والعديد من المنظمات الإجرامية الدولية.
وأوضحت "فايننشال تايمز": رغم المعارضة الأوروبية، فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى فرض عقوبات على أكبر شركات تحقق عائدات مالية في عهد بوتين، وهي شركات "غازبروم" و"غازبرومبانك" و"روسنفت"، إذ يستفيد بوتين من ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، مشددة على ضرورة أن يكون هدف العقوبات تضييق الخناق على بوتين ماليًا، وإرساء دعائم تتيح للمعارضين داخليًا عزله.