كاتب بريطاني: على ألمانيا أن تعود إلى آمالها القديمة بعد رحيل ميركل
المرشح الأوفر حظًا لخلافة ميركل في منصبها، الذي قامت هي بتعيينه، أرمين لاشيت، بدأ، خلال هذا الأسبوع، الإعلان عن نهج الديمقراطيين المسيحيين الذين يمثلهم

ترجمات - السياق
رأى الكاتب البريطاني، فيليب ستيفنز، أن رحيل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد الانتخابات المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل يُعدّ بمثابة لحظة مناسبة لبرلين لفصل آمال الأمس المعلقة عن الحقائق القاسية الموجودة اليوم، معربًا عن عدم تفاؤله حيال الأمر، إذ قال إن العلامات لا تبدو مشجعة.
وقال ستيفنز -في مقال كتبه بصحيفة "فاينانشيال تايمز"، البريطانية، الخميس- إنه لطالما رُوّج من قِبل عالم السياسة الأمريكي، فرانسيس فوكوياما، في عام 1989، لفكرة أن إنهاء الحرب الباردة هو النصر النهائي للديمقراطية الليبرالية، إلا أنه بعد ثلاثة عقود أصبحت ألمانيا وحدها هي من تتمسّك بهذه الفكرة.
وأضاف الكاتب أن المرشح الأوفر حظًا لخلافة ميركل في منصبها، الذي قامت هي بتعيينه، أرمين لاشيت، بدأ، خلال هذا الأسبوع، الإعلان عن نهج الديمقراطيين المسيحيين الذين يمثلهم، مشيرًا إلى أنه صحيح أن طموحات الصين في أن تصبح قوة عظمى والنزعة الانتقامية الموجودة لدى روسيا قد حطّمت نظام ما بعد الحرب الباردة، إلا أن نهج لاشيت يمكن تلخيصه من خلال جملته "سنظل ثابتين وسنمضي قدمًا".
ونقل ستيفنز عن لاشيت قوله في تصريحات لـ"فاينانشيال تايمز": إنه لم يختلف أبدًا مع أفكار ميركل الحذرة دائمًا فيما يتعلق بالقضايا الكبرى التي تواجهها البلاد.
وتابع: "واعترف لاشيت أن إصرار بكين الذي لا هوادة فيه هو الذي دفع أوروبا إلى تصنيفها على أنها منافسة لها، وبأن استخدام موسكو قوتها العسكرية لإعادة ترسيم حدود أوروبا بضم شبه جزيرة القرم يعد غير مقبول، أما فيما يتعلق بازدراء بوتين للنظام الليبرالي، فقال إنه يجب على الغرب أن يسعى لإقامة علاقة عقلانية مع موسكو".
ورأى ستيفنز أنه من الممكن رؤية تصريحات لاشيت من قبل بعض النقاد اللاذعين، على أنه يتبنى النزعة التجارية التي غالبًا ما أدت إلى تخفيف حدة خطاب ميركل المتعصب بشأن القيم الديمقراطية، وذلك بالنظر إلى أن الصين تُعدّ أهم أسواق الصادرات الألمانية، كما أن خط أنابيب نورد ستريم 2 الجديد سيفي قريبًا باحتياجات برلين من الطاقة من خلال الحصول على الإمدادات المباشرة من الغاز الروسي.
ولفت الكاتب إلى أنه ربما تكون تصريحات لاشيت ترجع إلى رغبة الغرب في ضرورة تحقيق توازن في تعاملاته مع الحكام المستبدين، موضحًا أن القول بأنه يجب على الديمقراطيات التمسك بقوة بالنظام الدولي المفتوح والقائم على القواعد والقوانين لا يعني الاندفاع إلى حرب باردة مع بكين أو لمواجهة مع موسكو.
وتابع: "من الممكن أيضًا أن يكون موقف لاشيت راجعًا لمراعاته لمصلحة البلاد التجارية، وحذره المُبرَر الذي يشير إلى رغبته في ضبط النفس، كما أن هناك سببًا ثالثًا، وهو أنه يرغب في إخبار الناخبين بما يريدون سماعه، وذلك لأنه يدرك ترددهم العميق في رؤية العالم كما هو الآن، وليس كما يودون أن يكون".
وأشار ستيفنز إلى أن الدبلوماسي الألماني توماس باجر هو أفضل من استطاع توصيف الوضع الحالي في ألمانيا، وذلك عندما أشار إلى أن نهاية التاريخ كانت فكرة أمريكية، ولكنها أصبحت واقعًا ألمانيًا اليوم، قائلًا إن باجر، الذي أصبح الآن مستشارًا للرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، قد نشر مقالًا -قبل عامين- في صحيفة "واشنطن كوارترلي" يشرح فيه النظرة الألمانية للعالم بعد الحرب الباردة.
وتابع: "يتحدث المقال عن سقوط جدار برلين، إذ عدّه الكاتب قد أدى إلى ما هو أكثر من مجرد عملية إعادة التوحيد، وذلك لأنه أدّى إلى تسريع نهاية القرن الذي كانت ألمانيا فيه على الجانب الخطأ من التاريخ، ولكن كان انتصار الديمقراطية الليبرالية فقط هو الذي يضعها على الجانب الصحيح".
ولفت الكاتب إلى أنه بعد سقوط جدار برلين باتت برلين للمرة الأولى محاطة بالأصدقاء، كما أصبحت في قلب قارة أوروبا المتكاملة التي كان من المقرر أن تصبح نموذجًا لبقية العالم.
ونقل ستيفنز عن أولريك فرانك، وهي باحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قولها الذي وصفه بأنه شرح أنيق لكيفية شعور جيل الألفية الثالثة بأنه محاصر، فقالت فرانك: "يبدو أن هذه اللحظة الألمانية قد مرت، كما أنه بعد ارتكاب النازيين العديد من الفظائع، فإنه ليس من المستغرب أن يرغب الكثير من الألمان الآن في التمسك بهذه اللحظة، فالأفكار التي نشأت بعد عام 1989 تمثّل قناعات الجيل الحالي، ولكن بالنظر إلى سياسات القوة الجيوسياسية الحالية، فإن هذا الجيل قد بات تائهًا، فصحيح أن جيل باجر قد تبنّى روح عام 1989، ولكن جيل الألفية الجديدة وُلد في هذه الروح، وهي التي شكّلت أفكاره، ولذلك فإن التخلص من هذه الأفكار لن يكون سهلًا".
ورأى الكاتب أن كون حزب الخضر، الذي لطالما كان مسالمًا، هو الأكثر صراحة في الإشارة إلى التحديات التي تواجهها برلين من الصين وروسيا الآن يعد أمرًا غريبًا.
ومضى يقول: "هذا الحزب هو المنافس الأقوى للديمقراطيين المسيحيين بقيادة لاشيت، وقد ينتهي الأمر بوجود الاثنين في ائتلاف واحد، إلا أنه مهما كانت نتيجة الانتخابات المقبلة، فإن خليفة ميركل سيعاني للاستمرار في التظاهر بالتفوق الأخلاقي مع رفض الجغرافيا السياسية التقليدية.. فصحيح كان الحلم الألماني رائعًا، ولكن يبدو أن برلين لا تستطيع تحقيقه".