مبادرة الاحتضان في مصر... الأسر البديلة لليتامى... بين الضوابط الشرعية والشروط القانونية

يخضع تكافل الأطفال في مصر إلى آليات محكمة، وضعتها وزارة التضامن الاجتماعي المصرية، التي يتبعها نحو 450 دار رعاية، وتستضيف نحو 10 آلاف طفل، بينهم أكثر من 80% من مجهولي النَّسب.

مبادرة الاحتضان في مصر... الأسر البديلة لليتامى... بين الضوابط الشرعية والشروط القانونية

السياق

تحت شعار "الأطفال مكانهم في البيوت" تشارك العديد من الأسر البديلة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قصص كفالتها أطفالاً من الأيتام و"كريمي النَّسب"، في مبادرة مجتمعية، للتشجيع على كفالتهم وانتقالهم إلى العيش بين أفراد الأسر البديلة، لا داخل دور الرعاية.

"يمنى دحروج" و"ليلى" هما الاسمان الأكثر انتشاراً بين تلك القصص، "يمنى" زوجة مصرية تخطّت الثلاثين من عمرها، وهي صاحبة مبادرة "الاحتضان في مصر" التي يتعدّى متابعوها على "فيسبوك" 114 ألف متابع، ويرجع تأسيسها إلى عام 2018، بهدف مشاركة تجارب الأسر البديلة في كفالة الأطفال، وتشجيع الكثيرين على اتخاذ تلك الخطوة.

يمنى دحروج، تروي لمنصة "السياق" كيف بدأت لديها فِكرة الدعوة إلى كفالة الأطفال داخل الأسر، قائلة: "استجبت إلى فِكرة زوجي بكفالة طفل، بعد 9 سنوات من الزواج دون إنجاب، وقتها توجَّهت إلى مكتب الصحة التابع له سكني، لاختيار طفل من بين مجموعة من الأطفال، كان حالهم يُرثى له، بسبب نقص الإمكانات وحاجتهم إلى دفء الأسرة، واختار قلبي ليلى وكان عمرها ثلاثة أشهر".

يخضع تكافل الأطفال في مصر إلى آليات محكمة، وضعتها وزارة التضامن الاجتماعي المصرية، التي يتبعها نحو 450 دار رعاية، وتستضيف نحو 10 آلاف طفل، بينهم أكثر من 80% من مجهولي النَّسب.

ويصل عدد الأسر البديلة -بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة التضامن الاجتماعي المصرية- إلى 11421 عائلة، بإجمالي 11658 طفلاً يتيماً، ويكفل عدد من الأسر أكثر من طفل، وتتم متابعة حال الأولاد، خلال زيارات شهرية لاختصاصي اجتماعي إلى منزل الأسرة البديلة، إن كان عمر الطفل أقل من عام، وزيارة ربع سنوية حتى بلوغ اليتيم 21 عاماً.

"لم يكن الأمر سهلاً" هكذا تقول يمنى دحروج، في إشارة إلى ما واجهته من انتقادات منذ أطلقت المبادرة، بسبب عدم الوعي مجتمعياً بالفرق بين التبني، وهو محرم شرعاً، والكفالة التي يحثُّ عليها الدين الإسلامي.

 

ترحيب ديني وضوابط شرعية

الدكتور خالد عمران، أمين عام الفتوى بدار الإفتاء المصرية، يوضح لـ"السياق" موقف الشريعة الإسلامية من كفالة الأطفال بقوله: إن الأسر البديلة التي ينتقل إليها الأطفال الأيتام ومجهولو النسب، أو الطفل الذي لا يجد له عائلاً، تحظى بأجر كفالة الطفل اليتيم، مستشهدًا بما رواه الإمام البخاري في صحيحه، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى".

ويوضّح الشيخ صالح الأزهري، عضو لجنة الفتوى الرئيسية بالأزهر الشريف، لـ"السياق"، أن على المتكفِّل أو المحتضن للأطفال اليتامى ومجهولي النسب، أن يراعي مصالحهم الدينية والدنيوية على حد سواء، لافتاً إلى أن مجهولي النسب، ممن لا يُعرف لهم أب ولا أم، ولا يُعرف هل جاؤوا بطريقة شرعية أم لا، لهم أحكام الأيتام نفسها في الكفالة، بل قد يكونون هم الأولى، لافتقادهم أي شخص من أقاربهم، بخلاف الأيتام فلهم عائلة وأقارب.

تتداول كثيرات من متابعي مبادرة الاحتضان، خلال تبادل تجاربهن، النصيحة بكفالة طفل صغير السن أو حديث الولادة وإرضاعه، حتى وإن كان عن طريق لجوء الأم إلى الوسائل الطبية لإدرار اللبن، وهي محاولة "مستحسنة"، بحسب قول أمين عام الفتوى في مصر الدكتور خالد عمران، "فالمرأة هنا تصير أماً من الرضاعة، حتى وإن كان عن طريق الأدوية، وتكون لها وللطفل أحكام الأولاد أنفسهم من الرضاعة".

ويلفت عمران، إلى أن الأطفال الذين ترعاهم الأسر البديلة، لا تكون لهم الحقوق الشرعية نفسها في الميراث، وإن كانت بعض الأسر توصي لهم ببعض ما تملك، وهو أمر مستحسن.

وفي مارس الماضي، أصدرت مصر تعديلاً تشريعياً تضمَّن تسهيلات لمَنْ يرغب في كفالة الأطفال، منها خفض سن الزوجين المسموح لهما بالكفالة إلى 21 عاماً بدلاً من 25 عاماً، كما كان معمولاً به، وإلغاء شرط الحصول على مؤهل دراسي، إذ تكون لديه معرفة بالقراءة والكتابة، مع منح الأسرة البديلة الولاية التعليمية على الطفل، والسماح بإدراج الاسم الأول للأم "البديلة" في خانة الأم في شهادة الميلاد، وإضافة الاسم الأول للأب البديل أو لقب العائلة في الأوراق الرسمية، مع تغيير مصطلح الأسرة البديلة إلى أسرة بديلة كافلة.

كما سمحت التعديلات التشريعية للأسر، التي يكون فيها أحد الزوجين غير مصري بالكفالة، بشرط موافقة لجنة عليا تضم ممثِّلين لوزارات التضامن الاجتماعي والداخلية والخارجية والعدل، وممثلاً للنيابة العامة ومشيخة الأزهر، إذ تناقش اللجنة الأسرة في قضايا مختلفة، لمعرفة مدى صلاحيتها لرعاية الطفل.

 

شروط قانونية للكفالة

ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية معتمدة، لأعداد الأيتام ومجهولي النسب بمصر -بحسب قول المحامي وليد صالح- فإن بعض التقارير تشير إلى أن مصر بها نحو مليوني طفل يتيم، إضافة إلى مصادر حكومية، تؤكد أن عدد دور رعاية الأيتام بمصر يزيد على 550 داراً، توفِّر الرعاية لما يزيد على 11 ألف طفل يتيم ومجهول النسب، إلى جانب عدد لا يقل عن 12 ألف طفل آخر، تتكفل بهم وتحتضنهم عائلات وأسر بديلة .

ويوضح صالح، الحاصل أيضاً على ماجستير القانون والعلوم الإدارية، الشروط المفترض وجودها في المحتضن، وهي:

1- أن تكون الأسرة من ديانة الطفل نفسها، وأن يكون أحد أطرافها مصري الجنسية، سواء كان الزوج أو الزوجة .

2- أن يكون لدى الأسرة سكن آمن وصالح للحياة الكريمة، ولديهم مصدر دخل كافٍ ومناسب.

3- ألا يكون لدى الأسرة أكثر من طفلين .

4- أن يتمتع الزوجان بالنضج والأهلية، وأن تتوافر لديهما الصلاحية النفسية والاجتماعية والقدرة على رعاية الطفل .

5- أن يكون زواج الأسرة قد مرت عليه 3 سنوات على الأقل .

6- ألا تقل سن أحد الزوجين على 25 أو تزيد على 60 عاماً .

7- أن تتعهّد الأسرة برعاية الطفل وتتفهّم إدراك احتياجاته والحفاظ على نسبه.

8- أن تتعهّد الأسرة بعدم تغيير نسب الطفل .

ويلفت صالح إلى ضرورة أن يُؤخذ في الاعتبار، أن القانون لا يسمح بسفر الطفل بصحبة الأسرة البديلة، إلا بعد موافقة إدارة الأسرة والطفولة في وزارة التضامن الاجتماعي.