مَنْ المسؤول عن الفوضى في أفغانستان؟

وسائل الإعلام تبحث عن كبش فداء لكنها قبل 20 عاماً ساعدت في تسهيل هذا التدخل العسكري الكارثي

مَنْ المسؤول عن الفوضى في أفغانستان؟

ترجمات-السياق

سخر الكاتب البريطاني، جورج مونبيوت، من فِكرة عدم توجيه اللوم في الأوضاع الحالية في أفغانستان، إلى الذين اتخذوا قرار دخول كابل من الأساس، وقال: "يبدو أن اللوم في الكارثة التي تحدث في أفغانستان الآن، يقع على الجميع باستثناء الذين بدأوها".

وأضاف الكاتب، في مقال بصحيفة "ذي جارديان"، البريطانية: "صحيح أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أخطأ حينما انسحب من كابل بشكل مندفع وبطريقة فوضوية، وصحيح أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، فشل في اتخاذ تدابير كافية، وفي الوقت المناسب، لإجلاء الأشخاص من هناك".

 لكن هناك إصراراً محموماً، في وسائل الإعلام، على ضمان عدم إلقاء اللوم على أولئك الذين بدأوا هذه الحرب المفتوحة، من دون أهداف واقعية ولا خطة للخروج، ثم شنوها من دون إيلاء اهتمام بأرواح وحقوق الشعب الأفغاني، وهم رئيس الولايات المتحدة آنذاك، جورج دبليو بوش، ورئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، ورجالهما.

ورأى الكاتب أنه، على مدى الأسبوع الماضي، ظلت وسائل الإعلام تبرئ بلير وتنقل اللوم إلى بايدن، في حين أنه لا حديث مع أولئك الذين عارضوا حربه الكارثية هذه، قبل 20 عاماً، في معظم وسائل الإعلام، وذلك لأن الاعتراف بأخطاء الرجال، الذين شنوا هذه الحرب، فضح لدور الإعلام في تسهيلها.

وتابع: "أي مساءلة عادلة، عن الأخطاء التي وقعت في أفغانستان والعراق والدول الأخرى، التي تم دخولها لشن الحرب على الإرهاب، يجب أن تشمل الأداء الكارثي لوسائل الإعلام، إذ كان يتم تشجيع الحرب في أفغانستان في وسائل الإعلام على مستوى العالم كله تقريباً، بينما لم يتقبَّل أحد الأصوات المعارضة، كما تمت إضافة الصحفيين والشخصيات العامة المعارضة، إلى قائمة صحيفة التلجراف التي جاءت باسم (الأغبياء المفيدين لأسامة بن لادن)، حيث تم اتهامهم بأنهم معادون لأمريكا، ومؤيدون للإرهاب، وتم الاستهزاء والتشهير بهم".

وأكد الكاتب، أن كل الذين يعرفهم في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ممن هوجموا في وسائل الإعلام لمعارضتهم الحرب، تلقوا تهديدات بالقتل، مشيراً إلى أن العضوة الوحيدة في الكونجرس، التي صوتت ضد منح حكومة بوش ترخيصاً مفتوحاً لاستخدام القوة العسكرية، باربرا لي، كانت بعد ذلك بحاجة إلى حراس شخصيين على مدار الساعة.

كما سعى وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، كولين باول، إلى إقناع أمير قطر بفرض رقابة على قناة الجزيرة، وبعد أن فشل في ذلك، قصفت الولايات المتحدة مكتبها في كابل.

وأضاف: "كانت وسائل الإعلام المرئية محجوزة بشكل حصري تقريباً، لأولئك الذين يدعمون الحرب في أفغانستان، وحدث الشيء نفسه قبل وأثناء غزو العراق، عندما حصل معارضو الحرب على 2% فقط من وقت بث هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن هذا الموضوع".

وتساءل الكاتب: "لماذا تبدو وسائل إعلام وكأنها متعطشة للدماء؟ لماذا يحبون استخدام القنابل والرصاص أكثر من الدبلوماسية؟ ولماذا يستمتعون بهذه البهجة في الوقوف فوق كومة من الجثث، ثم يبتعدون بهدوء عندما تسوء الأمور؟".

وتابع: "الجواب الواضح، هو أن الأخبار التي تتضمن قتلى هي الأهم، لذلك يبدو أن هناك رغبة داخلية لدى الإعلام في وجود دماء، وأتذكر اللحظة التي بدأت فيها كره هذه الصناعة التي أعمل بها، والتي كانت عام 1987، عندما كنت أعمل في أحد برامج (بي بي سي) وقد كنا نمر بيوم هادئ على المستوى الخبري، إذ إننا لم نجد أي قصص لنبدأ بها البرنامج، وقبل عشر دقائق من الإرسال، فتح أحد المحررين باب الاستوديو ودخل وهو يصفِّق ويقول: عظيم، هناك 110 قتلى في سريلانكا".

ورأى الكاتب، أن هناك عاملًا آخر في المملكة المتحدة، هو الفشل المستمر في إنهاء التاريخ  الاستعماري للبلاد، قائلاً إنه على مدى قرون، كانت مصالح المملكة المتحدة تندمج مع مصالح الأثرياء، الذين كانت تعتمد مصالحهم بشكل ملحوظ على الغنائم الاستعمارية والمغامرات العسكرية، لذا فقد أصبح دعم الحروب الخارجية -مهما كانت كارثية- واجباً وطنياً.

وأضاف: "رغم الهزائم الكارثية في أفغانستان، فإنه يبدو أنه لم يتم تعلُّم أي شيء مما حدث، فلا تزال وسائل الإعلام تنشر أكاذيب مطمئنة عن الحرب والاحتلال، كما تسعى إلى نشر مبررات لقرار خوض الحرب، وعلى رأسها تأمين حقوق المرأة".

وأكد الكاتب أن هذه القضية، رغم أهميتها الشديدة، لم تكن تندرج ضمن أهداف الحرب الأصلية، كما أنه لم يتم إسقاط طالبان من أجلها، لافتاً إلى أنه تم تأمين رئاسة بوش، والترويج لحروبه، من الأمريكيين المتدينيين المحافظين، الذين كانت لديهم قواسم مشتركة مع طالبان، أكثر من القواسم المشتركة مع النساء الساعيات إلى التحرر.

وأشار الكاتب إلى أنه عام 2001، كانت الصحف التي تروِّج لنفسها الآن، بأنها مدافعة عن حقوق الإنسان، تسخر من النساء وتعيقهن في كل فرصة، إذ كان هناك تمييز شديد على أساس الجنس، وفضح لأجساد النساء، وهجوم على الأفكار النسوية، حسب قوله.

وأوضح الكاتب، أن أولئك الذين عارضوا الحرب في أفغانستان، لم تكن لديهم أي قوى خارقة للتنبؤ بأضرارها، لكن لأن هذه الأضرار كانت واضحة، قائلاً: "لن يتم تقبلك من الكثير من وسائل الإعلام، في حال معارضة حرب يشنها بلدك، ما لم تكن أسبابك عملية فقط، فإذا كانت دوافعك إنسانية، فقد يتم تصنيفك بأنك متعصب ومتطرف، لكن يبدو أنه يتم الآن تجاهل الحقيقة المزعجة، المتمثِّلة في أن هؤلاء المتطرفين كانوا على حق، وأن الوسطيين كانوا على خطأ، بشكل مُتعمَّد".