الجزائر أبرز المستفيدين.. التهديدات الروسية تعيد رسم خريطة الطاقة العالمية
من أبرز المستفيدين، دول إفريقية مثل الجزائر، التي كانت لاعبًا متوسط المخاطر في سوق الطاقة العالمية، لكن التطورات الأخيرة جعلت الأنظار تتجه إليها، إذ أجرى رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراجي، زيارة لها قبل أسابيع، لتوقيع اتفاق زيادة واردات الغاز الطبيعي.

ترجمات – السياق
قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إنه في ظل التهديدات الروسية بقطع الغاز عن دول أوروبية، في حال عدم الدفع بالروبل، تسارع دول عدة للبحث عن بدائل للواردات الروسية، في خطوة قد تعيد رسم خريطة سوق الطاقة العالمية.
وأضافت الصحيفة أن من أبرز المستفيدين، دول إفريقية مثل الجزائر، التي كانت لاعبًا متوسط المخاطر في سوق الطاقة العالمية، لكن التطورات الأخيرة جعلت الأنظار تتجه إليها، إذ أجرى رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراجي، زيارة لها قبل أسابيع، لتوقيع اتفاق زيادة واردات الغاز الطبيعي.
وأشارت إلى أن هذه الاتفاقية -بين إيطاليا والجزائر- ستزيد واردات الغاز الطبيعي من الجزائر بنسبة 40 في المئة عبر خط أنابيب غير مستغل، يمر تحت البحر المتوسط.
لاعبون محتملون
ومن الدول التي لفتت إليها الأنظار بجانب الجزائر، أنغولا ونيجيريا والكونغو، التي لم تكن في مقدمة الخيارات بأسواق الطاقة.
وأوضحت "واشنطن بوست" أنه على المدى المتوسط اتجهت الدول الأوروبية لاستيراد الغاز الطبيعي من قطر والولايات المتحدة، رغم أنها قد تكون مكلفة من الناحية الاقتصادية.
هذه التحركات الأوروبية تأتي ردًا على التهديدات الروسية، التي تلت إجراءات موسكو بقطع الغاز عن دول أوروبية، لرفضهما الدفع بالروبل، الأمر الذي دفع بدول مثل ألمانيا وإيطاليا إلى طمأنة مواطنيهم، بأنهم يبحثون عن حلول بديلة، إذا وسَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحظر.
كان بوتين طلب من شركات الطاقة في ألمانيا وأستراليا و سلوفاكيا والمجر فتح حسابات بنكيه لـ«غازبروم» الروسية -أكبر شركة في العالم استخراجًا للغاز الطبيعي- للدفع لها، بعد أن أوقفت موسكو إمدادات الغاز لبلغاريا وبولندا لرفضهما الدفع بالروبل.
وفي ظل السيناريوهات المطروحة، ستكون الثمانية عشر شهرًا المقبلة وقتًا مروِّعًا لأوروبا، حيث تنتشر آثار ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء العالم، وتكافح الحكومات لتشغيل مصانعها وتدفئة منازلها، والحفاظ على تشغيل محطات الكهرباء، مشيرة إلى أنه لا توجد بدائل كافية على المدى القريب لتجنُّب معاناة اقتصادية كبيرة في الشتاء المقبل، إذا توقفت إمدادات الغاز الروسي عن القارة العجوز.
واستشهدت الصحيفة الأمريكية، بتحذير البنك المركزي الألماني، من أن اقتصاد البلاد قد ينكمش بنسبة 2% إذا استمرت الحرب في أوكرانيا.
لعبة خطيرة
ونقلت "واشنطن بوست" عن إدوارد تشاو، الباحث في أمن الطاقة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله: "إنها لعبة خطيرة... لا أعرف كيف من المفترض أن ينتهي ذلك، يبدو الأمر كأنه سينتهي في مكان سيئ للغاية لأوروبا وروسيا".
وأضاف تشاو: "لن يتمكن أحد من إنتاج مزيد من الغاز المسال سريعًا، بعيدًا عن الطموحات والأوهام التي تصبو إليها الحكومات الأوروبية".
من جانبه، قال دانيال يرغين، خبير الطاقة الأمريكي: "ما يحدث إعادة ترتيب عالمية مفاجئة لأسواق الطاقة، بالتحول المفاجئ عن روسيا، التي أمضت عقودًا في محاولة استخدام احتياطاتها السخية من النفط والغاز للاندماج في الاقتصاد العالمي".
ورأى أن الأمور تتطور سريعًا في سوق الطاقة، مشيرًا إلى أنه لم يكن أحد يتصور -قبل شهرين فقط- أن يدمر بوتين ما أمضى 22 عامًا في بنائه، في 8 أسابيع فقط من الحرب.
وذكرت "واشنطن بوست" أن سوق الغاز في أوروبا أصبح مزيجًا من الواردات، إذ تتجه إيطاليا للجزائر، بينما قد تتحول بلغاريا للاستيراد من اليونان، ويمكن لبولندا أن تتحول للاستيراد من النرويج، مشيرة إلى أن دولًا أوروبية غير مستعدة لهذه الأمور، مثل ألمانيا التي يأتي نِصف إمداداتها من الغاز الروسي.
وأوضحت أن ألمانيا رغم تقليصها للإمدادات الروسية إلى نحو 35 في المائة، فإنها ليست في وضع جيد، يتيح لها التخلص من الغاز الروسي في وقت قريب.
وقال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، إنه يتوقع أن تنزلق بلاده إلى الركود من دون الغاز الروسي، مشددًا على أن بلاده تأخذ هذه الأمور على محمل الجد.
الطاقة المتجددة
وعن الصعوبات التي تواجه التحول الأوروبي من الغاز الروسي إلى مصدر آخر، أوضحت "واشنطن بوست" أنه يتعين على الشركات الأوروبية إضافة 1.50 دولار لكل ألف قدم مكعب -أي ما بين 30 و50 في المئة من تكلفة الغاز نفسه- للحصول على ناقلة الغاز الطبيعي المسال لرحلة من خليج المكسيك إلى أوروبا، ثم يجب على السفينة الفارغة العودة، أي ما مجموعه 24 يومًا في العبور.
وأشارت إلى أن الدول الأوروبية تتحرك أيضًا بسرعة قدر الإمكان لتنويع إمداداتها، لكن منتجي الطاقة لا يمكنهم مواكبة ذلك، إذ إنه عادةً ما يستغرق مشروع التحول السريع الذي يوفر إمدادات جديدة من الغاز الطبيعي ما لا يقل عن سنتين إلى أربع سنوات، مبينة أنه في الوقت نفسه، قد يكون المستثمرون حذرين من مشاريع الغاز الطبيعي الكبيرة وطويلة الأجل، حيث تتطلع الحكومات والشركات قريبًا إلى المزيد من أنواع الطاقة الصديقة للبيئة.
وذكرت أنه بينما تعرضت الخطط العالمية للانتقال إلى الطاقة المتجددة -خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح- إلى هزة كبيرة نتيجة الحرب الأوكرانية، يرى كليف كوبتشان، المحلل السياسي ورئيس مجلس إدارة شركة أوراسيا جروب للاستشارات السياسية والمخاطر، أن هذه الحرب ستجعل أوروبا تتعجل الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة ومصادر الغاز الأخرى، لتعويض خسائرها من الغاز الروسي.
من جانبه، قال فليمنج سورنسون، نائب رئيس شركة LevelTen Energy الأوروبية للطاقة، التي تتفاوض على اتفاقيات شراء الطاقة لكبار المستهلكين، الذين يسعون إلى الحصول على مصادر الطاقة المتجددة: "المشكلة أنه لم يتبق أي إمداد... إذ إن هناك عددًا قليلًا من عقود الطاقة المتجددة الجديدة، التي يمكن توقيعها وتكون جاهزة للبدء قبل عام 2024."
وأشار سورنسون إلى إسبانيا، كمثال للعقبات التنظيمية التي تقف أيضًا في طريق التحول السريع إلى أشكال أخرى من الطاقة، لافتًا إلى أن هناك أكثر من 70 غيغاوات من الطاقة الشمسية تنتظر نشرها هناك، إلا أن عملية التشغيل تسير بخطى بطيئة جدًا، مبينًا أنه جرت الموافقة على تصاريح 20 في المئة فقط من تلك المنشآت الشمسية.
أما روبرتو سينغولاني، وزير التحول البيئى بإيطاليا فقال لـ "واشنطن بوست": "إيطاليا كانت تتسابق للتوصل إلى صفقات مع عدد من الدول الأفريقية وتأمل أن تكون مستقلة في مجال الطاقة عن روسيا بحلول ربيع 2024".
وأضاف سينغولاني، الذي زار أنغولا وجمهورية الكونغو الأسبوع الماضي: "أعتقد أن أوروبا أدركت أن الاعتماد على دولة واحدة، ومورد واحد، وجهة نظر ليست ذكية."
صعوبات
وترى "واشنطن بوست" أن الجزائر تتمتع بقدرة إضافية في المنشآت التي تحول الغاز الطبيعي إلى سائل صالح للشحن، رغم بعض المشكلات التي تمنع المزيد من الصادرات، منها ما يتعلق بمخاوف من وجود وقود كافٍ للاستهلاك المحلي مع نمو اقتصاد الدولة ، فضلاً عن الاعتبارات الجيوسياسية للارتباط الوثيق جدًا بأوروبا.
لكن فيجايا راماشاندران، خبيرة الطاقة الإفريقية في معهد بريكثرو، قالت للصحيفة الأمريكية: "العائق الأبرز أمام الجزائر والدول الإفريقية التي تمتلك احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي، تفضيل أوروبا للغاز الروسي، الذي يُعد أرخص ومتاحًا بسهولة أكبر".