الغرب يمطر أوكرانيا بالأسلحة... ما أسباب التحول الخطير؟
في تطور وُصف بالخطير، أقر مجلس النواب الأمريكي، مساء الخميس، بأغلبية ساحقة تشريعًا يسمح للرئيس جو بايدن، باستخدام قانون يعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، لتزويد أوكرانيا بالأسلحة بشكل سريع على سبيل الإعارة

السياق
شحن الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا، نقطة تحول جديدة في الحرب الروسية الأوكرانية، التي دخلت شهرها الثالث، من دون حسم، مخلِّفة أكبر موجة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية.
فالمرحلة الأولى من الحرب التي بدأت 24 فبراير الماضي، كان الدعم الأوروبي والأمريكي فيها محدودًا، على الأقل علنًا، بحسب صحيفة لوموند الفرنسية، التي قالت إن الغرب كان يتورع عن إرسال الوقود ومعدات الحماية والذخيرة والأسلحة المضادة للدبابات والمضادة للطائرات، بسبب خطر النظر فيه، كطرف متحارب.
إلا أن ذلك الأمر شهدًا تحولا في الأيام الأخيرة، نحو إرسال دول الغرب وأمريكا المزيد من المعدات الهجومية، مثل مدافع الهاوتزر والدبابات والعربات المدرعة والمروحيات.
فبحسب الصحيفة الفرنسية، إذا كانت الموجة الأولى من شحنات الأسلحة حاسمة في عرقلة «العملية الخاصة» الأولية للقوات الروسية في كييف، فإن القفزة النوعية للأسلحة التي يرسلها الغرب حاليًا، تتوافق مع هدف مزدوج.
وأوضحت أن الهدف يتمثل من ناحية في استعادة قدرات الأوكرانيين، بعد المرحلة الأولى التي تكبدوا خلالها خسائر كبيرة في الرجال والمعدات، رغم قلة المعلومات التي جرى إعلانها عن حالة قواتهم، ومن جهة أخرى تهدف لتزويد القوات في كييف بوسائل صد الهجوم الروسي في دونباس، لـ «الانتصار» نهاية المطاف في الحرب، وهو طموح أبدته الولايات المتحدة، خلال الاجتماع الذي عقدته 26 أبريل الماضي.
وقررت موسكو تركيز جهودها الحربية شرقي أوكرانيا، على الأقل لوضع يدها على منطقة دونباس، إن لم يكن لحرمان أوكرانيا من الوصول إلى بحر آزوف، بحسب ليو بيريا بينيه، المتخصص في قضايا التسلح في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، الذي قال إن التحدي هو تجنُّب انهيار الأوكرانيين.
تلك الرؤية أشارت إليها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، التي قالت في تقرير، إن خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، شهد تحولًا معبرًا يعكس حظوظ الصراع المتغيرة.
تحول الخطاب الأمريكي
عندما بدأ الهجوم الروسي، دعم بايدن أوكرانيا بالأسلحة والعقوبات، لكنه وافق ضمنيًا على أن روسيا قد تحتل البلاد، قائلًا في 24 فبراير الماضي: «لقد أظهر التاريخ مرارًا وتكرارًا كيف أن المكاسب السريعة في الأرض، تفسح المجال -نهاية المطاف- إلى احتلال طاحن، وأعمال عصيان مدني جماعي، وطرق استراتيجية مسدودة».
وفي خطابه عن حالة الاتحاد في الأول من مارس، اعترف مرة أخرى بإمكانية فوز روسيا، قائلاً إنه في حين أن الدكتاتور الروسي فلاديمير بوتين «قد يحقق مكاسب في ساحة المعركة، فإنه سيدفع ثمناً باهظاً مستمراً على المدى الطويل».
وعلى النقيض من ذلك، تعهد الخميس، في إعلانه عن حزمة مساعدات أخرى لأوكرانيا، بأن بوتين «لن ينجح في السيطرة على أوكرانيا واحتلالها».
وبحسب «واشنطن بوست»، فإن نوع المساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها يدل على النجاح المتزايد لأوكرانيا، ففي البداية كان الغرب يرسل أسلحة يدوية مثل صواريخ ستينغر المضادة للطائرات وصواريخ جافلين و NLAW المضادة للدبابات، المصممة لمقاومة حرب العصابات ضد الاحتلال الروسي.
لكن في الأسابيع الأخيرة، قدَّم الغرب أسلحة أثقل، بما في ذلك المدفعية والدبابات والدفاعات الجوية بعيدة المدى، بحسب "واشنطن بوست" التي قالت إن هذه الأسلحة مصممة لكسب الحرب وليس إطالة أمدها.
وللأسبوع الثاني على التوالي، أعلن بايدن الخميس الماضي، حزمة مساعدات بـ 800 مليون دولار لأوكرانيا، لتصل المساعدات العسكرية التي تعهدت بها الولايات المتحدة لأوكرانيا -منذ بدء الغزو- إلى 3.4 مليار دولار.
تتضمن الحزمة الجديدة 72 مدفع هاوتزر عيار 155 ملم (مسدسات قطرها يمكن أن تقذف 90 رطلاً بقذيفة 25 ميلاً) جنبًا إلى جنب مع 144000 طلقة مدفعية. كما جرى تضمين 121 طائرة من دون طيار جديدة من طراز Phoenix Ghost يمكنها تتبع الأهداف ست ساعات وتنفجر عند الاتصال.
تضمنت حزمة مساعدات الأسبوع الماضي 300 طائرة من دون طيار من طراز Switchblade و200 ناقلة جند مدرعة من طراز M113 و 18 مدفع هاوتزر عيار 155 ملم و 11 طائرة هليكوبتر من طراز Mi-17.
تطور خطير
وفي تطور وُصف بـ«الخطير»، أقر مجلس النواب الأمريكي، مساء الخميس، بأغلبية ساحقة تشريعًا يسمح للرئيس جو بايدن، باستخدام قانون يعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، لتزويد أوكرانيا بالأسلحة بشكل سريع على سبيل الإعارة.
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن تشريع هذا القانون غير العادي، الذي يزيد عمره على ثمانية عقود، يعكس إلحاح الحزبين داخل الكونغرس بدعم الجيش الأوكراني في خضم حرب قبيحة وطويلة الأمد في الجنوب وشرقي البلاد.
وقالت الصحيفة إن القانون سيسمح للولايات المتحدة، بتسليم الأسلحة إلى أوكرانيا بشكل أسرع، والتخلص من العقبات الإجرائية.
كما سيسمح لإدارة بايدن، بتقديم شحنات ضخمة من الأسلحة إلى كييف، في الوقت الذي قال فيه بايدن إنه استنفد تقريبًا التمويل العسكري الطارئ الذي وافق عليه الكونغرس في مارس.
وعن القانون، قال النائب جيمي راسكين، الديمقراطي عن ولاية ماريلاند، إن إقراره مكن بريطانيا العظمى ووينستون تشرشل من مواصلة القتال والنجاة من القصف النازي الفاشي، حتى تدخل الولايات المتحدة الحرب.
فريق عمل
وشكلت القيادة الأوروبية الأمريكية فريق عمل في شتوتغارت بألمانيا، لتنسيق المساعدات لأوكرانيا، فدول أوروبا الشرقية ترسل بهدوء دبابات T-72 بينما تملأ دول أوروبا الغربية مستودعات أسلحة أوروبا الشرقية بدباباتها الخاصة.
وأعلنت فرنسا أنها سترسل صواريخ ميلان المضادة للدبابات ومدافع قيصر ذاتية الدفع، بينما ترسل كندا مدافع هاوتزر عيار 155 ملم مع قذائف Excalibur دقيقة التوجيه.
وترسل هولندا عربات مدرعة وأسلحة ثقيلة أخرى، لتكون تلك الإرساليات كلها أصوات ثقة بقدرة أوكرانيا على الانتصار، إلا أن المعترض الوحيد الواضح هو ألمانيا، التي لا تزال ترفض إرسال أسلحة ثقيلة أو قطع مشتريات الطاقة، التي تموِّل جرائم الحرب الروسية.
وتقول «واشنطن بوست»، إن الولايات المتحدة قدَّمت 10 أسلحة مضادة للدبابات لكل دبابة روسية في أوكرانيا، مشيرة إلى أن أوكرانيا لديها الآن دبابات ومدفعية أفضل من الروس، بينما لا تتمتع موسكو بأي ميزة قريبة من ميزة 3 إلى 1 التي يحتاجها المهاجمون عادةً للتغلب على المدافعين المصممين.
التفوق الجوي
رغم عدم وجود تقارير عن عمليات نقل طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا (قد يحدث بعضها سرًا)، فقد سمح تدفق قطع الغيار من الغرب لأوكرانيا بوضع 20 طائرة أخرى في الخدمة، بينما تواصل الطائرات الأوكرانية، جنبًا إلى جنب مع بطاريات سطح-جو، حرمان روسيا من السيطرة على السماء.
وتوقع معهد دراسة الحرب، أن تتمكن أوكرانيا من استعادة بعض الأراضي التي فقدتها بداية الحرب، مشيرًا إلى أن القوات الروسية التي تعرضت لضربات شديدة بالفعل، والتي حُرمت من الوقت الكافي للراحة والتجديد، لن تتمكن من مواصلة الهجوم فترة أطول.
وبحسب صحيفة «ذا ستار»، فإن مدافع الهاوتزر وطائرات الهليكوبتر والأنظمة المضادة للطائرات والمدرعات والصواريخ الخارقة للدبابات والقذائف والقنابل اليدوية والطائرات من دون طيار جرى عرضها كلها في نوع من اجتماع المانحين، حضره نحو 40 دولة الثلاثاء الماضي بقاعدة للقوات الجوية الأمريكية في رامشتاين، بألمانيا.
وأوضحت الصحيفة، أن بعضها يجرى سحبه منها من المخازن ونفض الغبار عنه لنشرها في الخطوط الأمامية الأوكرانية، بينما بعضها الآخر مثل العربات الثماني المدرعة المعروضة من كندا، سيُجرى شراؤها جديدة وإرسالها مباشرة.
وقال اللفتنانت جنرال الكندي المتقاعد أندرو ليزلي لصحيفة «ستار»: «رئيس أوكرانيا يطالب بالدبابات وأنظمة مضادة للطائرات وأنظمة مضادة للدبابات منذ البداية(...) كل ما يقوله حلف الناتو الآن، أننا ندرك أن بوتين قد لا يتوقف».
وتحولت المساعدة العسكرية الكندية من الدروع الواقية للبدن ونظارات الرؤية الليلية أوائل فبراير الماضي، إلى البنادق والمدافع الرشاشة والذخيرة ومدافع الهاوتزر وآلاف الأسلحة المضادة للدبابات المحمولة على الكتف، التي أعلنتها وزيرة الدفاع أنيتا أناند الثلاثاء.
وعرضت ألمانيا 50 دبابة مضادة للطائرات، ما أدى إلى إحجامها التاريخي عن تأجيج الصراع بعد قرابة ثمانية عقود من انتشار عدوانها للحرب في جميع أنحاء العالم.
وبحسب «ستار»، فإن الغرب يظهر الآن تصميمًا أكبر، رغم الإمكانات المؤلمة لغيمة عيش الغراب النووية، التي تخيم على القضية برمتها.
روسيا ترد
في المقابل، حذرت روسيا الدول الغربية، من أن إرسال أسلحة ثقيلة وأسلحة أخرى إلى أوكرانيا يشكل خطورة على الأمن الأوروبي.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، إن ضخ أي أسلحة إلى أوكرانيا، بينها الأسلحة الثقيلة، سيهدد أمن القارة، ويثير حالة من عدم الاستقرار.
يأتي ذلك بعد تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -الأربعاء- من أن أي دولة تتدخل في أوكرانيا ستواجه ردًا سريعًا، قائلًا، أثناء خطاب أمام أعضاء مجلس الدوما: «إذا حاول أحد من الخارج التدخل في أوكرانيا، فإن ردنا سيكون بسرعة البرق».
وأضاف: «لدينا الأدوات للرد مما لا يمكن لأحد التباهي بها، ولن نتفاخر بها، وإنما سنستخدمها إذا لزم الأمر».