المغرب يتخذ خطوات لتأهيل مقاتلين سابقين... فهل يتصالح مع الدواعش؟

نظمت السلطات المحلية، حفل تخرج لبعض الدواعش السابقين، في سجن بسلا بالقرب من العاصمة المغربية الرباط، وسمحت لوكالات الإعلام بإجراء مقابلات مع بعض النزلاء، في ظل ظروف خاضعة للإشراف والرقابة.

المغرب يتخذ خطوات لتأهيل مقاتلين سابقين... فهل يتصالح مع الدواعش؟

ترجمات - السياق

 على مدى السنوات الماضية، نجح المغرب في منع الهجمات الإرهابية من الوقوع على أراضيه، مسطرًا قصة نجاح في التعامل مع تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية.

فرغم انضمام قرابة 1964 مقاتلًا من المغرب إلى صفوف تنظيم داعش، فإن الرباط تمكنت -عبر خطوات عدة- من معالجة قضية الدواعش المحليين والمقاتلين الأجانب العائدين، بإصلاح نظامها القانوني، وإدخال برامج القضاء على التطرف في السجون.

وبدأت المغرب -قبل أكثر من عقد- إصلاح المجال الديني، للتصدي للخطاب المتطرف الذي يُنظر إليه على أنه أساس المشكلة، ما أثمر نجاحات تمثلت في منع أي هجمات إرهابية منذ تفجير مراكش عام 2011 الذي أسفر عن قتل 17 شخصًا، وإصابة أكثر من 20، باستثناء قتل اثنين من الرحالة الاسكندنافيين في ديسمبر 2018.

عمليات أمنية

وعبر عمليات أمنية متتالية، استطاع المغرب تحييد العديد من الإرهابيين، قبل تنفيذهم عمليات في العمق المغربي، بينما كانت إدارة السجون المغربية على موعد مع تدريبات على «نزع التطرف»، بدأتها عام 2017.

وأخضعت إدارة السجون المغربية، مقاتلي «داعش» السابقين وآخرين مدانين بجرائم إرهابية، لتلك البرامج، التي تتألف من ثلاثة أشهر من فصول السجن في الدين والقانون والاقتصاد، مع تلقي النزلاء تدريبات على بدء عمل تجاري.

ونظمت السلطات المحلية، الخميس الماضي، حفل تخرج لبعض هؤلاء، في سجن بسلا بالقرب من العاصمة المغربية الرباط، وسمحت لوكالات الإعلام بإجراء مقابلات مع بعض النزلاء، في ظل ظروف خاضعة للإشراف والرقابة.

واختار مسؤولو إدارة السجن ثلاثة رجال، قالوا إنهم على استعداد لإجراء مقابلات معهم، ونصت السلطات على أنه يجب عدم تعريف النزلاء بأسمائهم وعدم إظهار وجوههم، متذرعة بأسباب تتعلق بالخصوصية.

وقف السجناء الخمسة عشر الذين كانوا يرتدون قمصانًا وبنطلونات لا تشوبها شائبة، على عزف النشيد الوطني المغربي، وجرى تسليمهم شهادات، ضمن المجموعة التاسعة التي تخرجت في البرنامج.

 

برنامج تطوعي

من جانبه، قال مولاي إدريس أغلام، مدير العمل الاجتماعي والثقافي وإعادة دمج السجناء في إدارة السجون المغربية، في تصريحات لوكالة أسوشيتيد برس، إن البرنامج تطوعي، ويعمل مع النزلاء لتغيير سلوكهم وتحسين حياتهم، مشيرًا إلى أنه يسمح للسجناء بإدراك خطورة أخطائهم.

ولا يؤدي التخرج من البرنامج، إلى جعل النزلاء مؤهلين للإفراج المبكر، لكنه يزيد فرصهم في الحصول على عفو فعلي أو عقوبة مخففة، بحسب «أسوشيتيد برس»، التي قالت إن هذا هو كان الحال بالنسبة لما يزيد قليلاً على نصف خريجي البرنامج البالغ عددهم 222 حتى الآن، كما تقول إدارة السجن.

ومنذ عام 2019، جرى تقديم التدريب أيضًا للنساء المحكوم عليهن بموجب قانون مكافحة الإرهاب المغربي، وقد تخرجت عشر نساء حتى الآن، بينهن ثماني نساء منذ إطلاق سراحهن، ويطلق على البرنامج «مصالحة»، ويقدم للسجناء الذين أبدوا استعدادًا لنبذ التطرف.

بصفته مقاتلًا سابقًا في «داعش» غادر محسن وطنه المغرب للانضمام إلى ما قال إنه قتال "مقدس" في سوريا، إلا أن التجربة كانت مرعبة، فعايش كل أهوال الحرب.

 

تخريج دفعات

وبعد أعوام من القبض عليه في تركيا وتسليمه إلى المغرب، يقضي الشاب البالغ من العمر 38 عامًا عقوبة بالسجن 10 سنوات بتهم تتعلق بالإرهاب، يقول إنه لم يعد متعصبًا كما كان في ذلك الوقت، غاضبًا من الكراهية القاتلة لغير المسلمين.

تخرج المقاتل السابق مع 14 سجينًا، أدينوا بارتكاب جرائم إرهابية من برنامج مغربي لنزع التطرف، قد يجعلهم مؤهلين للإفراج المبكر.

محسن ذهب للقتال في سوريا عام 2012، بعد أن ترك المدرسة عندما كان مراهقًا، قائلاً إنه «أمي فعليًا ولا يمكنه التمييز بين الصواب والخطأ».

وقال المقاتل السابق، إنه أصبح متطرفًا من قِبل أشخاص عرضوا له مقاطع فيديو «عن الالتزام الإلهي بمحاربة أولئك الذين لا يتبعون مبادئ الإسلام وقتل غير المسلمين».

وأضاف: في سوريا شاهدت مجازر واغتصاب وسطو (...) بعد فترة، توصلت إلى استنتاج مفاده أن القتال الذي دار باسم الإسلام لا علاقة له بديننا»، إلا أنه حينما فر إلى تركيا عام 2018 احتجز هناك لمدة عام قبل تسليمه إلى المغرب.

وأكد المقاتل السابق، أنه نبذ التطرف الآن، مشيرًا إلى أن تلك الفترة من حياته مرت.

 

هجمات عدة

وسافر العديد من المغاربة إلى سوريا والعراق وأماكن أخرى للانضمام إلى الجماعات المتطرفة، كما تعرض المغرب لهجمات عدة.

وأسفرت خمس هجمات انتحارية في الدار البيضاء عام 2003 عن قتل 33 شخصا، وعام 2011، دمر انفجار مقهى في مراكش، ما أسفر عن قتل 17 شخصًا، معظمهم من السياح الأجانب.

وقال المصطفى رزرازي، اختصاصي علم النفس الإكلينيكي، عضو اللجنة العلمية للبرنامج، إنه من بين 156 شخصًا جرى الإفراج عنهم بعد حضور الدورات، ألقي القبض على شخص واحد فقط وهو يرتكب جريمة، مشيرًا إلى أن ذلك الشخص أدين بجريمة لا علاقة لها بالإرهاب.

وبحسب موقع «عين أوروبية على التطرف»، فإن تجنيد المقاتلين الأجانب المغاربة بلغ ذروته بين يونيو وديسمبر 2013،  وخلال فترة الأشهر الستة تلك، انضم أكثر من 900 مغربي إلى القتال في سوريا.

وبينما أجبرت النكسات التي تعرض لها داعش، في العراق وسوريا، آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب على العودة إلى دولهم الأصلية، أكدت مصادر مغربية رسمية، قتل 596 من المقاتلين الإرهابيين المغاربة (قرابة 35.8% من التقديرات الرسمية) في سوريا والعراق نهاية عام 2017.

وبحسب الموقع الأوروبي، فإن المغرب يتعامل مع مكافحة الإرهاب كأولوية أمنية، ويركِّز على استراتيجية متعددة الأبعاد، تديرها مؤسساتٌ أمنية واستخباراتية قوية ومنسقة.

من جانبه، قال عبدالحق الخيام، رئيس المكتب المركزي للتحقيقات القضائية السابق، إن المغرب يشن حملة لا هوادة فيها، على المقاتلين الأجانب العائدين، الذين انضموا إلى صفوف داعش.

 

الأمني والقانوني

وبحسب تقارير محلية، فإن النهج الأمني المغربي يتمحور حول إنشاء آليات جديدة لمكافحة الإرهاب، وتعزيز الأجهزة الأمنية، والتفكيك النشط للخلايا الإرهابية المشتبه بها.

بعضُ هذه الآليات يشمل نشر القوات المسلحة في مواقع استراتيجية، مثل المطارات ومحطات القطارات، فضلًا عن توسيع شبكته من الوكلاء الرسميين والمخبرين، الذين اكتسبوا خبرة في الكشفِ عن تغير العادات التي قد تشير إلى التطرف.

ويتعاون المغرب مع عددٍ من الدول الأوروبية في مجال مكافحة الإرهاب، مثل إسبانيا وفرنسا، استجابةً لتدفق الإرهابين.