الأوروبيون أمام أزمة... هل تستخدم روسيا الطاقة سلاحًا سياسيًا؟

تقول خبيرة الطاقة في المجلس الأطلسي، أولجا خاكوفا: صادرات الطاقة آخر آلية لدى روسيا تستطيع من خلالها ممارسة نوع من التأثير عبر أوروبا، بعيدًا عن العمل العسكري، فالنفط والغاز أكبر أوراق اللعب الموجودة لديها.

الأوروبيون أمام أزمة... هل تستخدم روسيا الطاقة سلاحًا سياسيًا؟

ترجمات - السياق

على مدى أشهر ظل رد فِعل أوروبا على الحرب الروسية في أوكرانيا يتشكل من خلال سؤال حاسم: ماذا يحدث في حال قررت موسكو، التي تزود أوروبا بـ40% من واردات الغاز الطبيعي، وقف تصدير الغاز للقارة؟

وقالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن أسوأ مخاوفهم قد تحققت، الأسبوع الماضي، عندما قطعت روسيا إمدادات الغاز الطبيعي عن بلغاريا وبولندا، كعقاب على رفضهما الدفع بعملتها المحلية (الروبل)، كما أثار قرار الكرملين قلق وانقسام القادة الأوروبيين، الذين يتدافعون لتحديد متى يمكن لروسيا أن تضرب مرة أخرى، ومَنْ تعِس الحظ الذي يمكن أن يكون هدفها التالي.

 

شعور بالخطر

نقلت المجلة عن خبير الطاقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في أوروبا، نيكوس تسافوس، قوله: "هناك شعور بالخطر، فلا نعرف مَنْ التالي ولا متى تكون الضربة المقبلة".

وأشارت المجلة إلى أن الدول الأوروبية، التي يحاول معظمها فصل نفسه عن إمدادات روسيا، تبدو منقسمة بشدة في كيفية الرد على هذا التهديد، وقالت إن الجدل المركزي يدور حول ما إذا كانت تمتثل لأحد المطالب الرئيسة لموسكو بدفع ثمن الغاز الطبيعي بالروبل، ما قد يساعدها في تخفيف وطأة العقوبات الغربية.

كان الاتحاد الأوروبي، حذر من أن تلبية مطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تنتهك العقوبات المفروضة على روسيا، كما رفضت دول أوروبية الأمر، واتهمت ألمانيا، التي تتلقى أكثر من نِصف غازها الطبيعي من موسكو، الكرملين بـ"ممارسة الابتزاز".

وتابعت: "لقد ظلت روسيا -على مدى سنوات- تستخدم الطاقة سلاحًا، لكن الأمر يبدو سلاحًا ذا حدين، إذ لا يمكن قطع صادرات الغاز الطبيعي لأنها توفر العملة الصعبة للبلاد، كما لا تستطيع أوروبا التخلي عن الغاز الروسي، لكن نظراً لعدم كفاءة روسيا التكتيكية، قد يكون الابتزاز المتعلق بالطاقة ملاذ موسكو الأخير".

 

قطع الإمداد

تقول خبيرة الطاقة في المجلس الأطلسي، أولجا خاكوفا: "صادرات الطاقة آخر آلية لدى روسيا تستطيع من خلالها ممارسة نوع من التأثير عبر أوروبا، بعيدًا عن العمل العسكري، فالنفط والغاز أكبر أوراق اللعب الموجودة لديها."

كانت بلغاريا وبولندا، اللتان رفضتا الوفاء بموعد السداد النهائي لروسيا، أول من سقطا، لكن الخبراء يقولون إن أياً منهما ستواجه مشكلة فورية من دون الغاز الروسي، إذ من المقرر أن ينتهي عقد بولندا في الأشهر المقبلة، ومن المتوقع أن يتلقى البلدان مزيداً من الغاز من النرويج واليونان، كما أنه مع اقتراب فصل الصيف ينخفض الطلب على الغاز الطبيعي، إذ يصبح أقل أهمية منه خلال الشتاء القارس.

وتقول خبيرة أمن الطاقة في معهد بروكينجز، سامانثا جروس: "الأمر لا يبدو مشكلة كبيرة من وجهة نظر الإمداد نفسه، لكنه مشكلة رمزية، إذ جرى قطع الإمدادات عن اثنين من أعضاء الاتحاد الأوروبي."

ورأت المجلة أن قطع الإمدادات الروسية سيصبح أكثر صعوبة لأوروبا، مع مقاومة المزيد من الدول ابتزاز بوتين في مجال الطاقة، ويقول تسافوس: "لقد أصبح أمن الطاقة في أوروبا لعبة محصلتها صفر، حيث تتنافس دول أوروبية على مجموعة من الإمدادات، صحيح أن بولندا وبلغاريا تمكنتا من فِعل ذلك، لكن إذا زاد هذا الأمر، سيصبح التعامل معه أكثر صعوبة".

 

البحث عن بدائل

ولتجنُّب مواجهة مصير بولندا وبلغاريا، فإن الدول التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي تتدافع لإيجاد حلول بديلة، إذ تبحث شركات في ألمانيا والنمسا عن طرق لقبول شروط الكرملين، من دون انتهاك عقوبات الاتحاد الأوروبي، حيث تحصل برلين على أكثر من نِصف غازها الطبيعي من موسكو، بينما تعتمد فيينا عليها في 80% من واردات الغاز.

من جانبه، قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إن برلين يمكن أن تلبي مطالب بوتين بطريقة "تتوافق مع العقوبات"، رغم قول المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، إن أي مدفوعات بالروبل تتعارض مع عقوبات الاتحاد الأوروبي، بينما أصرت بولندا، وهي من أشد منتقدي اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية، على معاقبة الدول التي توافق على الدفع لموسكو بالروبل.

ويستعد وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي للاجتماع، هذا الأسبوع، لتوضيح موقفهم وتوجيهاتهم، التي وصفها مسؤولون آخرون بأنها "مُربكة وغامضة"، كما تعد المفوضية الأوروبية حزمة سادسة من العقوبات على روسيا، من المتوقع أن تستهدف قطاع النفط والبنوك.

وتعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بإنهاء اعتماد أوروبا على موسكو في مجال الطاقة، وقالت: "ليس من المفاجئ أن يستخدم الكرملين الوقود الأحفوري لمحاولة ابتزازنا، لكن عصر الوقود الأحفوري الروسي سينتهي في أوروبا، فالقارة تمضي قدماً في حل المشكلات المتعلقة بالطاقة".

ويقول الخبراء: "حتى يتمكن القادة الأوروبيون من فطام أنفسهم عن الإمدادات الروسية، سيظلون محاصَرين"، إذ يقول تسافوس: "يمكننا الشعور بعدم الاستدامة، ومن الصعب معرفة مدى سرعة سقوط قطع الدومينو واحدة تلو الأخرى".