أوروبا تعيد اكتشاف التعاطف مع اللاجئين... لكن لذوي البشرة البيضاء فقط

اللاجئين الأوكرانيين يعبرون في الوقت الحالي الحدود إلى بولندا، ذات الدولة التي تبني جدارًا على امتداد حدود بيلاروسيا، لمنع اللاجئين السوريين والأفغان والعراقيين من الدخول.

أوروبا تعيد اكتشاف التعاطف مع اللاجئين... لكن لذوي البشرة البيضاء فقط

ترجمات - السياق

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، كشفت تقارير المعاملة غير المتكافئة والتمييز ضد اللاجئين غير الأوكرانيين، خاصة العرب والأفارقة الفارين من الصراع، ومع دخول الحرب شهرها الثالث، يبدو أن أوروبا أعادت اكتشاف شعورها بالتعاطف مع اللاجئين، لكن ذلك فقط إذا كانوا من ذوي البشرة البيضاء، بحسب الكاتب دانيال هودين.

وتساءل هودين في مقاله بصحيفة غارديان البريطانية، عن كيفية تقييم النظرة الأوروبية ذات الوجهين لقضية اللاجئين، مشيرًا إلى أنه في الأسبوع الذي استقبل خلاله الاتحاد الأوروبي، ما يقرب من مليوني أوكراني بترحاب شديد، جرى تداول صور لشاب إفريقي أثناء الاعتداء عليه، عند تجاوزه الحدود.

وانتقد الكاتب ازدواجية المعايير الأوروبية، في التعامل مع اللاجئين حسب لون بشرتهم، مشيرًا إلى أن الحرب في أوكرانيا دفعت أوروبا إلى إعادة اكتشاف مشاعر الشفقة والرحمة، لتخلق ازدواجية في تعريف مصطلح "لاجئ"، بعد فترة مظلمة ومثيرة للانقسام مثَّل فيها اللجوء في أوروبا تهديدًا حقيقيًا.

ولتأكيد ازدواجية المعايير الأوروبية تجاه اللاجئين، استشهد الكاتب بفيديو يظهر فيه تعرُّض رجل أسود البشرة للضرب على يد ضباط شرطة الحدود الإسبانية، بسبب تسلقه سياجًا حدوديًا، مشيرًا إلى صور أخرى تكشف حشدًا من الرجال البيض يرتدون الزي العسكري يضربون بقسوة رجلاً من ذوي البشرة السوداء، وهو ما لم يقع في الحالة الأوكرانية.

 

الفرار من الحرب

وحسب الكاتب، فقد كانت مليلة الإسبانية -التي شهدت واقعة التعدي على اللاجئ الأسود- أقوى أسوار التحصين لأوروبا جنوبًا، وضمت الجزيرة التي أطلق عليها "وعاء العسل" العديد من ملاعب الجولف والكازينوهات، وأيضًا الكثير من الفساد، إلا أنه من المهم أن يُنظر إليها الآن بشكل مختلف فيه الكثير من الجدية.

وبيَّن هودين في مقاله، أن العديد من الأوروبيين أمضوا الأيام الماضية في التساؤل إلى أين سيذهبون، وماذا سيأخذون معهم إذا اندلعت حرب أكبر، مضيفًا: "لم تكن المسافة والشعور بالآخرين، اللذان ساعدانا في تجاهل الحرب في سوريا، أو انهيار أفغانستان، معروضين في أوكرانيا".

وتابع: "هناك أسباب مقنعة تفسِّر لماذا دفعت الحرب في أوكرانيا، أوروبا إلى إعادة اكتشاف مشاعر الشفقة تجاه اللاجئين"، مستشهدًا بما قاله أحد المحاربين البريطانيين القدامى، المتطوع حاليًا في الجيش الأوكراني: "إنها حرب أبيض وأسود" ، أو كما يشير آخرون، بأن أوكرانيا دولة مجاورة، ومن ثمّ هناك أمور تتعلق بالجانب الثقافي والترابط العِرقي.

ولتأكيد هذا التوجه -الترابط الثقافي والعِرقي- يشير الكاتب إلى أن اللاجئين الأوكرانيين يعبرون في الوقت الحالي الحدود إلى بولندا، الدولة ذاتها التي تبني جدارًا على امتداد حدود بيلاروسيا، لمنع اللاجئين السوريين والأفغان والعراقيين من الدخول.

 

تمييز مقلق

وكشف هودين عن وجود ما سماها (مستويات مقلقة من التمييز) ضد اللاجئين غير الأوروبيين، الذين فروا من الهجوم الروسي على أوكرانيا.

ورغم تأكيد الكاتب أهمية الاستعانة بالتقارير لمعرفة حقيقة وجود (عنصرية) في التعامل مع اللاجئين أم لا، فإنه بيَّن أن بعض التقارير كشفت حالات جرى فيها منع أشخاص من ذوي البشرة الملونة من دخول قطارات الإجلاء، وعزلهم وإجبارهم على الانتظار لأيام عند المعابر الحدودية.

وأشار إلى أنه من الصعب مجرد تخيُّل استقبال اللاجئين ذوي البشرة الملونة بحفاوة (الأذرع المفتوحة للأوكرانيين)، مشيرًا إلى أن هناك فارقًا أخلاقيًا واضحًا.

ولتأكيد ذلك، استشهد الكاتب بوقوع عدد كبير جدًا من المعلقين في أوروبا في فخ التمييز، إزاء الذين يحق لهم اللجوء عن غيرهم، مشيرًا إلى أنه بينما تحدث عدد من وسائل الإعلام الغربية عن الروح القتالية التي يتسم بها الأوكرانيون على الخطوط الأمامية والترحيب بهم، استُقبل السوريون والأفغان وغيرهم بوحشية على الحدود نفسها.

 

ورقة بوتين رابحة

أمام هذه الفوارق في التعامل بين أصناف اللاجئين، حذر هودين من أن الفصل بين اللاجئين السود، في بعض نقاط الخروج في أوكرانيا، وازدواجية المعايير بشأن من سيبقى في الاتحاد الأوروبي، يقدمان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وغيره من الجهات الفاعلة ورقة رابحة، من شأنها أن تساعده في زعزعة استقرار المنطقة.

ورأى أن حالة الذعر التي استقبلت بها بولندا وبروكسل بضعة آلاف من العراقيين والأفغان والسوريين، عبر بيلاروسيا، تكشف أوجه قصور معايير اللجوء الأوروبية.

وتعليقًا على ذلك، قال الكاتب: الأنظمة الاستبدادية في دول الجوار من موسكو ومينسك إلى أنقرة، يدركون جيدًا أن الابتزاز من شأنه أن يكون سلاحًا فعالا ضد أوروبا، بدلاً من التوصل إلى توافق بشأن إعادة توطين طالبي اللجوء في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.

واستشهد بالصفقات التي أُبرمت بين تركيا وليبيا بشأن استقبال اللاجئين والمهاجرين، مشيرًا إلى أن هذه الصفقات جعلت هؤلاء اللاجئين المستضعفين سلعة، وحوَّلت الأراضي الأوروبية الحدودية إلى بؤرة للانتهاكات المخالفة للقانون.

 

خيارات سياسية

ويرى الكاتب أن تصرفات أوروبا تجاه اللاجئين، تحمل في طياتها (خيارات سياسية)، مشيرًا إلى أن بعض السياسيين يحاولون الدفاع عن بلدانهم باللجوء إلى الأكاذيب، التي تفيد بأن أوروبا تتحمل أعباءً كبيرة جراء اللاجئين، الذين لا تستطيع تحمُّل نفقاتهم.

وأوضح أن هذه الحجج قد تكون منطقية، إذا كانت صادرة من دول مثل الأردن أو تركيا، لكنها غير معقولة في حالة القارة الأوروبية العجوز.

وأشار إلى أن ترحيب أوروبا باللاجئين الأوكرانيين، ينسف الحجج القديمة الخادعة، التي قدَّموها عن التكلفة المجحفة لاستقبال اللاجئين الفارين من بؤر النزاع في مناطق أخرى غير أوروبا، كاشفًا أن جهود إغاثة الأوكرانيين ستكلف أوروبا نحو 30 مليار يورو في سنتها الأولى، وفقًا لمركز التنمية العالمية.

وبيَّـن الكاتب أنه بينما تتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تهجير ما لا يقل عن 4 ملايين لاجئ قسرًا، إلا أنه -حتى اللحظة الراهنة- لم تخرج أي أصوات تندد بهذه التكاليف.

وتوقع هودين أن يحاول الأوروبيون تعزيز أسوار قارتهم، بعد أن يضمنوا استقبال وإيواء جميع الأوكرانيين، مشيرًا إلى أنه من شأن هذه الأزمة أن توفر فرصة للقادة الأوروبيين، لإعادة النظر في سياساتهم والأخطاء التي ارتكبوها، خلال أزمات اللاجئين التي وقعت منذ عام 2015 حتى الآن.

ورأى أن الحرب الروسية الأوكرانية والفوارق بين استقبال اللاجئين الأوكرانيين بالترحاب واستقبال غيرهم بالضرب بالهراوات، تنسف الحجج التي تحججت بها أوروبا الغنية للدفاع عن حِصنها، ونكشف مدى تجذر الممارسات العنصرية في النظم الأوروبية، ناهيك عن أنها فضحت النفاق المتعلق بالقيم الإنسانية.