لتخفيف الآثار البيئية... كيف يروِّج الغرب لأكل الحشرات بدلًا من اللحوم؟
من أجل جذب المستهلكين، يتعين على الشركات استدراجهم بالمزيد من الإعلانات التي تتحدث عن فوائد تناول الحشرات

ترجمات - السياق
دعت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، الأمريكيين، إلى تجربة الاعتماد على الحشرات كمصدر رئيس للغذاء، متحججة بأن التحول إلى الحشرات الصالحة للأكل سيكون مفيدًا للبيئة.
وقالت "واشنطن بوست" في مقال للكاتبة كارولين بينز، إنه صباح يوم صافٍ من أغسطس الماضي، جنوبي شرق ولاية بنسلفانيا، وقف أكثر من عشرة أشخاص بالغين وأطفال في جناح إحدى حدائق مقاطعة لانكستر، يشاهدون إحدى وجبات الديدان، التي تعدها ليزا سانشيز، عالمة الطبيعة الشهيرة، وما إن تناولتها إحدى الأطفال وتدعى أدالين ويلك -البالغة من العمر ستة أعوام- إلا وتذوقتها جيدًا، بل ووصفتها بأنها بطعم الذرة المقلية (الفشار).
بهذا التشويق، بدأت بينز تحليلها عن تجربة بعض أنواع الديدان كطعام للبشر، مشيرة إلى أن الأمر ليس بالسوء الذي يتصوره البعض.
وأشارت إلى أن ليزا سانشيز -التي درست هذه الممارسة 25 عامًا- تشجع الناس على أكل الحشرات لتخفيف الآثار البيئية، إذ تنتج الحشرات المستزرعة غازات دفيئة أقل بكثير وتتطلب أراضي ومياهًا أقل بكثير من تربية الماشية التقليدية.
كما تولد الحشرات أيضًا المزيد من الكتلة الحيوية بمدخلات أقل، إذ إن الصراصير -على سبيل المثال- أكثر كفاءة 12 مرة من الأبقار في تحويل العلف إلى وزن صالح للأكل.
بروتين
وترى كارولين بينز، في مقالها، أن تناول الحشرات بدلًا من اللحوم التي تعتمد على الماشية "سيخفف الآثار البيئية"، وزعمت أن الحشرات التي تربى في المزارع، تنتج البروتين بشكل أكثر كفاءة.
ووفقًا لأحد التقديرات، يأكل مليارا شخص -أي قرابة ربع سكان العالم- الحشرات، وبشكل أساسي في أجزاء من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، إذ تعود هذه الممارسة -حسب الصحيفة- إلى آلاف السنين.
وفي ذلك تقول سانشيز: "كنت أفكر دائمًا، منذ تسعينيات القرن الماضي، كيف يتم إقناع الأمريكيين بتناول الحشرات؟".
ولتأكيد هذه الأرقام، استشهدت الصحيفة الأمريكية، بأحد التقارير الذي توقع نمو صناعة الحشرات الصالحة للأكل إلى 9.6 مليار دولار في الإيرادات السنوية بحلول عام 2030.
وأشار التقرير إلى أنه يمكن للمستهلكين العثور على أطعمة مثل النمل المملح في أمازون، وألواح بروتين من مسحوق الصرصور في متاجر البقالة السويسرية.
وقد شهدت السنوات الأخيرة، العديد من القصص الإعلامية التي تمجد أكل الحشرات.
ولكن قبل أن تصبح الحشرات طعامًا شائعًا، يجب إقناع المزيد من الأمريكيين، بأن المخلوقات ذات الأرجل الست هي في الواقع طعام.
فمن خلال تذوق التجارب والاستطلاعات والعروض التوضيحية التعليمية، يتعمق الباحثون ورجال الأعمال والمعلمون في علم نفس المستهلك، ويكتشفون أن مقاومة أكل الحشرات يمكن أن تكون قوية.
تجاوز القرف
وفي ما يخص تجاوز الشعور بالقرف أو الغثيان أثناء أكل الحشرات، نقلت "واشنطن بوست" عن ماثيو روبي، محاضر في علم النفس بجامعة لا تروب في ألبوري-وودونجا بأستراليا، الذي درس هذا الموضوع، قوله: "يكمن الهدف في جعل أكل الحشرات معيارًا جديدًا، الأمر الذي يتطلب برمجة الأمريكيين لتجاوز قرفهم تجاه أكل الصراصير وغيرها من مصادر الطعام ذات الأرجل الست".
وحسب الصحيفة، اكتشف الباحثون أن الاشمئزاز يتلاشى بمجرد أن يتذوق الناس الحشرات.
ففي دراسة إسبانية أجريت عام 2022 -على سبيل المثال- شعر المتطوعون بإيجابية أكثر تجاه البيتزا التي تعلوها ديدان بعد تذوقها.
لكن يبقى السؤال الأهم: كيف نجعل الناس يأخذون اللقمة الأولى؟، وللإجابة عن ذلك، قالت الصحيفة: "قد تساعد مشاهدة الآخرين أيضًا في كسر الحواجز"، مضيفة أن "مقاومة أكل الحشرات يمكن أن تكون قوية"، مشيرة إلى أن أحد الحلول الممكنة قد يكون استخدام المشاهير لتأييد تناول الحشرات الصالحة للأكل.
ويقول ماثيو روبي: "نجد مرارًا وتكرارًا أنه إذا لم تشاهد الحشرات، سيكون الناس أكثر استعدادًا لتناولها".
وبينت الصحيفة، أنه من خلال استبيان عبر الإنترنت لـ 177 من البالغين الأمريكيين، وجد فريقه أنه في المتوسط، كان الأفراد مرتاحين لفكرة تناول "الملفوف" الذي يحتوي على ما يصل إلى 30 بالمئة من يرقات ذبابة الجندي الأسود المطحونة المضافة كدقيق.
بينما يرى تشارلز ويلسون، مؤسس شركة "الكريكيت المطحون" ومقرها بورتلاند بولاية أوريغون، أنه لجذب الناس لأكل الماشية، فإنهم لا يأكلون البقرة كما هي، وإنما يتم ذبحها أولًا ثم طبخها بطرق مختلفة شهية، وهكذا الحال بالنسبة للحشرات يجب تقديمها بطرق شهية وليست كما هي، حتى لا تثير غثيان من يتناولها.
يذكر أن شركة ويلسون، تبيع الحشرات كوجبات خفيفة، لكن مع خليط البراوني المخصب ببودرة حشرة الكريكيت المطحون، إضافة إلى مسحوق الكريكيت النقي، الذي يمكن للعملاء دمجه بشكل منفصل في المخبوزات أو مخفوقات البروتين.
يمكن أن يؤثر بروز الحشرات أيضًا على العبوات في شهية المستهلكين، كما يقول درور تامير، المؤسس المشارك، الرئيس التنفيذي لشركة هارغول فوود تيك في إسرائيل.
ويقول تامير: "لقد أجرينا الكثير من التجارب بالعمل مع المستهلكين للحصول على ملاحظاتهم عن مقدار تأكيد حشرات الجنادب، فوجدنا أن وجودها على العبوة ليس بالأمر الجيد بالنسبة للمستهلك".
يذكر أن "هارغول فوود تيك" تأسست عام 2016، وهي أول شركة تربي نوعًا من الجراد على نطاق تجاري، إذ تباع منتجاتها في المقام الأول لمنتجي المواد الغذائية الآخرين، لكنها تبيع أيضًا المنتجات النهائية للمستهلكين عبر الإنترنت، من خلال علامتها التجارية الفرعية، التي ترفع شعار (البروتين التوراتي)، وهو مزيج مخفوق من بروتين الجراد بالشوكولاتة، لكن لا تظهر به أجنحة أو أرجل أو قرون استشعار الحشرة أعلى الشطيرة.
التسويق
وعن إمكانية تسويق أكل الحشرات على نطاق أوسع، نقلت "واشنطن بوست" عن الطاهي جوزيف يون، مؤسس بروكلين بوغز، -وهي منظمة مكرسة لزيادة التقدير للحشرات الصالحة للأكل- قوله: "بمجرد أن يجرب الناس أكل جزء من الحشرة، فإنهم غالبًا ما يكونون مستعدين للانتقال إلى تناول الشطيرة بأكملها".
وأضاف: "قد يكون الأمر صعبًا في البداية، لكن بمجرد تذوقها، ينتقل إلى قطعة أخرى، وهكذا حتى ينتهي منها تمامًا".
يذكر أن يون يجري الآن عروض طبخ الحشرات وتذوقها في المدارس والجامعات والمتاحف، إذ يقدم للمبتدئين طريقة عمل الجبن الفرنسي، المخفوق ببعض الحشرات.
ومن أجل جذب المستهلكين لتناول الحشرات، يتعين أيضًا على الشركات استدراجهم بالمزيد من الإعلانات، التي تتحدث عن فوائد تناول الحشرات.
وفي ذلك، يقول عالم النفس التجريبي وعالم فيزياء المعدة تشارلز سبينس من جامعة أكسفورد في إنجلترا: "لا يبدو أن إخبار الناس بوجوب تناول المزيد من الحشرات لأنها مفيدة لهم و/ أو مفيد لكوكب الأرض له تأثير كبير في السلوك".
وفي دراسة أجريت عام 2022، اختبر فريق سبينس، استراتيجية تسويق مجربة وحقيقية، وهي تأييد المشاهير لتناول الحشرات، إذ قدم الباحثون إعلانات خيالية عن أطعمة تعتمد على الحشرات لأكثر من 1000 شخص في الولايات المتحدة.
وقال المتطوعون الذين شاهدوا إعلانات تصور رياضيين، مثل سيرينا وليامز وروغر فيدرر أو ممثلين مثل رايان رينولدز وأنغلينا جولي وهم يأكلون الحشرات، إنهم أكثر استعدادًا لتجربة المنتج من أولئك الذين شاهدوا إعلانات من دون مشاهير.
ولكن، ترى الصحيفة، أنه بصرف النظر عن كل هذه الإعلانات، فإن التذوق هو المؤثر الأهم لجذب الناس إلى تناول الحشرات.
على سبيل المثال ، فإن إضافة صلصة المارينارا إلى الكريكيت المطحون، كما يقول تامير، لا يضيف التغذية فحسب، بل يضيف أيضًا نكهة جاذبة، مضيفًا: "الذوق هو الملك، فإذا تمت إضافة بعض النكهات مثل الفطر أو الجوز أو القهوة أو الشوكولاتة إلى الحشرات قبل تناولها، فإنها ستعزز لاشك نكهات الحشرات، وتجعلها لذيذة أكثر".
وتشير "واشنطن بوست" إلى أن هارغول تعمل مع منتجي اللحوم المصنعة في الولايات المتحدة وكندا وآسيا، لتطوير منتجات مثل البرغر وكرات اللحم والنقانق، التي تحتوي على الدجاج أو اللحم البقري أو مصادر البروتين الأخرى، جنبًا إلى جنب مع الجندب المطحون.
وتعليقًا على ذلك، يؤكد "تامير" أن مذاقها يكون أفضل من أنواع البرغر الأخرى، مضيفًا: "إنه أفضل للبيئة، وأفضل لصحتك".