هل بدأت أمريكا حقبة جديدة من المواجهة المباشرة مع إيران؟

بايدن لم يعد يأمل التوصل لاتفاق نووي جديد مع إيران، بعد توقف المفاوضات منذ سبتمبر الماضي، وما تلاها من فرض عقوبات أمريكية جديدة على طهران، ودعم واشنطن الصريح للاحتجاجات الشعبية.

هل بدأت أمريكا حقبة جديدة من المواجهة المباشرة مع إيران؟

ترجمات - السياق

رأت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن الولايات المتحدة بدأت حقبة جديدة من المواجهة المباشرة مع إيران، مشيرة إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن فرضت عقوبات جديدة على طهران، وأعربت عن دعمها للمحتجين، في أول رد فعل "حقيقي" على المساعدات التي تقدمها الحكومة الإيرانية لروسيا، في حربها ضد أوكرانيا، فضلًا عن مواصلة طهران لعمليات التخصيب النووي.

كانت وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت، مؤخرًا، أن الولايات المتحدة استهدفت ثلاثة مسؤولين أمنيين إيرانيين، بعقوبات تتعلق بحقوق الإنسان، وعزت ذلك إلى حملة طهران الأمنية ضد المحتجين، في المناطق التي تقطنها أغلبية كردية.

وقالت وزارة الخزانة إن أحدث العقوبات الأمريكية، منذ اندلاع المظاهرات في جميع أنحاء إيران، احتجاجًا على قتل الشابة الكردية مهسا أميني (22 عامًا) أثناء احتجاز شرطة الأخلاق لها في سبتمبر الماضي، استهدفت مسؤولين رئيسين ضالعين في "الرد الأمني شديد القسوة" من جانب السلطات الإيرانية على الاحتجاجات في المدن الكردية شمال غربي إيران.

وفُرضت العقوبات على اثنين من المسؤولين في مدينة سنندج الكردية، هما الحاكم حسن أصغري وقائد شرطة المدينة علي رضا مرادي.

وقال بريان نيلسون وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في بيان: "التقارير تفيد بأن النظام الإيراني يستهدف ويطلق النار على أبنائه، الذين ينزلون إلى الشوارع للمطالبة بمستقبل أفضل"، مضيفًا: "الانتهاكات التي تُرتكب في إيران ضد المتظاهرين، بما في ذلك بمهاباد في الآونة الأخيرة، يجب وقفها".

 

قتل وتخصيب

وأشارت "نيويورك تايمز"، إلى أنه خلال الأيام الماضية، أبلغت إيران المفتشين الدوليين بأنها تخطط لبدء تصنيع وقود نووي شبه معدّل، في أعماق جبل يصعب قصفه، والتوسع بشكل كبير في إنتاج الوقود النووي بمصنع قامت إسرائيل والولايات المتحدة بتخريبه مرارًا وتكرارًا.

لم تتوقف السلطات الإيرانية عند ذلك، وإنما واصلت إطلاق النار على المتظاهرين المناهضين للحكومة أو حبسهم، كما زودت روسيا بطائرات من دون طيار لحربها في أوكرانيا، بينما تشتبه وكالات الاستخبارات الغربية، بأن طهران وموسكو توصلتا إلى اتفاق لبدء إنتاج مسيّرات هجومية في روسيا.

بجانب ذلك، اتهمت الولايات المتحدة، إيران، الثلاثاء، بانتهاك الأراضي العراقية مرة أخرى، لشن هجمات في إقليم كردستان.

ووفقًا لمسؤولين في الإدارة الأمريكية، فإنه أمام هذه التطورات، لجأ البيت الأبيض إلى تغيير استراتيجيته تجاه طهران، حيث يخصص اجتماعات الأمن القومي بشأن إيران، لمناقشة خطط تقويض مساعيها النووية، وتوفير معدات اتصالات للمتظاهرين، بدلًا من مناقشة استراتيجية التفاوض للعودة للاتفاق النووي كما كان يفعل.

كانت تقارير إعلامية، بينت أن المحادثات النووية بين الغرب وطهران، دخلت نفقًا مظلمًا إثر إرسال إيران شحنات تصنيع طائرات من دون طيار إلى روسيا، وكذلك الرد العنيف على الاحتجاجات.

كل ذلك -وفق الصحيفة الأمريكية- أدى إلى حقبة جديدة من المواجهة المباشرة مع إيران، بعد مرور نحو 18 شهرًا من المفاوضات غير الفعّالة بشأن برنامجها النووي.

وأوضحت الصحيفة أن بايدن لم يعد يأمل التوصل لاتفاق نووي جديد مع إيران، بعد توقف المفاوضات منذ سبتمبر الماضي، وما تلاها من فرض عقوبات أمريكية جديدة على طهران، ودعم واشنطن الصريح للاحتجاجات الشعبية.

كان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، قال الشهر الماضي: إن الولايات المتحدة لا تسعى لجولة جديدة من المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، مضيفًا أن واشنطن تركز في محاسبة إيران على معاملتها للمحتجين.

وأضاف: "الفجوة بيننا وبين إيران بشأن الاتفاق النووي لا تزال كبيرة"، وتابع: "نحن نركز على التظاهرات الجارية في إيران".

 

تهديد مختلف

وعن الاستراتيجية الجديدة التي تتبناها واشنطن تجاه طهران، نقلت "نيويورك تايمز" عن الزميل الأقدم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، هنري روم، قوله: إن نطاق التهديد الأمريكي لطهران، يتجاوز إلى حد بعيد القضية التي تثير قلق المسؤولين في البنتاغون بشكل خاص، المتمثلة في "نقل نشاط التخصيب النووي الأكثر إثارة للقلق إلى منشأة تحت الأرض تسمى فوردو، اكتملت قبل عقد من الزمن".

كانت إيران أبلغت المفتشين الدوليين بأنها بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المئة، وهي النسبة القريبة من الدرجة اللازمة لصنع أسلحة، في موقع فوردو، بعد أن نفذت ذلك بالفعل في محطة تجريبية فوق الأرض في نطنز منذ أكثر من عام.

وفي تلك المحطة تعمل سلسلتان من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في تخصيب اليورانيوم إلى ذلك المستوى.

وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن إيران تخطط أيضًا لزيادة قدرتها في التخصيب على نحو كبير.

وتتساءل الصحيفة: "ماذا لو كانت الإدارة الأمريكية تعلم عندما تولت السلطة في يناير 2021 أنه في غضون عامين، ستقوم إيران بتخصيب اليورانيوم بالقرب من صناعة الأسلحة في موقع فوردو، وتنشر أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدمًا بأعداد كبيرة، وترفض المراقبة الدولية إلا في حدود، وتراكم العديد من القنابل عالية التخصيب"؟

وللإجابة عن ذلك، قال روم: "رغم إتمام إيران لتخصيب اليورانيوم ورفض الجهود الدبلوماسية، فإن السيناريو الأسوأ لم يأتِ".

فحتى الصيف الماضي -حسب الصحيفة الأمريكية- كان المسؤولون الأمريكيون يأملون إحياء الاتفاق النووي، إذ كان الاتفاق الذي تفاوضت عليه الدول الأوروبية مع طهران على وشك الاكتمال.

وقد وافق ممثلو إدارة بايدن -الذين رفض الإيرانيون التحدث إليهم مباشرة- على الخطوط العريضة وكانوا ينتظرون الموافقة النهائية من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن، ويبدو أنه لن يحدث.

وأرجع مسؤولو المخابرات الأمريكية تعثر الاتفاق النووي، إلى أن إحياء الصفقة لم يكن يحظى بشعبية بين المحافظين الإيرانيين وفيلق الحرس الثوري، الذي يدير الجانب العسكري من البرنامج النووي ، بخلاف انتقاد العديد من الدوائر الأمريكية للاتفاق.

من الأمور التي تسببت أيضًا في تعثر الاتفاق، إصرار الإيرانيين على التزام الولايات المتحدة بعدم الانسحاب مرة أخرى من الاتفاقية من جانب واحد، كما حدث إبان عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهو ما لم توافق عليه واشنطن.

ويبدو -حسب الصحيفة- أن الإصرار الإيراني، كان مقصودًا، لأنهم كانوا يعلمون جيدًا أن طلبهم سيرفض، إذ كانوا يعلمون أنه بمجرد دخولهم الصفقة مرة أخرى، فإن معظم الوقود النووي الذي تم جمعه ردًا على قرار ترامب، يتعين شحنه خارج البلاد.

 

مساعدة روسيا

الجانب الآخر الذي تسبب في اضطرار واشنطن لتغيير استراتيجيتها تجاه إيران، المساعدات التي قدمتها طهران إلى موسكو في حربها ضد أوكرانيا، التي وضعتها في صف الدول المتعاونة مع روسيا مثل بيلاروسيا.

وأكد المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران، روبرت مالي، أن واشنطن "لن تضيع الوقت" في محاولة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، مضيفًا أنه سيتم تطبيق "مزيد من العقوبات" على النظام الإيراني، وأن الولايات المتحدة ستتخذ المزيد من الخطوات في المحافل الدولية.

وأضاف: "لقد اتخذ النظام الإيراني سلسلة من الخيارات التي تبعدهم بشكل متزايد عن شعوبهم، وعن الكثير من المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول الأوروبية التي كرست الجزء الأكبر من عهد ترامب في السعي لإنقاذ الصفقة النووية بلا جدوى".

وعادةً ما كان مالي أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التوصل إلى حل دبلوماسي، إلا أن رأيه تغير بشكل واضح، وقال: "أدارت إيران ظهرها لاتفاق نووي كان في متناول اليد"، مضيفًا أن الحكومة الإيرانية "فشلت في التعامل" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عندما طالبت بمزيد من الزيارات والبيانات للمواقع التي تم فيها الكشف عن مواد نووية.

وأعلنت إيران -بعد ذلك- خططًا لإنتاج نووي جديد، بعد أن أصدرت الوكالة قرارًا يدين عدم تعاون طهران معها.

ورأى مالي أن النتيجة كانت "سلسلة من الحلقات المفرغة"، لافتًا إلى أن "القمع يغذي المزيد من الاحتجاجات، والاحتجاجات تؤدي إلى مزيد من القمع". وأكد أن تحالف طهران مع روسيا يزيد عزلة إيران، ما يدفعها إلى تعزيز تحالفها مع موسكو لافتقارها إلى أي شريك آخر.

 

الموقف الإسرائيلي

وأفادت "نيويورك تايمز" بأن مصدر القلق الأكبر -بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة- إعلان إيران أنها ستبدأ تخصيب الوقود النووي بنسبة 60 في المئة داخل فوردو، المنشأة التي شيدتها بجبل على قاعدة عسكرية، بعد الهجمات الإلكترونية المتكررة والاعتداءات الأخيرة على نطنز.

وأشارت إلى أنه خلال المفاوضات النووية، التي استمرت من 2013 إلى 2015، حاولت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما إغلاق موقع فوردو.

وقالت ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأمريكي، إنها تشعر بخيبة أمل، بسبب فشل إدارة أوباما في إغلاق موقع فوردو النووي، رغم أن الاتفاقية حظرت صراحةً نوع النشاط النووي، الذي قال الإيرانيون مؤخرًا إنهم سيجرونه هناك.

والسؤال الآن -حسب الصحيفة الأمريكية- هو ما إذا كانت الحكومة الجديدة الأكثر تشددًا، التي يحاول بنيامين نتنياهو تشكيلها في إسرائيل، ستضغط لشن هجوم على المنشأة، التي سيكون من الصعب تدميرها إلا باستخدام أكبر القنابل الخارقة للتحصينات.

وبينت الصحيفة، أن كلًا من الولايات المتحدة وإسرائيل خطط لتوجيه هذه الضربة، مشيرة إلى أن نتنياهو كان قد اقترب من إصدار الأمر عندما كان رئيس الوزراء.

ومن خلال التقييمات العامة التي قدمتها إدارة بايدن، أحرزت إيران تقدمًا كبيرًا بحيث بات بإمكانها تخزين الوقود المناسب لصنع القنبلة النووية في غضون أسابيع.

ومع ذلك، تنقل الصحيفة عن مسؤولين في المخابرات الأمريكية والإسرائيلية القول: إن الغرب مع ذلك يمتلك وقتًا كافيًا، لأن تحميل الوقود النووي على رؤوس الصواريخ، قد يستغرق من إيران عامين إضافيين.

وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة أصدرت مؤخرًا تقييمًا، أكدت فيه أنه لا يوجد لديها أي دليل على مشروع قيد التنفيذ لصنع قنبلة في إيران، لكن هذا يفترض وجود معلومات استخباراتية عن حالة البرامج النووية والصاروخية، في الوقت الذي كانت فيه عمليات التفتيش محدودة، خصوصًا أن الإيرانيين أغلقوا الكاميرات التي نصبتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ومع الكشف عن المساعدات التي تقدمها إيران لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، وموقفها المتشدد من المتظاهرين، يبدو أن إدارة بايدن عازمة على تقديم ما هو أكثر من الدعم المعنوي للمتظاهرين، أو إصدار بيانات الشجب بشأن دعم طهران لموسكو بالطائرات من دون طيار، وهو ما يعني إقدامها على تغيير استراتيجيتها، بالشكل الذي يجعل المواجهة المباشرة قادمة لا محالة.

ونقلت الصحيفة عن هنري روم قوله، إن إدارة بايدن كانت تقول إنها تريد وضع برنامج إيران النووي تحت السيطرة، وأعتقد أن ذلك يعكس الفكرة الأوسع المتمثلة في وضع التحدي الإيراني جانبًا بمجرد التوصل إلى اتفاق.

وأضاف: "لكن يجب على الإدارة الآن أن تتعامل مع حقيقة أن التهديد الإيراني للسلم والأمن الدوليين، في جميع المجالات، بات أكبر اليوم مما كان عليه قبل عامين".