كيف تؤثر احتجاجات الصين ضد قيود كورونا في المستثمرين؟

بشكل عام، يبدو أن الأسواق الصينية على موعد مع تقلبات غير محدودة المخاطر

كيف تؤثر احتجاجات الصين ضد قيود كورونا في المستثمرين؟

ترجمات - السياق

رأت أليسيا غارسيا هيريرو، الخبيرة الاقتصادية، أن احتجاجات الصين الأخيرة -تنديدًا بسياسة صفر كورونا- تضيف حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين، مشيرة إلى أن هذه المظاهرات تُظهر كيف أن الدولة تكافح للتعامل مع أزمة كورونا وتسهيل عمليات الإغلاق.

بدأت الاحتجاجات بمناطق مختلفة، الأحد الماضي، للمطالبة بإنهاء الإغلاق العام، وفتح مجالات أوسع للحريات السياسية، في موجة مظاهرات واسعة، لم تشهد مثلها البلاد منذ الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية عام 1989.

وشهدت مدن صينية، تظاهرات احتجاجًا على إجراءات الإغلاق الصارمة، التي تطبقها السلطات في إطار سياسة "صفر كورونا" في البلاد منذ نحو ثلاث سنوات، كما شارك مئات الطلاب من جامعة تسينغهوا المرموقة في بكين بالاحتجاجات.

وذكرت هيريرو، وهي كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك الاستثمار الفرنسي ناتيكسيس، أن هذا العام لم يكن سهلاً بالنسبة للصين ولا للمستثمرين في البلاد، إذ تميّز بسوق أسهم مخيب للآمال، وضعف الرينمينبي (العملة الصينية) وتدفقات رأس المال الخارجة، لا سيما من سوق الدخل الثابت.

 

سياق عالمي

ورغم أن هيريرو، أشارت إلى أن الأزمات الاقتصادية تضرب العالم كله مؤخرًا، خصوصًا بعد قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالحرب في أوكرانيا، إلا أنها بينت أن الاحتجاجات الصينية تزيد تعقيد الموقف بالنسبة لبكين.

وأوضحت -في تحليل نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية- أن التحول المتشدد من جانب الفيدرالي الأمريكي بشأن السياسة النقدية، أدى إلى الإضرار بأسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم، وانخفضت قيمة العملات تقريبًا، باستثناء تلك المرتبطة بالدولار.

ومع ذلك -حسب الكاتبة- كان من الممكن أن تختلف الأمور بالنسبة للصين، كما كانت عام 2020 وأوائل عام 2021، عندما كان من المتوقع أن تكون الدولة "أول من ينجو" من جائحة كورونا.

وأشارت إلى أنه مع فارق كبير في النمو الاقتصادي لصالح الصين مقارنةً ببقية العالم، كان هناك استثمار أجنبي مباشر هائل في البلاد، إضافة إلى زيادة تدفقات الأسهم والسندات، إذ بلغت الحصة الأجنبية في أسواق السندات والأسهم الصينية ذروتها عند 3.5 في المئة منتصف عام 2021.

ومع ذلك -تضيف الكاتبة- بدأت الأمور تتغير أواخر عام 2021، وبدأ ذلك مع تخلف أكبر شركة تطوير عقاري في الصين "إيفرغراند" عن ديونها الدولية ومشكلاتها لدى العديد من نظرائها في الصناعة.

وقد تبع ذلك ظهور متغير أوميكرون -الناشئ عن كورونا- أوائل يناير 2022 وقرار الحكومة الصينية بالتمسك بسياسات "صفر كورونا" حتى عند مواجهة فيروس أكثر عدوى، وهو ما أدى إلى انخفاض واضح في التنقل، وكذلك في النشاط الاقتصادي خلال عام 2022.

ومنذ ذلك الحين، تراجعت أسواق الأسهم الصينية، حتى انهارت أواخر أكتوبر، تزامنًا مع إعادة مؤتمر الحزب الشيوعي انتخاب شي جين بينغ رئيسًا لولاية ثالثة غير مسبوقة، ومع ذلك، بعد أيام قليلة فقط، تم إصدار إعلانين مهمين لمعالجة مشكلات الصين.

الأول: كان الرفع التدريجي لسياسات صفر كورونا، والثاني: إجراءات بنك الشعب الصيني الـ16 لدعم قطاع العقارات.

تبع ذلك نشوة صريحة في السوق، كما لو أن الطريق نحو القضاء على الفيروس لم يكن واضحًا فحسب، بل كان ممكنًا أيضًا، ويمكن للحكومة دعم قطاع العقارات المحتضر فقط من خلال الدعم المالي من البنوك وتخفيف بعض اللوائح والإجراءات.

 

صفر كورونا

ورغم كل ذلك، فإن هيريرو، أشارت إلى أن الأمور عادت لما كانت عليه إبان تطبيق سياسة "صفر كورونا"، ومن ثمّ لم ينجح الاقتصاد الصيني في التعافي مجددًا.

ووفقًا لشركة نومورا اليابانية المالية، بات العديد من المدن التي تمثل قرابة 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للصين في حالة إغلاق تام، وهو ما زاد الأضرار على قطاعات عدة، خصوصًا قطاع العقارات.

ولكن -تضيف الكاتبة- ما زاد الأمور سوءًا، خروج الاحتجاجات الأخيرة، التي تتوسع عبر مدن مختلفة، ما أثر بالسلب في الأسواق.

وهنا تتساءل هيريرو: "ما المتوقع بعد ذلك"؟، مشيرة إلى أنه يمكن أن تصبح هذه الاحتجاجات -التي ركزت إلى حد ما على سياسات كورونا حتى الآن- جرس الإنذار اللازم للصين، للمضي قدمًا في رفع القيود للتعامل مع الفيروس.

ومع ذلك -حسب الكاتبة- فإن الرغبة في الانفتاح شيء، وأن تفعل ذلك بتكلفة معتدلة للأرواح البشرية شيء مختلف.

وأشارت إلى أن معدل التطعيم في الصين لكبار السن لا يزال منخفضًا بشدة، لافتة إلى أنه تم الإبلاغ عن أن أقل من 40 في المئة من البالغين من العمر 80 عامًا وما فوق تلقوا جرعة ثالثة من لقاح كورونا، مضيفة: "أمام ذلك، يجب على المستثمرين مراقبة الإعلانات عن التطعيم السريع -ربما الإجباري- من أجل نظرة بناءة للأسواق الصينية".

لكن بدلاً من ذلك، وفي ظل غياب حملة تطعيم مكبرة، واستمرار الشعار العنيد المتمثل في سياسات عدم انتشار الفيروس "صفر كورونا"، من المحتمل أن تتوسع الاحتجاجات، ولو بالمخاطرة برد فعل قاسٍ من الحكومة.

وبينت هيريرو، أن استمرار سياسة صفر كورونا، ومن ثمّ توسع الاحتجاجات، سيؤدي إلى تفاقم الأزمات للاقتصاد الصيني، وهو ما يؤدي بدوره لعواقب سلبية واضحة على الاستثمار.

إضافة إلى ذلك، فإن المحفزات المالية والنقدية مقيدة بدرجة أكبر بكثير مما كانت عليه عام 2008، حيث تشهد الحكومات انهيارًا في مبيعات الأراضي، وزيادة هائلة في الإنفاق المرتبط بكورونا، تقدر بنحو 1.5 نقطة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لشركة سوشو لتداول الأوراق المالية.

وأفادت الكاتبة بأنه إذا واجهت الحكومة الاحتجاجات السائدة بقيود أكثر صرامة، من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تراجع شهية المستثمرين الأجانب أكثر، وهو ما سيؤثر بدوره سلبًا في رأس المال وضعف الرنمينبي.

من الأمور التي قد تزيد من الأضرار بحق الاقتصادي الصيني أيضًا، إمكانية اتخاذ الولايات المتحدة المزيد من الإجراءات، للحد من نقل التكنولوجيا إلى الصين.

ورأت أنه رغم وجود خطر ضئيل بشأن احتمال نشوب صراع محتمل في مضيق تايوان، فإنه إذا تصاعدت التوترات السياسية في الصين، قد يرغب شي في تركيز الاهتمام المحلي على القضية الوحيدة التي توحد الكثير من البلاد، وهي إعادة التوحيد مع تايوان، "أي إعلان الحرب على الجزيرة الصغيرة".

وتابعت: "بشكل عام، يبدو أن الأسواق الصينية على موعد مع تقلبات غير محدودة المخاطر".