الحرب التكنولوجية الأمريكية الصينية... كيف تُغير العالم؟

وفقًا للحكومة الأمريكية، تركز الاستراتيجية الاقتصادية للصين، على جذب الشركات الأجنبية وسرقة التكنولوجيا الخاصة بها وتوطينها، قبل إجبار الشركات على الخروج من السوق الصينية.

الحرب التكنولوجية الأمريكية الصينية... كيف تُغير العالم؟

ترجمات – السياق

تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن إمكانية أن تسهم حرب التكنولوجيا الأمريكية الصينية في تغيير العالم، موضحة أن حملة واشنطن الصارمة على الوصول إلى التكنولوجيا، ستسبب نوعًا جديدًا من الصراع العالمي.

وذكرت المجلة، في تحليل للكاتبة أجاث ديمارايس، مديرة التنبؤات العالمية في وحدة إيكونوميست إنتليغنس، أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب رفضت استخدام الطائرات من دون طيار في إطفاء الحرائق التي اندلعت في صيف 2020، بالغابات الضخمة في ولايتي كاليفورنيا وأوريغون، مشيرة إلى أن سبب ذلك أن هذه الطائرات صينية الصُنع.

كانت إدارة ترامب أمرت الوكالات الحكومية الأمريكية، بالتوقف عن استخدام أكثر من 800 طائرة من دون طيار ساعدت في مراقبة الحرائق بجميع أنحاء البلاد، لأنها من صُنع شركة "دي جيه آي" الصينية.

وأوضحت المجلة، أن الشركة الصينية توفر أكثر من 70 في المئة من الطائرات المدنية من دون طيار في العالم، ومع ذلك، كانت الإدارة الأمريكية قلقة من أن هذه الطائرات قد ترسل سرًا معلومات حساسة إلى الصين.

من جانبها، نفت شركة "دي جيه آي" الصينية، هذه الادعاءات بشدة، واتخذت خطوات لنقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة.

 

عِناد أمريكي

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه رغم تحذير وزارة الداخلية الأمريكية من أن وقف استخدام هذه الطائرات في إطفاء الحرائق، سيعيق جهودها، فإن إدارة ترامب تجاهلت هذه التحذيرات، وقررت المضي قدمًا في استراتيجيتها ضد استخدام الطائرات الصينية الصُنع.

ضمن استراتيجيتها لمنع استخدام الصناعات الصينية، أيضًا،  أوقفت واشنطن الاستحواذ على 17 نظامًا عالي التقنية، يسمى "لغنيس"، يساعد في إطفاء الحرائق.

ورغم إضافة الحكومة الأمريكية هذا النظام إلى قائمة الابتكارات "المصنوعة في أمريكا"، فإنه كانت هناك مشكلة، إذ تشتمل أنظمة "لغنيس" على مكونات صينية الصُنع، وهي ما عدتها الإدارة الأمريكية "مخاطرة كبيرة للغاية" حال استخدامه.

ومع إيقاف الطائرات من دون طيار الصينية، وفقدان أنظمة "لغنيس"، لجأت الإدارة الأمريكية لاستخدام الطائرات التي يديرها رجال الإطفاء، إلا أنه سرعان ما تم التخلي عن هذا الخيار، بعد أن عرّض حياة البشر للخطر.

وحسب المجلة، كان الافتقار إلى الطائرات من دون طيار دليلًا ملموسًا على الآثار المتتالية للصراع بين الولايات المتحدة والصين.

بالتأكيد -تضيف المجلة- لم يكن من المحتمل أن يمنع استخدام الطائرات من دون طيار الحرائق، التي كانت بسبب مزيج غير عادي من الرياح القوية والحرارة الشديدة، إلا أنه ربما كان من الممكن أن تساعد في خفض عدد القتلى (قُتل ما يقرب من 40 شخصًا حينها) وتقليل نطاق الضرر (الذي وصل إلى 19 مليار دولار في كاليفورنيا وحدها).

وتتساءل المجلة: "هل كان التخفيف من المخاطر التي لا أساس لها من أن الصين قد تستخدم الطائرات من دون طيار للتجسس على الأراضي الأمريكية، يستحق هذا الثمن الباهظ؟".. وتتابع: "بالنسبة لواشنطن، كان الجواب واضحًا بنعم".

 

أسباب مخاوف واشنطن

ووفقًا لـ "فورين بوليسي" تعود مخاوف واشنطن من الصعود التكنولوجي للصين، والتجسس الصناعي والسرقة الإلكترونية المصاحبة لها، إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وأشارت إلى أن هذه المخاوف تبلورت أكثر عام 2018، عندما أصدر الممثل التجاري للولايات المتحدة تقريرًا يلخص جرائم الصين المتصورة ضد الولايات المتحدة.

وسلطت الوثيقة الضوء على إدراك واشنطن أن الاقتصاد الصيني ليس مدفوعًا بالسوق الحر، لكن تقوده الدولة.

ووفقًا للحكومة الأمريكية، تركز الاستراتيجية الاقتصادية للصين، على جذب الشركات الأجنبية وسرقة التكنولوجيا الخاصة بها وتوطينها، قبل إجبار الشركات على الخروج من السوق الصينية.

وحسب الوثيقة، تجبر الحكومة الصينية الشركات العالمية، التي ترغب في الوصول إلى السوق الصينية، على تشكيل مشاريع مشتركة مع الشركات الصينية، لافتة إلى أن هذه الشركات المحلية لديها هدف واحد (سرقة الأسرار التكنولوجية لنظيراتها الأجنبية).

أمام ذلك، يقول المكتب التنفيذي الوطني لمكافحة التجسس بالولايات المتحدة: "الجهات الفاعلة الصينية هم مرتكبو التجسس الاقتصادي الأكثر نشاطًا واستمرارية في العالم".

وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه بمجرد أن تجمع بكين التكنولوجيا التي تبحث عنها، تنسخها الشركات الصينية.

الغريب -حسب المجلة- أن المصنع الصيني يصنع نسخًا طبق الأصل من المنتجات الغربية.

أمام ذلك، تعتقد واشنطن أن بكين تخطط -في النهاية- لطرد الشركات الأجنبية من الصين.

وهو ما تؤكده المجلة الأمريكية، مشيرة إلى أنه بمجرد أن تحصل الشركات الصينية على التكنولوجيا الأجنبية، قد لا ترى بكين سببًا للسماح للشركات الأجنبية بالمنافسة، بالبقاء في سوقها المحلي.

وبينت المجلة، أن هذه الممارسات غير القانونية، لا تشكل سوى جانب واحد من مخاوف الولايات المتحدة تجاه الصين، ففي السنوات الأخيرة، أصبحت الحكومة الأمريكية أيضًا قلقة -بشكل متزايد- من أن السماح للشركات التكنولوجية الصينية، بالعمل على الأراضي الأمريكية، أو جعل الوكالات الحكومية الأمريكية تستخدم التكنولوجيا الصينية الصنع، يعرض الأمن القومي للخطر.

وما يزيد هذه المخاوف، أن شركات التكنولوجيا الفائقة في الصين لها علاقات بالدولة الصينية، ومن ثمّ فقد تضطر إلى جمع البيانات سرًا عن المستهلكين الغربيين وتقديمها للسلطات في بكين.

 

صحة هذه المخاوف

وعن صحة هذه المخاوف، بينت "فورين بوليسي" أنه رغم عدم وجود سجلات عامة تثبت هذه المخاوف، فإن قانون الأمن القومي الصيني قد يجبر الشركات الصينية التي تعمل في الولايات المتحدة على جمع معلومات عن المواطنين أو الشركات الأمريكية، وإرسال هذه البيانات مرة أخرى إلى بكين، ومن ثمّ لن يكون هناك أي خيار أمام هذه الشركات سوى التعاون مع بكين.

ووفقًا للقوانين الصينية، ليس للشركات الحق في رفض أو التعليق على هذه الطلبات.

وأشارت المجلة إلى أن العديد من الشركات الأمريكية تأخذ بالفعل هذه القضية على محمل الجد، لافتة إلى أن شركات مهمة مثل غوغل وفيس بوك، تأخذ حذرها جيدًا أمام التكنولوجية الصينية.

من هذا المنظور -حسب المجلة- فإن أبراج الهواتف المحمولة الصينية الصنع المثبتة بالقرب من المباني الحكومية، مثل المكاتب الفيدرالية أو القواعد العسكرية، تشكل تهديدًا حادًا بشكل خاص.

وهذا هو لب الجدل بشأن مشاركة بكين في النشر العالمي لشبكات اتصالات الجيل الخامس، إذ يعتقد خبراء الدفاع أن الصين يمكن أن تستخدم البنية التحتية للتجسس على المنشآت الحساسة.

ورغم أن مؤيدي الصين يسارعون إلى الإشارة إلى أن هذه المخاوف لا أساس لها، فإن هناك سوابق في مناسبتين منفصلتين، حيث اتُهمت الصين بالتجسس على المقر الإثيوبي للاتحاد الإفريقي.

وبينما أنكرت بكين والشركات الصينية المشتبه في تورطها، هذه الاتهامات، قلل الاتحاد الإفريقي من أهميتها، وإن كان ذلك لأسباب غير قابلة للتفسير.

 

السيناريو الأسوأ

وترى "فورين بوليسي، أن أسوأ سيناريو لمؤسسة الأمن الأمريكية، خشية بعض الخبراء من أن تثبيت معدات الاتصالات الصينية الصينية على الأراضي الأمريكية، قد يمكّن بكين من قطع الهاتف عن أمريكا أو الإنترنت.

ولكن -حسب المجلة- يعتقد معظم المحللين أن هذا الأمر غير ممكن على الأرض، مشددين على أن نمو الصين سيتراجع إذا انهار الاقتصاد الأمريكي.

وبيّن المحللون، أنه إذا اتخذت الصين هذه الخطوة المتطرفة، فإن قدرة بكين طويلة المدى على إقناع الدول بتركيب معدات اتصالات سلكية ولاسلكية صينية ستعاني أيضًا، ومع ذلك، إذا تورطت الولايات المتحدة والصين في أي صراع عسكري مباشر -على سبيل المثال بشأن تايوان- فلن يكون أمام بكين سوى اللجوء إلى هذا الخيار.

ويذهب بعض الأمريكيين إلى حد اعتبار الصراع بين الولايات المتحدة والصين صراعًا بين الأجيال، على قدم المساواة مع الصراعات ضد الاتحاد السوفييتي السابق أو الإرهاب الإسلامي.

وتقول المجلة الأمريكية: "في هذه الحرب الاقتصادية، لا غرابة في أن الولايات المتحدة حريصة على الاستفادة من جميع أشكال الإكراه الاقتصادي"، مشيرة إلى أن إدارة ترامب فرضت تعريفات جمركية على 360 مليار دولار من الواردات الأمريكية من الصين، التي نالت تأييد الرئيس الحالي جو بايدن، الذي أكد أنه لن يرفعها.

كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على صينيين مرتبطين بانتهاكات حقوق الإنسان، ضد أقلية الأويغور في شينجيانغ والمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ.

وفي المجال المالي، يفكر المشرعون الأمريكيون في ما إذا كانوا سيشطبون أكثر من تريليون دولار من أسهم الشركات الصينية في البورصات الأمريكية.

ويفكر الكونغرس أيضًا في منع خطة التوفير، التي تدير معاشات ملايين موظفي الحكومة الفيدرالية، من الاستثمار في الشركات الصينية.

ومع ذلك، فقد نما الاقتصاد الصيني بشكل كبير للغاية، بحيث لا تستطيع واشنطن معاقبة بكين بمجموعة أدواتها المعتادة، بخلاف أن العقوبات المالية تبدو مستبعدة للغاية، إذ إنه من شبه المؤكد أن استهداف ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعقوبات مالية، سيؤدي إلى نتائج عكسية.