الدوحة تستدعي الأولتراس إلى كأس العالم... تفاصيل صفقة استثنائية لإشعال المباريات بالحماسة
آلاف المشجعين يهتفون باسم قطر في كأس العالم لكنهم ليسوا قطريين فمن هم؟ وهل استدعتهم الدوحة لأداء دور تمثيلي؟

ترجمات - السياق
بينما انطلقت بطولة كأس العالم في قطر، كانت ملاعب كأس العالم على موعد مع ظاهرة تحدث لأول مرة في البلد الخليجي، إذ استدعت الدوحة مشجعين من دول مختلفة، للهتاف باسمها في البطولة الأشهر.
ذلك الاستدعاء، الذي كان مدفوعًا ضمن صفقة استثنائية، وما حمله معه من هتافات، ترددت أصداؤها في جميع أنحاء قطر بمباراتيها الافتتاحية مع الإكوادور والثانية مع السنغال، كانتا خير شاهد على استعانة الدوحة بما يعرف بـ«الأولتراس»، وهي رابطة منتشرة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
تلك الرابطة، التي عادة ما تحمل ثقافات «معادية» ومناهضة بشدة للسلطة، وفي صراع دائم مع الشرطة ووسائل الإعلام، في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لم تكن مناسبة على الأرجح للواقع التجاري لكأس العالم في قطر، بحسب تقرير لاثنين من محرري صحيفة نيويورك تايمز.
فماذا عن خطة قطر للاستعانة بتلك الرابطة؟ وما أهدافها؟ «نيويورك تايمز»، تجيب عن تلك الأسئلة وغيرها في تقريرها الذي ترجمته «السياق».
تقول الصحيفة الأمريكية، إن حشدًا من المشجعين جلب طاقة لا هوادة فيها للمباريات في كأس العالم بالدوحة، ما جعل المشهد أكثر تذكيرًا بملاعب كرة القدم في أمريكا الجنوبية وأوروبا، مشيرة إلى أن هؤلاء المشجعين كانوا الأكثر تأييدًا لقطر في مباراتيها، أمام الأكوادور والسنغال، لكنهم ليسوا من قطر.
فمن هم؟
منتصف الشوط الثاني من مباراة قطر ضد السنغال في نهائيات كأس العالم، توقف قرع الطبول عندما رفع رجل يرتدي قبعة ونظارة شمسية طالبًا الهدوء.
إلا أنه قبل لحظات، كان بعض تلك الحشود -أكثر من ألف شخص جميعهم يرتدون قمصانًا كستنائية متطابقة مع كلمة «قطر» باللغتين الإنجليزية والعربية- يهتفون في انسجام تام.
لوهلة صمتوا بشكل غريب، بينما دار ضجيج المباراة من حولهم داخل استاد الثمامة، ثم جاءت الإشارة للحشد، لينفجر مرة أخرى.
«العب، يا مارون!» هتافات تردد صداها مرات ومرات باللغة العربية في إشارة إلى لقب منتخب قطر، بينما ربط الرجال أذرعهم في طوابير طويلة وقفزوا لأعلى ولأسفل، ما جعل الأرض تهتز من تحتهم.
كان المشهد أكثر تذكيرًا بملاعب كرة القدم في أمريكا الجنوبية وأوروبا منه في قطر، إذ كانت الهتافات الحاضرة في أجوائها شبيهة بالموجودة في "الأولتراس"، وهي ثقافة تجمع مشجعي كرة القدم في رابطة عالية التنظيم، ولها جذور في إيطاليا وجميع أنحاء العالم، بما في ذلك شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وتقول «نيويورك تايمز»، إن الهدف كان امتلاء الملعب بضوضاء الجماهير، كما حدث خلال مباراة قطر الافتتاحية ضد الإكوادور، مشيرة إلى أنه بينما كانت طاقتهم التي لا هوادة فيها «ملهبة للحماسة»، منحت الإشارات على أجساد العديد منهم بُعدا آخر.
فالأوشام، التي هي نادرة للغاية ومثيرة للاستياء في المجتمع الخليجي، تشير إلى أن المعجبين لم يكونوا قطريين... فمن هم؟ ومن أين أتوا؟
صوت مستورد؟
بداية عام 2022، بينما كانت كأس العالم على وشك البدء، كانت قطر محاصرة بالانتقادات منذ فوزها بحقوق استضافة البطولة، بسبب ما وصفته صحيفة «نيويورك تايمز»، بـ«التصويت الفاسد» الذي أفضى إلى ذلك، ولمعاملتها للعمال المهاجرين، ما أثار تساؤلات عن قدرة الدولة الصغيرة على استضافة وإيواء أكثر من مليون زائر، لكنْ كان هناك انتقاد شائع، مفاده: أن البلاد ليس لديها ثقافة كرة القدم.
فلم تتأهل قطر قط لكأس العالم بأقدام لاعبيها، إضافة إلى أن دوري نجوم قطر، الذي يعد من أغنى الدوريات في المنطقة، حيث يحتوي على أحدث الملاعب المكيفة، تكون جماهير فرق مثل السد والريان غالبًا بالمئات لا بالآلاف.
تلك النقطة أثارت تساؤلات من قبل المنظمين: من سيملأ الملاعب عندما تلعب قطر؟ من الذي سيوفر الموسيقى التصويرية؟ كان الجواب الاستفادة من ثقافة «الأولتراس» الخصبة بالفعل في المنطقة واستيرادها، بحسب «نيويورك تايمز».
لكن هذه الثقافة نفسها ليست مناسبة على الأرجح للواقع التجاري لكأس العالم في قطر، فقانون الأولتراس «معاد ومناهض بشدة للسلطة، وفي صراع دائم مع الشرطة ووسائل الإعلام»، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الأولتراس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كان له تأثير سياسي أيضًا، فقد لعب في مصر دورًا في الأحداث التي أطاحت الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عام 2011.
وكانت الأغاني التي تم إعدادها على المدرجات في تونس والجزائر والمغرب ولبنان، موسيقى تصويرية للاحتجاجات المناهضة للحكومة أيضًا، لكن في الملاعب، يمكنهم حتى أن يملأوا أكثر المساحات بالعاطفة واللون والصوت.
لذلك، في أبريل، كان ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية، في العاصمة اللبنانية بيروت، على موعد مع حدث اختباري، حيث جرى «تجنيد المئات من الطلاب اللبنانيين ومشجعي أحد الأندية المحلية، ويدعى النجمة، لإنتاج ما يعرف بـ«فيلم إثبات المفهوم» من خلال إعادة تهيئة الأجواء التي يمكن أن توفرها مجموعة الأولتراس، بحسب «نيويورك تايمز».
ويُظهر الفيديو مئات المشجعين يهتفون ويعرضون لافتات ويطلقون الألعاب النارية، بعد ذلك نُقل «الكابو»، وهو المصطلح المستخدم لوصف المشجع الذي يقود الهتافات، من مجموعة الأولتراس الرئيسة في نادي غلطة سراي التركي.
وتقول «نيويورك تايمز» إنه جرى تحديد نادي غلطة سراي أيضًا عن قصد، لأن لديه واحدًا من أكثر المشاهد احترامًا في العالم، إلا أن اللبنانيين قالوا إنهم لا يحتاجون إلى توجيه.
صفقة استثنائية
قال أحد اللبنانيين إنه شعر بالقلق من فكرة أنه يجب تعليمه كيفية تنظيم مجموعة من المعجبين المتشددين، مضيفًا أن الأولتراس الأتراك كانوا سيأتون إلى قطر، لكنهم فوجئوا بنا، لقد فعلنا ذلك فترة طويلة.
وأثار الفيديو إعجاب الأشخاص المناسبين في الدوحة، فمن خلال الحديث الشفهي، عُرض على المشجعين اللبنانيين الشباب صفقة استثنائية تتمثل في: رحلات طيران مجانية، وإقامة، وتذاكر مباريات وطعام، إضافة إلى راتب صغير، لجلب بعض الثقافة إلى مباريات كأس العالم في قطر.
ووصل المشجعون منتصف أكتوبر الماضي، للتمرن على حركاتهم المصممة، وممارسة الهتافات المكتوبة حديثًا، ومعرفة النشيد الوطني لدولة قطر.
كان من المفترض أن يكون حضور البطولة تجربة بعيدة عن متناول معظم المشجعين العاديين في الوطن العربي، فلبنان -على سبيل المثال- يمر بأزمة اقتصادية عميقة، قال عنها البنك الدولي إن نسبة البطالة بين الشباب تبلغ 30%، بينما يفر الآلاف من البلاد.
وتقول «نيويورك تايمز»، إنه من دون مساعدة قطر، لم يكن أي من الرجال الذين يرتدون القمصان «المارونية» قادرين على تحمُّل تكاليف حضور المباريات في الخليج.
لكنْ المشجعون اللبنانيون لم يكونوا وحدهم من انضموا إلى هذا الجهد، فقد ضمت المجموعة نحو 1500 معجب أيضًا، مصريين وجزائريين وقليل من السوريين.
وعن ذلك، قالت رابطة الأولتراس اللبنانية، إن الذهاب إلى كأس العالم حلم، مشيرة إلى أن «المال لم يكن العامل الوحيد المحفز... من واجبنا دعم دولة عربية. نحن نتشارك اللغة نفسها ونتشارك الثقافة ذاتها. نحن أصابع في اليد نفسها. نريد أن نظهر للعالم شيئًا مميزًا. سترى شيئًا مميزًا».
ماذا حدث في المدرجات؟
عند انطلاق المباراة في استاد الثمامة، الجمعة، اجتمع 1500 من الأولتراس في القسم المخصص لهم خلف قمصان كستنائية متطابقة: قطر في المقدمة، كل شيء للعنابي في الخلف، وبينما عزف النشيد الوطني غناه الأولتراس كأنه لوطنهم، وعندما انتهى النشيد قرع الكابو اللبنانيون طبولهم وقادوا الهتافات.
وقال عبدالله عزيز الخلف، مدير الموارد البشرية القطري، البالغ من العمر 27 عامًا، وهو يقف في الردهة يشاهد الأولتراس يؤدون بمزيج من الفخر والذهول: «الشعب القطري لا يدعم حقًا فريقًا بهذه الطريقة. لأننا في قطر لا نذهب إلى المباراة كثيرًا».
ووافق آخر قطري تصريحات الخلف، فقال علي الصميخ، 16 عامًا، طالب، من مشجعي الريان: «أنا أحب ذلك. إنه مثير!».
ولم يرد منظمو كأس العالم في قطر على أسئلة عن المشجعين ولا الجهود المبذولة لمعرفتهم وإحضارهم إلى البطولة، إلا أن رجلًا يرتدي قميص بولو عليه شعار أكاديمية أسباير، (مشروع زراعة المواهب القطري الذي تبلغ تكلفته مليار دولار)، صوَّر الجمهور 90 دقيقة.
ومع ذلك، تقول «نيويورك تايمز»، إنها شعرت بأن العاطفة حقيقية، إلا أن خيبة الأمل جاءت في المدرجات، بعد أن سجلت السنغال هدفين.
وفي محاولة لتدارك الموقف، صرخ قادة المعجبين الذين يرتدون قمصانًا بيضاء، داعين المشجعين إلى الغناء بقوة أكبر، ما يقلد ظاهرة غالبًا ما تُرى في الحشود الكبيرة في إيطاليا وألمانيا والمغرب، تتضمن: أنت تغني بصوت أعلى وتحدث المزيد من الضوضاء عندما تخسر. دقات الطبول أعلى.
احتفالات نابضة
عادت الهتافات إلى الجماهير، وليس فقط لأولئك الذين يقفون وراء المرمى، عندما سجل محمد مونتاري الهدف الأول لقطر في إحدى مباريات كأس العالم.
ووسط الاحتفالات النابضة بالحياة، اندفع حارس أمن إلى المقدمة، في محاولة فاشلة ليطلب من الأولتراس الجلوس، لكن فرحة الجماهير لم تدم طويلًا عندما سجلت السنغال الهدف الثالث، فانتهت المباراة 3-1، لتصبح قطر أول دولة تُقصى من كأس العالم.
وقال أحمد، مشجع مصري، كان قد انضم إلى مجموعة الأولتراس مرتديًا قميص «المارون» المميز، لكنه يعيش بالفعل في قطر: «أنا غير سعيد بالطبع، نحن مجموعة من العرب نعمل هنا لدعم قطر. إذا كنا نعمل في إنجلترا، سندعم إنجلترا أيضًا».
إلا أن الحشد ذاب بعيدًا، فالأولتراس القطريون كانوا هنا فقط لدور المجموعات، ومعظمهم سيحزمون أمتعتهم ويسافرون إلى لبنان، بعد مباراة قطر ضد هولندا، الثلاثاء، لكن قبل ذهابهم، سيجلبون ضجيجهم مرة أخرى.