هل تنهي حرب العصابات الوجود الروسي في أوكرانيا؟

الحرب التي تصور الروس أنها سُتنجز في غضون ساعات، دخلت شهرها الثاني، من دون أي نتائج ملموسة على الأرض، بل بات الانتصار الروسي بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.

هل تنهي حرب العصابات الوجود الروسي في أوكرانيا؟

ترجمات - السياق

الحرب الروسية الأوكرانية تتمدد في الأيام، ورغم الحديث عن قرب انفراجه سياسية تلوح في الأفق، عقب مفاوضات ثنائية بين طرفي الصراع  -وصفت بالإيجابية- فإن سيناريوهات قتالية جديدة سلَّطت عليها الأضواء. ومن بين هذه الاحتمالات، سيناريو "حرب العصابات" التي رأت مجلة فورين بولسي أنه سيتنامى خلال الأيام المقبلة.

وأشارت المجلة إلى أن الحرب التي تصور الروس أنها سُتنجز في غضون ساعات، دخلت شهرها الثاني، من دون أي نتائج ملموسة على الأرض، بل بات الانتصار الروسي بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.

وقالت المجلة في تقرير: بمجرد احتلال بلادهم من قِبل الروس، لم يكن أمام الأوكرانيين سوى التكاتف لتحويل هذه الحرب إلى مستنقع طويل ومرير لروسيا.

وأوضحت أنه بدلاً من انتظار هزيمتهم، يخطط الأوكرانيون لشن حملة "حرب عصابات" منسقة في غضون الأسابيع المقبلة، بالتوازي مع الحرب النظامية، مستشهدة بما أعلنه رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، الجنرال كيريلو بودانوف، أواخر مارس، من أن ما سماه "موسم حرب العصابات الأوكرانية سيبدأ قريبًا"، متوعدًا الروس بأنه لن يكون أمامهم سوى سيناريو واحد هو (كيفية البقاء على قيد الحياة).

 

مسلحون مدنيون

ذكرت "فورين بولسي" أن حرب العصابات التي توعد بها بودانوف بدأت، مشيرة إلى أنه حدثت بالفعل مقاومة مدنية غير نظامية في الجزء الشمالي من مقاطعة بولتافا، حيث استولى عدد من المسلحين المدنيين في 18 مارس الماضي، على أكثر من 10 دبابات ومركبات أخرى، وطاردوا القوات الروسية المنسحبة.

وأشارت إلى أنه ورد أيضًا أن رجال حرب العصابات دمروا قافلة من الشاحنات الروسية بالقرب من خاركيف، كما ورد في 11 مارس، في أماكن أخرى، أن القرويين ساعدوا الشرطة الأوكرانية في اعتقال 29 جنديًا روسيًا.

وذكرت المجلة الأمريكية، أن المدنيين يلعبون دورًا مهمًا في مصادرة الأسلحة والمعدات والإمدادات من العدو وتسليمها إلى القوات الأوكرانية.

 

مقاومة سلمية

في 23 مارس المنصرم، نشرت هيئة الأركان العامة الأوكرانية مقطع فيديو لشاحنة إمداد استولي عليها في مكان غير معروف من قِبل ما بدا أنهم مدنيون أوكرانيون، وفي حادثة أخرى، استولت مجموعة من المدنيين على دبابة روسية من طراز T-80 مهجورة في حقل موحل، مبينة أن أحد المدنيين ظهر في الفيديو يكشف عن طريقة تعلمه قيادة  T-80 عبر "جوجل".

إضافة إلى ذلك -حسب المجلة- تحدث مقاومة سلمية على شكل مظاهرات ومسيرات كل يوم تقريبًا، في المدن التي تسيطر عليها روسيا، مثل خيرسون وميليتوبول وإنيرهودار، بينما ينشغل سكان كييف والمدن الأخرى غير المحتلة بدورهم، في إعداد زجاجات المولوتوف، في حال جاء الغزاة الروس في طريقهم.

 

الشيشان في الظلال

ورأت "فورين بولسي" أن التاريخ ينصف العمليات القتالية التي ينفذها مدنيون أمام أي قوات نظامية، مستشهدة في ذلك بما حدث مع القوات الروسية في الشيشان، مشددة على أن ما سمتها "الأعمال الانتقامية" يمكن أن تكون مروعة في بعض الأحيان.

وأوضحت أنه لمواجهة الغزو الروسي، شكلت (قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية)، وهي ميليشيا للمتطوعين، مُنظمة بإحكام وخاضعة لقيادة القوات المسلحة الأوكرانية.

 

الجواسيس

وأشارت إلى أن المدنيين الأوكرانيين بدأوا الاستعداد للحرب غير النظامية، في الأسابيع التي سبقت الغزو، لكن ورد أنه رفعت وحدات إضافية من قوات الدفاع الإقليمية، لزيادة القوة القتالية الأوكرانية مع استمرار الحرب.

وتشمل مهام هذه المليشيا المدنية -حسب المجلة- الدفاع عن البنية التحتية الحيوية، ودعم القوات المسلحة النظامية، ومكافحة المخربين والجواسيس، مشيرة إلى أنه خلال الفترة التي سبقت الحرب والأيام القليلة الأولى منها، سجل بالفعل نحو 100000 متطوع و 37000 من جنود الاحتياط ضمن هذه القوات.

 

الروس متسولون

ولإبراز أعمال هذه القوات، بينّت المجلة الأمريكية أن بعضهم ينشط كقناصة للدفاع عن ضواحي كييف، إذ تحدث كندي -انضم لقوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية- عن أحد الأنشطة التي شاركت فيها وحدته، قائلًا: "لقد نظمنا دوريات ليلية بعد اعتقال العديد من الجنود الروس الذين اختبأوا في الغابات على حدود العاصمة، عقب تفجير حاملة جنود مدرعة لهم الأسبوع الماضي"، مضيفًا: "بعد ثلاثة إلى أربعة أيام من الاختباء في الغابة، خرج الروس متسولين للحصول على الطعام والماء، فألقي القبض عليهم".

 

الهجمات الكيمياوية

وأكدت "فورين بولسي" أن قوات الدفاع الإقليمية منفصلة رسميًا عن حركة المقاومة أو حرب العصابات، التي قد لا تزال وليدة وفي طور التشكيل.

ورأت أن تفاصيل إنشاء هذه القوات (حرب العصابات أو المقاومة) مازالت غامضة، إلا أن العقيدة العسكرية الأوكرانية ترى أن قوات العمليات الخاصة في البلاد، التي تلقى أعضاؤها تدريبًا عاليًا في الحرب غير النظامية، تلعب "دورًا رائدًا في تنظيم حركة المقاومة وإعدادها ودعمها وإدارتها".

وأوضحت أن قوات العمليات الخاصة، أنشأت مركزًا افتراضيًا للمقاومة الوطنية، الذي يوفر تعليمات مفصلة عن حرب العصابات، بما في ذلك كيفية نصب الكمائن، والرد على الهجمات الكيماوية.

وأشارت إلى أن المقاتلين غير النظاميين تألفوا من جميع أنحاء العالم بأغلبية ساحقة من الفلاحين والقرويين الآخرين، الذين يعرفون التضاريس، ويمكنهم ممارسة تكتيكات الكر والفر، والحفاظ على مواجهة الغازي في مواقع غير متوقعة، مبينة أن ذلك سيكون مماثلاً في أوكرانيا، خصوصًا أن الروس أثبتوا أنهم غير قادرين على الاستيلاء على أي مدن أوكرانية كبرى حتى الآن، حيث يلعب رجال حرب العصابات في المناطق الحضرية دورًا مهمًا في صدهم وردعهم.

 

رجال الصيد

وذكرت المجلة الأمريكية أن الصيادين الأوكرانيين قد يشكلون عنصرًا كبيرًا بشكل خاص بين هذه المجموعات، لأن الصيد رياضة شائعة غربي وشمالي أوكرانيا، حيث تضاريس مزيج من الغابات والسهوب والجبال.

وكشفت أنه رغم امتلاك معظم المواطنين في أوكرانيا للسلاح، فإن أغلبية هذه الأسلحة مملوكة للريفيين، بينما توزع ما يقرب من 20000 بندقية على جنود الاحتياط في كييف، استعدادًا لهجوم محتمل على العاصمة، كما جرى توزيع الأسلحة في مناطق أخرى.

 

معادلة الربيع
وهكذا -تضيف المجلة الأمريكية- فإن معظم عناصر حرب العصابات الفعالة موجودة على الأرض، مشيرة إلى أنهم سيستفيدون بشكل أكبر من التضاريس بعد دخول الربيع، إذ ستوفر هذه التضاريس غطاءً أفضل للمقاتلين، ومن ثمّ سيكونون قادرين على التسلل بشكل منهجي إلى الأراضي التي تحتلها روسيا، خصوصًا في الشمال، إذ يتولى هؤلاء ضرب الجيش الروسي من الخلف، بينما تهاجم القوات الأوكرانية العادية من الجبهة.