الغاز بالروبل.. هل يجبر بويتن الغرب على كسر العقوبات المفروضة ضد بلاده؟

لماذا يريد بوتين أن يدفع الأوروبيون مقابل إمدادات الغاز بالروبل؟

 الغاز بالروبل.. هل يجبر بويتن الغرب على كسر العقوبات المفروضة ضد بلاده؟

ترجمات – السياق

وقَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، مرسومًا ينص على أن الدول التي تعد "غير صديقة" يجب أن تبدأ دفع تكاليف شحنات الغاز من أبريل بالروبل، عبر استخدام حساب بالروبل في "غازبروم بنك"، وإلا ستوقف موسكو الإمدادات عنها.

كان بوتين وقَّع أمرًا يوجه المشترين الأجانب لفتح حسابات خاصة في "غازبروم بنك"، الذي تسيطر عليه الدولة، يسمح لهم بتحويل العملات الأجنبية إلى الروبل في التسويات.

وأشارت "فايننشال تايمز" -في تقرير- إلى أن هذه الخطوة تعزز دور "غازبروم بنك" المحوري في تسليم الطاقة الحيوية لألمانيا وإيطاليا، وتحمي ثالث أكبر مصرف روسي من العقوبات الأقسى، في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأوروبي وحلفاؤه إلى عزل الصناعة المالية في البلاد.

كانت سبعة بنوك روسية استُبعدت من نظام سويفت للمدفوعات، لكن الغائبَين البارزين كانا "سبيربنك أوف روسيا" بعملائه الذين يصل عددهم إلى 100 مليون، و"غازبروم بنك" بعملائه الـ 5 ملايين.

 

لي ذراع الغرب

أوضحت "فايننشال تايمز" أن بوتين يسعى من هذا القرار إلى إجبار الغرب على انتهاك عقوباته ضد روسيا، من خلال الاضطرار إلى التعامل مع البنك المركزي ونظامه المصرفي، لكن لماذا تريد روسيا أن يُدفع لها بالروبل؟

وقالت الصحيفة البريطانية: من الناحية العملية، لا يحدث ذلك فرقًا يذكر لموسكو، مشيرة إلى أن مبيعات روسيا من الغاز إلى أوروبا، المقدرة بـ350 مليون دولار في اليوم، من قِبل مؤسسة آي سي آي إس الاستشارية للطاقة، تقوِّض بشدة تأثير العقوبات الغربية، أيًا كانت طريقة الشراء.

وأشارت الصحيفة، إلى أنه سواء دفع الغرب ثمن الغاز الروسي باليورو أم الروبل، فإن موسكو تكسب مخزونًا من العملات الأجنبية، وهو أمر مفيد لشراء الواردات أو دعم الروبل.

وذكرت أن بوتين يشترط إما أن تشتري الشركات الأوروبية الغاز مباشرة باليورو، وفي هذه الحالة تصر روسيا على أن تحويل جميع المصدرين 80 في المئة من الإيرادات إلى روبل، أو تحويل كل الأموال أولاً، على الأرجح عن طريق البنك المركزي الروسي، الذي يخضع لعقوبات.

 

تأثير سياسي

واعتبرت "فايننشال تايمز" أن تأثير هذا القرار سيكون (سياسيًا) فقط، ونقلت عن باس فان غيفن، كبير محللي الاقتصاد الكلي في مصرف رابوبانك، قوله: "في إظهار الدعم لأوكرانيا، صعّد الغرب عقوباته ضد روسيا، بينما في المقابل ستقبل روسيا قريبًا المدفوعات مقابل الغاز الطبيعي بالروبل فقط، الذي لا يمكن الحصول عليه إلا عن طريق البنك المركزي الروسي الخاضع للعقوبات".

وأوضح فان غيفن، أن هذا الأمر إما يجبر الغرب على التهرب من عقوباته الخاصة وإما يعلن -بشكل فعّال- نهاية إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا.

وتكشف هذه التحولات عن دور روسي أكبر، مضيفة: "فجأة، أصبح لدى موسكو نفوذ أكبر"، إذ نجحت باستغلال الثغرة في العقوبات المفروضة على البنك المركزي بسبب إعفاء إمدادات الطاقة، مشيرة إلى أن بوتين وصف هذه الخطوة -شراء الغاز بالروبل- بأنها "تُعزز" السيادة الروسية.

ونقلت "فايننشال تايمز" عن رون سميث، كبير محللي النفط والغاز في مجموعة "بي سي إس" المالية في موسكو، قوله: "هذا أمر سياسي وليس تجاريًا، ويبدو أنه مصمم لتحويل بعض الانزعاج من القيود المفروضة على البنك المركزي إلى الشركات الأوروبية ولتقويض تلك القيود جزئيًا".

 

تقويض الدولار واليورو

وتساءلت الصحيفة البريطانية: هل تقوِّض الدولار واليورو في التجارة العالمية؟، مشيرة إلى أن أحد الأسباب التي تجعل الدول -بما في ذلك روسيا- تمتلك مئات المليارات من الدولارات في بنكها المركزي أو احتياطات صناديق الثروة، أن الدولار العملة المعتمدة في التجارة والأسواق العالمية.

وأضافت: "في أزمة ما، عندما تحتاج الحكومات إلى دعم عملة ما أو سداد ديونها، من الضروري أن تحتفظ الدول -غالبًا في الأسواق الناشئة- بمخزون من الدولارات واليورو وحفنة من العملات العالمية الأخرى".

لكن -حسب ما نشرته "فايننشال تايمز"- فإن مؤسسة غولدمان ساكس للخدمات المالية أعلنت أنه إذا أصبح المستثمرون الأجانب أكثر ترددًا في تحمل الالتزامات الأمريكية، على سبيل المثال، بسبب التغيرات الهيكلية في تجارة السلع الأساسية العالمية، فقد تكون النتيجة انخفاض قيمة الدولار و/أو ارتفاع معدلات الفائدة، لمنع أو إبطاء انخفاض قيمة الدولار.

وبينّت الصحيفة أن الأمر نفسه ينطبق على منطقة اليورو، مشيرة إلى أن روسيا تحرص على مواجهة العقوبات الغربية، التي وضعتها خارج نظام الدولار واليورو الماليين.

وتعليقًا على ذلك، أوضحت غولدمان "ساكس" أن زيادة تكرار استخدام العقوبات المالية من قِبل الولايات المتحدة -كأداة للسياسة الخارجية- يولد حافزًا عند بعض الدول للتنويع بعيدًا عن الاعتماد المفرط على التجارة المقومة بالدولار.

 

الانتقال للروبل

وعن الكيفية التي يمكن بها الانتقال إلى الشراء بالروبل، قالت "فايننشال تايمز": بوتين منح البنك المركزي الروسي وسلطات الجمارك والحكومة 10 أيام لتنفيذ النظام الجديد، مشيرة إلى أنه ينظر أيضًا في تبديل مماثل بالمدفوعات لسلع أخرى، مثل النفط والمعادن والأسمدة.

ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم: أوروبا تتمتع بأمان في الدفع باليورو لشهر آخر، لأن مدفوعات معظم عمليات التسليم في أبريل لن تكون مستحقة حتى مايو.

أما عن شروط عقود التوريد والعملاء، فأوضحت الصحيفة أن دول الاتحاد الأوروبي ستحاول مقاومة قرارات بوتين الجديدة، مشيرة إلى أن المستشار الألماني أولاف شولتز قال: "عقود التسليم، التي تحرر فواتيرها في الغالب باليورو والدولار، ستبقى على هذا النحو".

وعن تمسك بوتين بقراره، نقلت "فايننشال تايمز" عن محللين قولهم: يحق لشركة غازبروم، إعادة التفاوض على شروط العقود كل ثلاث سنوات، لكن فرض عملة جديدة على العقود الحالية أمر مثير للجدل، ومن ثمّ فإنه إذا لم يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق، فإن القضية تذهب إلى محكمة التحكيم في ستوكهولم.

ونتيجة لذلك -حسب الصحيفة- فإن الأوربيين يستعدون لانقطاع إمدادات الغاز الروسي، إذ حذرت ألمانيا صناعتها من أنها قد تضطر إلى تقنين إمدادات الكهرباء.

وذكرت أنه من الناحية النظرية، يمكن لموسكو وقف الإمدادات عن أوروبا على الفور من دون صعوبة تشغيلية كبيرة، مشيرة إلى أنه كان بإمكان موسكو إعادة توجيه كمية محدودة من الغاز إلى أماكن أخرى مثل آسيا الوسطى أو تركيا، إلا أنه من المحتمل أن تخزن روسيا بعض الإنتاج.