لماذا لن تنهي محادثات السلام الروسية الأوكرانية حرب بوتين؟
من الواضح أن هدف روسيا تدمير الفكر القومي الأوكراني

ترجمات-السياق
قالت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية: رغم الترحيب واسع النطاق بمحادثات هذا الأسبوع، التي أجريت في اسطنبول، باعتبارها الجولة الأكثر إنتاجية من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، منذ بدء الغزو الروسي في 24 فبراير الماضي، فإن هذه المحادثات لن تنهي حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأضافت المجلة -في تقرير- أن وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو وصف المحادثات بأنها "تمثل التقدم الأكثر أهمية منذ بدء المفاوضات"، كما وصف كبير مفاوضي روسيا، فلاديمير ميدينسكي، المحادثات الأخيرة بأنها كانت "جوهرية"، وأشار بحذر إلى أن مقترحات أوكرانيا تتضمن التخلي عن خطط إعادة شبه جزيرة القرم بالقوة، قائلًا إن موسكو أرسلت رسائل فسرها البعض بأنها إشارة إلى أن المفاوضات تسير أخيراً في اتجاه ملائم، بعد شهر من الجمود.
شكوك واشنطن
رغم ذلك فإن تعهد موسكو بتقليص العمليات "بشكل جذري" في كييف وشمالي شرق أوكرانيا، أثار شكوكاً في واشنطن، كما ثبت على الفور أن هؤلاء المتشككين كانوا على حق، إذ إنه خلال أربع وعشرين ساعة من مفاوضات اسطنبول، استأنفت القوات الروسية الضربات الجوية والقصف على كييف وتشيرنيهيف.
وقال رئيس بلدية تشيرنيهيف فلاديسلاف أتروشينكو لشبكة "سي إن إن" في أعقاب ما وصفه بـ"الهجوم الهائل": "يقولون إنهم خفضوا كثافة الضربات، لكنهم في الواقع زادوا شدتها".
من جانبها، حذرت المخابرات العسكرية البريطانية، من أن أغلبية القوات الروسية، التي كانت بالقرب من كييف لا تزال في مكانها، مضيفة أنه "من المرجح أن يكون هناك قتال عنيف بضواحي المدينة في الأيام المقبلة".
خدعة روسية
وفقاً للمجلة، من غير الواضح ما الذي دفع وزارة الدفاع الروسية إلى هذا الوعد، ثم التراجع عنه بشكل مفاجئ.
ويقول المحلل العسكري الروسي بافيل لوزين إن الوعد بخفض التصعيد، يمكن أن يكون مجرد خدعة، بينما تعيد القوات الروسية تجميع صفوفها، لشن هجوم جديد شمالي أوكرانيا.
وأضاف لوزين: "لماذا أدلى الجيش الروسي بهذه التصريحات؟ فقد كان بإمكانه نقل بعض الوحدات إلى بيلاروسيا لتجديد مواردها وإعادة تنظيمها، وهو ما يبدو أنه يفعله، من دون الإدلاء بتصريحات عن التقدم في محادثات السلام".
ورأت المجلة أن الإعلان الروسي عن وقف التصعيد، قد يكون أحدث مثال على الاختلاف بين النخب الروسية بشأن الرغبة في التوصل إلى تسوية تفاوضية.
ونقلت "ناشونال إنترست" عن الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، الذي لعبت قواته دوراً رئيساً في محاصرة مركز ميناء ماريوبول جنوبي شرق أوكرانيا، انتقاده لكبير المفاوضين الروس ميدينسكي قائلاً: "لن نقدم أي تنازلات، وميدينسكي ارتكب خطأ حينما استخدم صياغة غير صحيحة، فإذا كنتم تعتقدون أن بوتين سيترك ما بدأه، بالطريقة التي تحدث بها إلينا ميدينسكي اليوم، فهذا ليس صحيحاً".
الععقوبات الغربية
وذكرت المجلة أن: "هناك اعتقادًا بين السياسيين والمعلقين الروس، يؤكده خطاب بعض القادة الغربيين، بأن العقوبات الغربية التي فُرضت في أعقاب 24 فبراير لن يتم رفعها، بصرف النظر عن سرعة التوصل إلى اتفاق سلام وحجم الأراضي الأوكرانية التي ستتركها روسيا على حالها، لذلك، لا يوجد حافز ملموس للكرملين لوقف الحرب، فبالنظر للتكلفة الباهظة للعقوبات، لن يكون هناك سبب لعدم الاستمرار حتى تحقيق أهداف المعركة الخاصة بروسيا".
وأوضحت "ناشيونال إنترست" أنه يمكن أن يكون هناك عامل أهم يلعب دوراً أعمق في الأمر، قائلة إنه ربما يكون المقصود من إعلان وقف التصعيد من قِبل الكرملين، استخدامه كبالون اختبار لقياس الاستقبال العام للتسوية التي تحقق السلام بسرعة، وإن كان ذلك على حساب أهداف الحرب لروسيا، التي تتمثل بتغيير النظام في كييف، وتدهور جذري طويل الأمد في القدرات العسكرية الأوكرانية، وتقسيم البلاد من خلال مناطق متحالفة بالوكالة مع روسيا أو ضمها.
ويبدو أن الكرملين تلقى رداً لا لبس فيه، حيث لم يستقبل الجمهور الروسي أنباء التسوية المحتملة، وما ورد عن خفض التصعيد العسكري في أجزاء من أوكرانيا بالبهجة، لكن بالارتباك والغضب على نطاق واسع، لأن موسكو نجحت في حشد السكان الروس لهذه الحرب، إذ تُظهر استطلاعات الرأي أن الدعم الشعبي للعمل العسكري الروسي في أوكرانيا ارتفع منذ 24 فبراير ويتأرجح عند 75%، كما أنه لا يزال 60% من الروس يعتقدون أن الحكومة تتخذ إجراءات فعَّالة، لتخفيف آثار العقوبات على الاقتصاد.
وتابعت: "نجح بوتين في حشد الدعم الشعبي للحرب، حيث يقول منظمو استطلاعات الرأي إن الروس غير مهيئين لأي تنازلات كبيرة مع الحكومة الأوكرانية، فما التسوية التي يمكن أن تحدث في الوقت الذي تصر فيه وسائل الإعلام الروسية على تأطير هذا الصراع على أنه حرب من أجل وجود الشعب الروسي، ضد الطغمة العسكرية الفاشية التي ترتكب الإبادة الجماعية؟ وكيف يمكن لبوتين الدخول في مفاوضات بنية حسنة، ناهيك عن توقيع معاهدة سلام بشروط متساوية، مع الحكومة الأوكرانية نفسها التي ندد بها كـ(عصابة من مدمني المخدرات والنازيين الجدد؟) حسب وصفه".
تكلفة سياسية
رأت المجلة أن الكرملين سيتكبد تكلفة سياسية باهظة في حال قبول أي شيء أقل من استسلام حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
صحيح أن محادثات السلام ستستمر، وهو ما يرجع إلى أنه يتعين على موسكو توصيل رسالة إلى الصين والدول المحايدة الأخرى، بأنها تتخذ خطوات دبلوماسية لحل النزاع، لكن من غير المرجح أن تثمر أي شيء، في ظل الوضع غير الحاسم على الأرض، فقد أصبح من الواضح أن هدف روسيا لن يقل عن تدمير الفكر القومي الأوكراني، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا في ساحة المعركة وليس على طاولة المفاوضات، حسب المجلة.