هل تهيمن الطاقة المتجددة على منافسة القوى العظمى؟
دخل قرار الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع وأستراليا حظر استيراد النفط الروسي المنقول بحرًا بأكثر من 60 دولارًا للبرميل حيز التنفيذ، بينما العالم بانتظار آثار هذه الخطوة.

ترجمات - السياق
تساءلت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، عن إمكانية هيمنة الطاقة المتجددة على منافسة القوى العظمى، مشيرة إلى أنه سواء مكَّن تناول دور الطاقة البلدان، من التعاون في إيجاد مصادر الطاقة البديلة، أم كانت الطاقة ستشكل قضايا الأمن القومي المستقبلية، فإن ذلك سيكون وثيق الصلة بالسياسات اليومية.
وأشارت إلى أنه في الوقت الذي تستعد فيه أوروبا "لشتاء قاسٍ وبارد" ، بدأ سكانها متأخرين يدركون أنهم يعتمدون بشدة على الغاز الروسي.
ودخل قرار الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع وأستراليا حظر استيراد النفط الروسي المنقول بحرًا بأكثر من 60 دولارًا للبرميل حيز التنفيذ، بينما العالم بانتظار آثار هذه الخطوة.
وتُعد روسيا مورد النفط الرئيس إلى أوروبا، حيث غطت قرابة 20% من احتياجات القارة من الخام.
ولكن الدول الغربية بدأت تشديد عقوباتها، ردًا على العملية الروسية في أوكرانيا، وكان الغرض منها، محاولة الحد من إيرادات موسكو من صادرات النفط.
اضطرابات اجتماعية
ووفقًا لـ "غولدمان ساكس" -وهي مؤسسة خدمات مالية واستثمارية أمريكية متعددة الجنسيات- قد تنفق الأسر الأوروبية ما يصل إلى 500 يورو شهريًا عام 2023 على فواتير الطاقة، بينما قد لا يتمكن العديد من العائلات من تحمل أسعار الغاز الباهظة هذه، ما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.
وهنا تتساءل "ناشيونال إنترست": "ماذا لو كانت هناك طريقة لتخفيف أسعار الطاقة الباهظة هذه؟ وكيف يؤثر ظهور الطاقة البديلة في العلاقة بين الدول على المستوى العالمي؟ وهل تجد الطاقة الخضراء نفسها معتمدة بالمثل على جهات أجنبية معادية؟".
وتجيب بأنه "منذ أيام مطاردة الإمبراطورية البريطانية للنفط في بلاد فارس، وهرع الزعيم النازي أدولف هتلر إلى حقول النفط في باكو عام 1942، وارتفاع أسعار الطاقة بعد حظر النفط العربي عام 1974، ليس سرًا أن الطاقة مسألة أمن قومي".
وتتساءل المجلة: ما دور الطاقة البديلة بالأمن القومي في السنوات المقبلة؟
وأشارت إلى أن الدكتور ألكسندر ميرتشيف، نائب رئيس المجلس الأطلسي للولايات المتحدة، عضو اللجان التنفيذية والاستراتيجية والمجلس الاستشاري لمركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن، قدَّم رؤيته لكيفية تأثير الطاقة البديلة في النظام الدولي، والاتجاه الكبير البديل في منافسة عصر القوة.
ويرى ميرتشيف في كتابه "الديباجة... الطاقة البديلة في عصر منافسة القوة العظمى" أن مصادر الطاقة المتجددة ستغير الطريقة التي ينظر بها العالم إلى الطاقة والجغرافيا الاقتصادية والأمن الدولي.
كان البروفيسور ألكسندر ميرتشيف، الأستاذ بجامعة جورج ميسون، يبحث هذه القضايا المتعلقة بسياسات الطاقة منذ سنوات، وقال في كتابه: إن الطاقة المتجددة ستصبح ساحة معركة تجارية، ما يؤدي إلى تحويل الولاءات بين البلدان.
يذكر أن ميرتشيف، خبير مشهور في شؤون الطاقة، وقد كتب عنها على نطاق واسع، وظهر في العديد من البرامج التلفزيونية لمناقشة القضايا ذات الصلة بالطاقة العالمية.
ونُشر كتابه "الديباجة" باللغة الإنجليزية، مؤخرًا، باللغات الألمانية والروسية والإسبانية، قبل ترجمته إلى اللغة الصينية، لأهميته الشديدة في توضيح مدى اللجوء إلى الطاقة المتجددة مستقبلًا، لدرجة أنه الأمر قد يصل إلى الصراع بين القوى العظمى.
وحسب المجلة الأمريكية، ينقسم الكتاب إلى أربعة أجزاء، الأول يقدم الطاقة البديلة كاتجاه اجتماعي وسياسي وتكنولوجي واقتصادي وأيديولوجي.
وفي هذا الجزء، يرى ميرتشيف أن الطاقة المتجددة ترتبط بارتفاع الطلب العالمي على الطاقة والنمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، خصوصًا بعد أن دفعت الضغوط الأخلاقية والمجتمعية، من قِبل الجماعات البيئية، إلى ضرورة استخدام الطاقة بدلاً من الوقود الأحفوري حفاظًا على البيئة.
وأشارت المجلة إلى أن هذه الاتجاهات أدت -في النهاية- إلى تزايد المخاوف بشأن أمن الطاقة وأصبحت قضية بارزة لزعماء العالم.
منافسة دولية
في القسم الثاني من كتاب الديباجة -حسب "ناشيونال إنترست"- يبحث ميرتشيف المنافسات القديمة والجديدة بين القوى العظمى، وكيفية ارتباطها بالطاقة البديلة.
ويبين أنه بينما في الوقت الحالي، يتحكم أعضاء أوبك بلس في سوق الطاقة العالمي، فإن السعي وراء الطاقة المتجددة، من قِبل الدول والشركات، من شأنه أن يضعف هذه السيطرة، ويعزز قوة الجهات الفاعلة، سواء الغربية أم الصين، الذين يمكنهم تحمل تكلفة تنفيذ البنية التحتية للطاقة البديلة.
وأشار ميرتشيف إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى انقسام جديد بين شمال العالم وجنوبه، حيث يكافح الأخير لتنفيذ الخيارات الخضراء نظرًا لتكلفتها.
كما أنه سيغير ميزان القوى في سوق الطاقة، حيث إن الدول الغربية في وضع أفضل لتحول الطاقة هذا، وأقل عُرضة للتوقف الفوري، بينما لا يمتلك الجنوب العالمي الموارد المالية، ولا البنية التحتية ولا التكنولوجيا، لمتابعة الخيارات الخضراء في هذا الوقت -على الأقل ليس بالصرامة والالتزام السياسي نفسيهما مثل الغرب- وهذا يمكن أن يتركهم أكثر تخلفًا في جهودهم التنموية.
بينما يتناول الجزء الثالث من الكتاب -حسب "ناشيونال إنترست"- كيف تغير الطاقة البديلة وجهات نظر العالم في الدفاع والأمن البيئي والاقتصادي.
وأشار الكاتب إلى أنه في حين أن هناك العديد من الفوائد الاقتصادية والبيئية لمتابعة خيارات الطاقة البديلة، يمكن أن يصبح هذا التحول التكنولوجي أيضًا أداة منافسة قوية.
فعلى سبيل المثال -وفق الكاتب- في حين أن الدول الغربية قد تنظر إلى الطاقة البديلة كفرصة لمتابعة الخيارات الخضراء، وتحسين البيئة، وتقوية اقتصاداتها، فإن أعضاء أوبك بلس سينظرون إلى التخلي عن الوقود الأحفوري، كتهديد مباشر لمصالحهم الاقتصادية، لأنه سيقلل ثرواتهم ومكانتهم العالمية.
المسار الأمني
أخيرًا، في القسم الرابع، يفحص ميرتشيف المسار الأمني المستقبلي للطاقة البديلة، مشيرًا إلى أنه بينما يسعى العديد من الدول الغربية إلى استخدام الطاقة البديلة، قد لا يكون مستقبلها مضمونًا.
على سبيل المثال -حسب الكاتب- يشير انقطاع إمدادات الغاز إلى أوروبا، إلى أن تطوير حلول جديدة للوقود الأحفوري، قد يصبح أكثر شيوعًا من الاستثمار في الطاقة المتجددة.
وفي ذلك، يرى ميرتشيف أن دولًا مثل الولايات المتحدة بحاجة إلى منح الأولوية للمخاوف الأمنية من حيث صلتها بالطاقة، إلا أنه خلاف ذلك -إذا تم التغاضي عن هذه المجالات- قد يؤدي إلى منافسة مستقبلية في سوق الطاقة.
كما يعتقد أن الطاقة البديلة حافز للتغيير العالمي، مع تداعيات هائلة على الأمن القومي لروسيا (والأمن القومي لكل دولة أخرى).
ويقول ميرتشيف في كتابه: "الطاقة قوة ناعمة، لكننا نرى أنها قوة صلبة أيضًا، كما كانت، على سبيل المثال في الحرب العالمية الثانية، عندما كانت اليابان وألمانيا في وضع غير موات بسبب ندرة النفط، وكما نرى الآن تأثير روسيا لإمدادات الغاز في سياسة أوروبا بحرب أوكرانيا ".
ويضيف: "الغرب لن ينقل أحدث خطوط إنتاج التكنولوجيا الخضراء، مثل تخزين البطاريات، إلى الدول الآسيوية للتصنيع"، مشيرًا إلى أن الصين استحوذت على الطاقة الشمسية، من خلال سرقة بروتوكول الإنترنت، والاستعانة بمصادر خارجية من قِبل الشركات الغربية"، مضيفًا: "لقد حاصروا سوق الطاقة الشمسية في وقت تريد فيه الولايات المتحدة أن تصبح أكثر اعتمادًا على الطاقة الشمسية للكهرباء".
وحسب المجلة الأمريكية، فقد أدت تحليلات ميرتشيف إلى إعادة الخبراء والقادة الدوليين النظر في دور الطاقة وكيفية ارتباطها بالمعايير الدولية.
وفي ذلك، كتب هنري كيسنغر، وزير الخارجية الأمريكي السابق، مستشار الأمن القومي، على غلاف كتاب ميرتشيف: "استكشاف ميرتشيف الشامل لمشهد الطاقة المتغير، سيحدد القضايا التي ستشغل العلماء وصُناع السياسات لعقود مقبلة".
كما علقت شخصيات بارزة أخرى على هذا الكتاب، إذ قال لورد تروسكوت، وزير الطاقة البريطاني السابق، إن التطور المتسارع للطاقة البديلة، يعد ظاهرة جيوسياسية مغيرة لأصول اللعبة.
وأضاف: "عمل ميرتشيف يعد دراسة مثيرة للإعجاب وشاملة للتأثيرات الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية والبيئية لاتجاه الطاقة البديلة".
بينما قال القاضي ويليام سيشنز، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي: رغم أن كتاب الديباجة يبدو معقدًا، فإنه مكتوب بطريقة تسهل على القارئ متابعة مناقشة الطاقة البديلة.
وأضاف: "كتاب ميرتشيف دراسة مذهلة نجحت في اختراق تعقيدات تطوير واستراتيجيات الطاقة البديلة الحالية".
وترى "ناشيونال إنترست" أن كتاب الديباجة، يساعد ميرتشيف من خلاله في تعريف القراء بالطاقة البديلة، وكيف تشكل العلاقات العالمية في المستقبل.
وأشارت إلى أن ما قدَّمه ميرتشيف، سواء كانت معالجة دور سياسة الطاقة وكيف يمكن للدول أن تتعاون في أساليب الطاقة البديلة، أم أن الطاقة ستشكل قضايا الأمن القومي المستقبلية، فإن ذلك سيكون وثيق الصلة بالسياسات اليومية.
ونوهت إلى أن الوقود الأحفوري والطاقة البديلة سيظلان يتنافسان ما استمرت الحياة، بينما يحاول السياسيون وصانعو السياسات والممارسون فهم دورهم في شؤون الاقتصاد والأمن القومي.
وفي ذلك، يقوم كتاب "الديباجة" بعمل رائع، في شرح نوع التأثير الذي سيحدثه الوقود الأحفوري والطاقة البديلة، في عصر منافسة القوى العظمى.