حرب الرقائق تشتعل بين الصين وأمريكا... بكين تبتكر حلولًا وواشنطن تبدأ التصعيد

فايننشال تايمز: الصين تجنِّد علي بابا وتنسنت لمجابهة عقوبات الرقائق الأمريكية

حرب الرقائق تشتعل بين الصين وأمريكا... بكين تبتكر حلولًا وواشنطن تبدأ التصعيد

ترجمات - السياق

«تصنيع أشباه الموصلات مسألة أمن قومي، لاسيما في مواجهة الطموحات الصينية»... تصريحات للرئيس الأمريكي جو بايدن خلال افتتاح موقع مصنع لأشباه الموصلات في 11 سبتمبر 2022، كشف الصراع بين واشنطن وبكين على هذا العنصر المهم والحيوي.

وبينما تحاول أمريكا مجابهة طموحات الصين على جبهتين، ترتكز الأولى على العقوبات الإضافية، والأخرى على إعادة صناعة الرقائق الإلكترونية، جندت بكين شركتي التكنولوجيا العملاقتين «علي بابا» و«تنسنت» لدعم جهودها من أجل تصميم رقائق أشباه موصلات خاصة بها، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

وقالت الصحيفة، إن الحكومة الصينية أسست تحالفًا يضم شركات ومعاهد بحوث، بينها الأكاديمية الصينية للعلوم لإنشاء رقائق جديدة، يكون حق الملكية الفكرية حصرًا لها، مشيرة إلى أن بكين ترغب في تقليص اعتمادها على «أرم» المملوكة لـ«سوفتبنك» التي تدعم تكنولوجيتها معظم أشباه الموصلات في العالم.

وبينما يستخدم التحالف الصيني رقائق مفتوحة المصدر تحت مسمى ريسك فايف، وهي بنية مجموعة تعليمات مفتوحة المصدر أنشأتها عام 2010 جامعة كاليفورنيا في بيركل، ظهرت الأخيرة كمنافس لـ«أرم»، خلال الأعوام القليلة المنصرمة.

والشفرة مفتوحة المصدر يمكن إنتاجها والاستفادة منها وتعزيزها بواسطة الجميع، بحسب «فايننشال تايمز»، التي قالت إن اهتمام بكين بـ«ريسك فايف» تنامى، في الوقت الذي تضاعف فيه واشنطن ضغطها على قطاع التكنولوجيا الصيني، بتقليل استفادتها من آليات الرقائق المتطورة ومكوناتها.

وتقول «فايننشال تايمز»، إن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا على حلفائها، بينهم هولندا واليابان، لحرمان شركات التكنولوجيا الصينية من سلاسل التوريد، على غرار ما فعلت مع شركة هواوي الصينية عام 2019، ما أدى لاتخاذ بكين خطوات لمجابهة المزيد من الاضطرابات في سلسلة توريد أشباه الموصلات.

 

سياسة جديدة

وينظر إلى شركة «أرم»، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها، ولديها أنشطة ملحوظة في الولايات المتحدة، على أنها عرضة لأي تصعيد للعقوبات الأمريكية التي تستهدف بكين، حيث إنها تزود شركات التكنولوجيا الصينية بتصميماتها، بحسب فايننشال تايمز.

وعن سياسة الصين الجديدة، قال مسؤول صيني إن الجهود التي تقودها بلاده، لحشد مواردها لصالح تصميم الرقائق المعتمد على «ريسك فايف» ستضعها «على الطريق الصحيح»، مشيرًا إلى أن الطبيعة المتشرذمة لعملية تطوير «ريسك فايف»، في ظل اعتماد مئات الشركات على استخدام البنية البرمجية مفتوحة المصدر، ما يبطئ وتيرة العثور على بديل لتصميمات «أرم».

إلا أنه قال: «في ظل ضوابط الصادرات الأمريكية، فإن الصين في حاجة إلى أن تستعد للأسوأ»

وتقول «فايننشال تايمز»، إن التحالف الذي تدعمه الحكومة الصينية تحت مسمى «معهد بحوث بكين للرقائق مفتوحة المصدر»، استطاع تطوير رقاقة حاسوبية عالية الجودة، أطلق عليها «شيانغشان»، لمنافسة رقائق  «آي بي» التابعة لشركة «أرم»، لتعزيز السوق الصينية في هذا الصدد.

 

متى انطلقت الفكرة؟

وبحسب «فايننشال تايمز»، فإن الفكرة وراء «ريسك فايف» انطلقت شرارتها من خلال برمجيات مفتوحة، أحدثت ثورة في العالم الرقمي، مشيرة إلى أن أن المؤسسة نقلت مقرها من الولايات المتحدة إلى سويسرا عام 2019 لترسيخ وضعها الجغرافي المحايد في قطاع الرقائق، في الوقت الذي بدأت فيه البنية المفتوحة تحقيق الجذب خارج نطاق الدوائر الأكاديمية.

ووفقًا لموظفين تحدثوا إلى الصحيفة البريطانية، فإنه قبل أن تكثف بكين ضغطها للجمع بين الموارد، أسست عملاقتا التكنولوجيا في الصين «على بابا» و«بايت دانس» فرقًا لاستخدام بنية «ريسك فايف» لتطوير رقائق رفيعة الأداء من أجل دعم خوارزميات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات.

ونقلت "فاينانشيال تايمز" عن مهندس بارز في شركة «تي هيد» التابعة لعلي بابا قوله: «هدفنا استبدال رقائق أرم الحالية في أكثر منتجاتنا تطورًا».

بينما قال مسؤول تنفيذي إن تحقيق هذا الهدف أمامه سنوات، لأن «تي هيد» ينبغي أن تتعامل مع تمويل محدود، نتيجة لانخفاض الأرباح في الشركة الأم.

الأمر نفسه أشارت إليه «بايت دانس» التي قالت إن جهودها لا تزال في مراحلها الأولى، بينما ذكرت «علي بابا» أن إمكاناتها في التطوير كانت تتركز على الإنترنت.

 

متى لفتت «ريسك فايف» الانتباه؟

«ريسك فايف» لفتت انتباه الغرب منذ عام 2020 عندما أدت صفقة مقترحة -تعثرت في ما بعد- ببيع «أرم» إلى شركة صناعة الرقائق الأمريكية «إن فيديا» بـ 66 مليار دولار، ما أدى إلى موجات من الصدمة في قطاع أشباه الموصلات، ودفع العديد من الشركات إلى النظر بجدية أكبر إلى بدائل «أرم».

كانت عملاقة الرقائق الأمريكية «أنتيل» ضخت استثمارًا بمليار دولار في سياق تمويل «ريسك فايف»، قائلة إن مكاسبها سوف تكون قادرة على تصنيع رقائق تستند إلى بنيات الرقائق الرئيسة الثلاثة "أرم" و"إكس 86" التابع لإنتل و"ريسك فايف".

 

تهديد حقيقي

في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز"، أقر رين هاس الرئيس التنفيذي لشركة "أرم" بأن "ريسك فايف" تمثل تهديدًا حقيقيًا لنا"، مضيفًا أن "أرم" لديها ميزة مهمة لأنها تقدم برمجيتها مع تصميماتها، إضافة إلى أن لديها مجتمعًا يتألف من 50 مليون مطور، ما يزيد صعوبة سحب البساط من تحت قدميها.

وتتنبأ مؤسسة "سيميكو ريسيرش" البحثية بأن نحو 62.4 مليون رقاقة تعتمد على "ريسك فايف" سوف تشحن بحلول عام 2024، بينما قدرت أن "ريسك فايف" ستستأثر بـ 80 مليون دولار من إجمالي 2.2 مليار دولار عام 2020 حصيلة سوق "آي بي" لأنوية وحدات معالجة الكمبيوتر.

إلا أنها مع ذلك، تتوقع "أرم" زيادة هذا الرقم إلى 687 مليون دولار بحلول عام 2027 ونمو حصتها في السوق العالمية من 1% إلى 16%.

وبدأت "ريسك فايف" كخيار تتم تجربته بدافع الفضول بجانب رقائق "أرم" الرئيسة، قبل أن تتحول إلى بديل ثم إلى منافس الآن" وفقًا لريتشارد واورزنياك" المحلل في "سيميكو ريسيرش".

وفي علامة إضافية على الاهتمام المتزايد، نقلت "أبل" بعض أنويتها المدمجة التي تشغل تكنولوجيات شهيرة تتضمن "واي فاي" و"بلوتوث" والتحكم في التاتش باد" من المعالج "أرم" إلى "ريسك فايف" وفقًا لمصدرين مطلعين.

وعلاوة على ذلك، نشرت «أبل» عددًا من الوظائف خلال الأشهر الأخيرة، تطلب خلالها مهندسين من أصحاب الدراية بتكنولوجيا "ريسك فايف".

وتملك الشركات المهتمة بتطوير تصميمات "ريسك فايف" خيارين: أولهما بناء فريق داخلي باستخدام بنية مفتوحة المصدر، والآخر الحصول على رخصة من إحدى الشركات التي تبيع تصميمات رقائق تعتمد على "ريسك فايف"، وتتضمن "ساي فايف" التي يقع مقرها بالولايات المتحدة و"جوداسيب" التي تتخذ من أوروبا مقرًا لها، و"أنديز تكنولوجي" في تايوان.

 

تطور جيد ولكن

يشار إلى أن "تي-هيد" و"شيانغشان" و"بايتدانس" تطور رقائق "ريسك فايف" بالداخل، بينما لم يتم -حتى الآن- تطويع "ريسك فايف" لتأدية مهام بسيطة، في سياق أجزاء مخفية تعرف باسم "العمليات" المدمجة.

إلا أنها بدأت مؤخرًا اكتساب زخم في أسواق قليلة، حيث تستخدم كرقائق تعزز أداء جهاز ما أو تستطيع تمكين الذكاء، بما في ذلك معالجات خادم مركز البيانات ورقائق الذكاء الاصطناعي.

وفي سبتمبر الماضي، قال كرست أسانوفيتش، المؤسس المشارك لـ "ساي فايف"، إن: "ريسك فايف بلا حدود. مهما كانت الأفكار المسبقة بشأنها، فإنكم مخطئون، وسوف تنتشر في كل مكان وتفعل أي شيء".

من جانبه، قال رون بلاك، الرئيس التنفيذي لـ "كوداسيب" إن شركته جمعت الأموال لتصميم معالجات متطورة "لأن العديد من عملائها يخبروننا بأنهم في حاجة إلى بديل لأرم".

وقالت شركة "إنتل": "ريسك فايف اجتذبت زخمًا في الأسواق المدمجة"، متوقعة تحقيق نجاحات في مجال تطبيقات إنترنت الأشياء والسيارات والهواتف الجوالة ومراكز المعلومات خلال 3-5 أعوام من الآن.

وقالت صانعة الرقائق الأمريكية إن البنية مفتوحة المصدر "لا تزال تحبو وتحتاج إلى دعم للمزيد من الابتكارات والتكيف مع السوق".

إلا أنه مع ذلك، فإن العديد من كبار "زبائن" أرم غير مقتنعين بإمكانات "ريسك فايف"، بينما قال كريستيانو أمون، الرئيس التتفيذي لشركة كوالكوم إن شركته بدأت العمل على تصميمات "ريسك فايف" بسبب معالجاتها المدمجة منخفضة الطاقة، واصفًا ذلك بـ "الخطوة الدفاعية".

واستدرك أن البنية المفتوحة لا تزال تفتقد التطور الكافي لاستخدامها في وظائف مرتفعة الأداء.

وفي الصين، ثمة حوافز أقوى لاستخدام "ريسك فايف"، بينما يقول مهندس بشركة تنسنت، يعمل في مشروع شيانغشان: "لا تدري متى تأتي الجولة المقبلة من القيود الأمريكية. استخدام بنية أرم مخاطرة كبيرة في الوقت الحالي، الأمر يبدو أشبه بفضح أكبر نقاط ضعفك للعدو".