من الخلافة المكانية إلى الإلكترونية... ما سر تحول داعش إلى مواقع المواعدة؟

قال الباحث في شؤون الجماعات الأصولية والإرهابية أحمد سلطان، في تصريحات لـ-السياق-، إن اتجاه داعش إلى برامج المواعدة والتعارف على الإنترنت، يعد تطورًا غير تقليدي.

من الخلافة المكانية إلى الإلكترونية... ما سر تحول داعش إلى مواقع المواعدة؟

السياق

على وقع الضربات المتلاحقة لـ«داعش»، التي أفقدته ملاذه الآمن على الأرض، وأطاحت رؤوس أربعة من زعمائه في أشهر قليلة، اتجه التنظيم «الإرهابي» إلى الفضاء الإلكتروني الذي حقق فيه نجاحات متتالية.

ذلك الفضاء الإلكتروني، هرع إليه تنظيم داعش الإرهابي، لتعويض خسائره عبر تجنيد أتباع جدد، واستقطاب ممولين، لضمان استمراره، بعد ملاحقات قياداته والتضييق الأمني على الأموال التي كانت تُحول إليه.

إلا أن اتجاه تنظيم داعش إلى الفضاء الإلكتروني، لم يكن عبر المواقع التقليدية، التي شهدت ظهوره الأول مثل «تويتر» و«فيسبوك»، بل اتجه إلى تطبيقات «المواعدة»، للاحتيال على روادها من الشباب والفتيات، واستغلالهم للحصول على أموالٍ كمصدرٍ لتمويل أنشطة التنظيم الإرهابية.

فمن جنوب إفريقيا انطلقت خطة «داعش» لاستغلال تطبيقات المواعدة، للاحتيال على المشتركين بالتطبيق، حتى إن إحدى ضحاياه ساعدت في التخطيط لهجوم على مركز تجاري في نيروبي عام 2013، الذي راح ضحيته 67 شخصًا.

ولم يكن لجوء «داعش»، إلى تلك الاستراتيجية نابعًا من الملاحقات الأمنية فحسب، بل إنه لم يعد قادرًا على مواجهة من يستقطبهم عبر الحوار، بعد اكتشاف تناقضاته وخلله الفكري والمنهجي، فاضطر إلى تأدية أدوار شخصيات مزيفة للإيقاع بهم وتحقيق مآربه الإرهابية.

 

استغلال الثغرات

إلى ذلك، قال المختص في شؤون الجماعات الإرهابية عبدالمهدي مطاوع، إن استخدام «داعش» للإنترنت ليس بالجديد، فهو يعد أول التنظيمات التي لجأت إليه للتجنيد، ولنقل المعلومات والأموال بالطرق المشفرة، لأن التنظيم -بحسب دراسة لأكاديمية ويست بوينت العسكرية- يضم عددًا كبيرًا ممن تلقوا تعليمًا فائقًا في مجال التكنولوجيا.

وأوضح مطاوع، في تصريحات لـ«السياق»، أن «داعش» استخدم إحدى الألعاب الإلكترونية، للتواصل بين خلاياه عبر الإنترنت، مؤكدًا أن التنظيم الإرهابي، يحاول استغلال الثغرات الموجودة في الإنترنت، سواء عن طريق تطبيقات مواقع المواعدة أم حتى المواقع الإباحية.

وعن سر اهتمام «داعش» بالتكنولوجيا، قال مطاوع، إن أحد قيادات التنظيم الشابة تخرج في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة، إضافة إلى أن «داعش» كغيره من التنظيمات الإرهابية، يعد وسيلة تلجأ إليها جهات استخباراتية للإضرار بأطراف معينة.

واستدل المختص في شؤون الجماعات الإرهابية، على تصريحاته، بالعمليات الأخيرة لتنظيم داعش، التي قال إنها تحمل بصمات الحرب بالوكالة لخدمة دولة معينة في صراعاتها الدولية.

 

الخلافة الإلكترونية

بدوره، قال الباحث في شؤون الجماعات الأصولية والإرهابية أحمد سلطان، في تصريحات لـ«السياق»، إن اتجاه داعش إلى برامج المواعدة والتعارف على الإنترنت، يعد تطورًا غير تقليدي، مشيرًا إلى أن التنظيم الإرهابي لديه آلية مختلفة في تطويع وتطوير الأدوات التكنولوجية لخدمة أغراضه، فبعد انهيار ما تسمى الخلافة «المكانية» في مارس 2019، يعتمد على ما تسمى «الخلافة الإلكترونية».

وأوضح سلطان أن «داعش» أنشأ شبكة إلكترونية خارج سوريا والعراق، وفي بلدان أوروبية وغربية، لتجنيد ودعم التنظيم لوچستيًا، مشيرًا إلى أن هذه المجموعات تعمل على محاور عدة منها الألعاب الإلكترونية، التي تستقطب من خلالها الشباب والمراهقين، إضافة إلى تطبيقات المواعدة، عبر نشر شبكاته للتعارف مع المستهدفين بشكل عادي، من دون إثارة أي شك، إلى أن يتطور الأمر وصولًا إلى مبايعة التنظيم أو الخليفة المزعوم.

وأشار إلى أن هذه الشبكات يقوم عليها كبار قادة التنظيم، وتشرف عليها مجموعات مدربة على مستوى عالٍ، لاستقطاب المراهقين والشباب الفتيات، مؤكدًا أن «داعش» يحاول المزج بين آليات عدة، ليضمن بقاءه واستمراره، خاصة بعد هزائمه الكبيرة خلال السنوات الماضية، وفقدانه آلاف المقاتلين.

 

شبكات موازية

ورغم أن «داعش» فقد الجزء الأكبر من مصادر تمويله، فإنه لديه محافظ مالية تقدرها الأمم المتحدة ولجنة مراقبة الجزاءات المعنية، بنحو 100 مليون دولار، في رقم وصفه سلطان بـ«الكبير» بالنسبة لتنظيم إرهابي، مشيرًا إلى أن «داعش» يتقن ابتكار وسائل جديدة في عمليات الاستقطاب والتجنيد والتمويل.

وأكد الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أن «داعش» يعتمد على الشبكات الموازية في عمليات التمويل، بمعنى أنه يعتمد على ما يسمى «نظام الحوالة»، لتحويل الأموال من داخل أوروبا وأمريكا وبعض البلدان العربية، عن طريق شبكات غير رسمية إلى التنظيم ومناطق وجوده.

 

حظر إلكتروني

من جهة أخرى، يرى الباحث الأردني في شؤون الجماعات الإرهابية صلاح ملكاوي في تصريحات لـ«السياق»، أن برامج المواعدة والتعارف أحد «أعمال المراهقة»، التي يستبعد أن يلجأ إليها التنظيم، الذي سعي بدوره منذ التأسيس إلى تقديم صورة نمطية عن نفسه، وحاول ترسيخها سنوات عدة.

وأكد ملكاوي أن «داعش» ما بعد 2016، خاصة في أعقاب معركة الباغوث بمحافظة دير الزور السورية –آخر معاقل التنظيم الإرهابي– التي قُتل فيها عدد كبير من قياداته على رأسهم أبو بكر البغدادي، أصدر قرارًا يحظر على قياداته وأجهزته الأمنية وحتى المسلحين، الاقتراب من مواقع التواصل الاجتماعي.

وأوضح أن ذلك القرار الذي شمل صفحات وحسابات خاصة بهم على «تويتر»، ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، توعد المخالفين بالعقاب، مشيرًا إلى أن الاستثناء الوحيد من القرار كان لصالح المنصات الإرهابية، التي يبثون من خلالها بيانات أنشطتهم.

وعن وجود بعض المؤيدين على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع المواعدة، قال الباحث الأردني، إنهم يمثلون الفئة التي تؤيد بفكرة إقامة «خلافة إسلامية» ولا علاقة تنظيمية تربطهم بـ«داعش».

وأشار إلى أن الذين ادعوا انتماءهم لـ«داعش» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في الفترة التي تلت عام 2016، إما رجل استخبارات تابع لإحدي الدول يحاول استمالة بعض الأشخاص ليعرف توجهاتهم، وإما «أحمق» يريد لفت الانتباه إليه من خلال لعبة خطرة.