ماذا يعني وضع سقف للنفط الروسي؟

بولندا، الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي كانت تعرقل تحديد سقف الأسعار للنفط الروسي، مطالبة بأن يكون أدنى بكثير مما اقترح الاتحاد الأوروبي.

ماذا يعني وضع سقف للنفط الروسي؟

ترجمات -السياق 

بعد أشهر من المفاوضات والخلافات، تمكن الاتحاد الأوروبي من التوصل إلى سقف سعر للنفط الروسي عند 60 دولارًا، بعدما وافقت بولندا على الصفقة.

وقال مندوب بولندا لدى الاتحاد الأوروبي أندريه سادوس للصحفيين، الجمعة: "بولندا وافقت على حل وسط مع الاتحاد الأوروبي، بشأن تحديد السقف لسعر النفط الروسي عند 60 دولارًا مقابل البرميل، ما يسمح للاتحاد الأوروبي بالتصديق على هذا القرار رسميًا خلال العطلة الأسبوعية".

ومن المتوقع أن يعلن الاتحاد الأوروبي قراره رسميًا الأحد، قبل يوم واحد من دخول قرار العقوبات الغربية ضد موسكو حيز التنفيذ.

وأشار المندوب البولندي إلى أن الاتفاق يتضمن أيضًا آلية لإعادة النظر في السعر، ستسمح بالحفاظ على الأسعار عند مستوى أدنى من القيمة السوقية بنسبة 5%.

تجدر الإشارة إلى أن بولندا، الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي كانت تعرقل تحديد سقف الأسعار للنفط الروسي، مطالبة بأن يكون أدنى بكثير مما اقترح الاتحاد الأوروبي.

وأكدت جمهورية التشيك، التي ترأس مجلس الاتحاد الأوروبي، التوصل إلى الاتفاق، مشيرة إلى أن القرار سيدخل حيز التنفيذ فور نشره في السجل الرسمي، بعد إتمام الإجراءات الخاصة بإعداد الوثائق.

هدف القرار

وعن الهدف من هذا القرار، بينت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن تحديد سقف سعر للنفط الروسي -وهي فكرة اقترحتها مجموعة الدول الصناعية السبع وحلفاؤها- تهدف لضمان وجود النفط الروسي في الأسواق، ومنع ارتفاع أسعار النفط العالمية، بعد دخول حظر الاتحاد الأوروبي على الخام الروسي حيز التنفيذ في 5 ديسمبر الجاري.

كما يأتي اتفاق الاتحاد الأوروبي، وكذلك اتفاق مجموعة السبع وأستراليا، على وضع "سقف" لسعر برميل النفط الروسي بـ 60 دولارًا، في إطار الجهود الغربية لتشديد العقوبات على موسكو بسبب غزوها أوكرانيا، ومنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الحصول على إمدادات مالية لتمويل الحرب.

وحسب الصحيفة، سيسمح سقف سعر النفط الروسي، للدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بمواصلة استيراد الخام الروسي المنقول بحرًا، لكنه سيمنع شركات الشحن والتأمين وإعادة التأمين من التعامل مع الشحنات الروسية في جميع أنحاء العالم، ما لم تُباع بأقل من السقف السعري.

كانت محادثات تحديد الحد الأقصى في بروكسل مثيرة للجدل، حيث امتدت أكثر من أسبوع.

وأشارت الصحيفة، إلى أنه في ظل هذا النظام، يمكن للمشترين الاستمرار في شراء الخام الروسي، بشرط أن يدفعوا أقل من السعر الأقصى المتفق عليه.

ولكن، تضع الخطة عبء فرض وضبط سقف الأسعار على الشركات التي تساعد في بيع النفط (شركات الشحن والتأمين العالمية، التي يوجد مقرها في الغالب بأوروبا).

وأفادت الصحيفة، بأن الغرب احتاج إلى تحديد السعر المخفض، قبل 5 ديسمبر الجاري، عندما يدخل حيز التنفيذ حظر أوروبي على النفط الروسي المشحون بحرًا، ويحول دون ضمان تلك الإمدادات.

من المقرر أن يبدأ الاتحاد الأوروبي الحظر المفروض على الأغلبية العظمى من واردات النفط الروسية في الخامس من ديسمبر -الاثنين المقبل-، وبذلك ينطبق السعر على المشترين خارج المنطقة.

وتهدف الخطوة إلى منع خسارة العالم بشكل مفاجئ للنفط الروسي، ما قد يؤدي إلى ارتفاع جديد في أسعار الطاقة.

وحسب الصحيفة الأمريكية، سيؤدي سقف السعر إلى تأمين خصم موجود على الخام الروسي، مقارنةً بالبدائل من أجزاء أخرى من العالم.

وأشارت إلى أنه مع تحديد السعر عند 60 دولارًا للبرميل، يكون الحد الأقصى أقل قليلاً من المشترين الرئيسين للنفط الروسي، مثل الصين والهند، الذين يدفعون حاليًا، لكنه لن ينطبق إذا شحن المشترون البضائع وأمنوها مع شركات من دول خارج المجموعة التي تفرض الحد الأقصى.

الموقف الروسي

وفي ما يخص الموقف الروسي، أوضحت "نيويورك تايمز" أنه من غير المرجح أن تُخفض عائدات النفط الروسية بشكل كبير، التي تعد ضرورية لجهودها الحربية في أوكرانيا.

وخلال الاجتماع ببروكسل، اتفق الدبلوماسيون أيضًا على إطلاق جولة أخرى من محادثات العقوبات، نهاية هذا الأسبوع ، لفرض قيود جديدة على الاقتصاد الروسي والأفراد الرئيسين في نظام بوتين.

واحتدم الخلاف بين دول الاتحاد الأوروبي، لتحديد تفاصيل السقف السعري، حيث أضافت تلك الدول شروطًا أخرى إلى الاتفاق، بينها مراجعة سقف الأسعار منتصف يناير 2023 وكل شهرين بعد ذلك.

وردًا على المقترح، قالت روسيا إنها لن تبيع النفط لأي دول توافق على السقف السعري، كما أن الهند والصين لم تصدرا أي تعليق على تطبيقه.

وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -الأسبوع الماضي- من أن أي محاولة غربية للحد من أسعار النفط الروسي، ستكون لها عواقب وخيمة على الأسواق العالمية.

ومن المتوقع أن تعتمد موسكو على ناقلات مستعدة للعمل من دون تأمين الدول الغربية، رغم أن التجار حذروا من أن صادرات النفط الروسي ستنخفض، إذا لم تتمكن من الوصول إلى عدد كاف من السفن.

وتداول خام الأورال الروسي عند قرابة 67 دولارًا للبرميل، بعد ظهر الجمعة 2 ديسمبر.

في المقابل، قالت وزارة المالية الروسية إنه من المرجح أن تشكل تدفقات النفط والغاز 42% من عائدات روسيا لعام 2022، أي قرابة 11.7 تريليون روبل (191 مليار دولار أمريكي).

التأثير العالمي

وبينت "نيويورك تايمز" أن القرار الجديد سيسمح للشركات البحرية الأوروبية، مثل شركات الناقلات وشركات التأمين، بتسهيل نقل الخام الروسي خارج الكتلة فقط، إذا كانت الشحنة تتوافق مع سقف السعر.

بعبارة أخرى، حسب الصحيفة، "سيتم ترك الأمر لهذه الشركات للتأكد من أن النفط الروسي الذي تنقله أو تؤمن عليه قد تم بيعه بالسعر المحدد أو أقل منه، خلاف ذلك، يمكن تحميلهم المسؤولية القانونية لانتهاك العقوبات".

وقالت روسيا مرارًا إنها ستتجاهل هذه السياسة، وسترفض بيع النفط، في ظِل نظام الحد الأقصى للسعر، لكن نحو 55 في المئة من الناقلات التي تنقل النفط الروسي خارج البلاد مملوكة لليونان، وفقًا للبيانات البحرية والتحليلات التي أجراها معهد التمويل الدولي، ويقع مقر شركات التأمين الرئيسة على هذه الشحنات في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، حيث تقدم الشركات في أجزاء أخرى من العالم هذه الخدمات، وتستخدمها روسيا، ومن ثمّ فإن تحويل صادراتها إلى مزودين بدلاء، قد يكون أكثر تكلفة وأقل أمانًا للمشترين.

وحسب الصحيفة الأمريكية، يعكس الحد الأقصى ما سبق أن أعلنه المسؤولون الأمريكيون، من أن الهدف هو إبقاء ملايين البراميل من النفط الروسي، تتدفق إلى السوق العالمية مع دخول موجة جديدة من العقوبات الأوروبية على صادرات النفط الروسية حيز التنفيذ، وتجنُّب الانكماش المفاجئ في الإمدادات بالأسواق العالمية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين ووقود التدفئة في الولايات المتحدة والعالم، وجعل التضخم المرتفع بالفعل أسوأ.

كما يعكس موقف المسؤولين الأمريكيين في الأسابيع الأخيرة من المفاوضات، بأنه سيكون من الأفضل تحديد سعر مرتفع بما يكفي، بحيث تمتثل روسيا له من خلال الاستمرار في شحن الكثير من صادراتها النفطية باستخدام السفن الأوروبية والأمريكية والتأمين.

كانت إدارة بايدن أخبرت الدول الأخرى بأن إغراء روسيا للبيع في آلية الحد الأقصى للسعر سيجعل من السهل خفض السعر المحدد في المستقبل، ما قد يؤدي إلى الضغط على عائدات موسكو.

وترى "نيويورك تايمز" أن القرار الجديد لا يهدف إلى منع بيع النفط الروسي، بل يسعى إلى السماح لروسيا بالاستمرار في بيع النفط، ولكن بمردود مالي أقل.

وبحسب الصحيفة، فإن ذلك من شأنه أن يؤثر بشكل كبير في العرض العالمي، ويدفع الأسعار إلى الارتفاع، في وقت يرتفع فيه التضخم العالمي بالفعل، وسيؤثر أيضًا في دول مثل الهند وتركيا -المشترين الرئيسين للخام الروسي- التي يأمل الغرب الاستفادة من دعمها لمواصلة الضغط على موسكو.

ومع ذلك تقول الصحيفة": "يُمثل سعر البرميل البالغ 60 دولارًا خيبة أمل لبعض الدول الأوروبية، بما في ذلك الدول الأكثر تشددًا المؤيدة لأوكرانيا مثل بولندا، التي أرادت أن ترى الكرملين يخسر إيرادات أكبر بكثير من مبيعاته النفطية".

ومع تقدير تكاليف إنتاج النفط الروسي بنحو 20 دولارًا للبرميل – وتداول سعر النفط الروسي بين 60 دولارًا و100 دولار للبرميل في السنوات الثلاث الماضية– لا يزال السعر المتفق عليه يسمح لموسكو بجني أرباح كبيرة، بحسب الصحيفة.

في المقابل، استبعد عدد من المراقبين وخبراء النفط، أن يؤثر الاتفاق في مداخيل روسيا، لأن تكلفة إنتاج برميل النفط الروسي لا تتجاوز 20 دولارًا، مشيرين إلى أن تحديد السقف ليس نقطة قوة للأوربيين، وفي ظل فصل الشتاء، فسقف 60 دولارًا ملائم لروسيا، لأن هامش الربح سيظل يقارب 300 في المئة.

ووفق الخبراء، فإنه حتى مع سقف 60 دولارًا للبرميل، سيكون هناك خلاف أوروبي، خاصة مع البلدان التي تعاني أزمات اقتصادية مثل بولندا، وبهذا السقف "تبقى روسيا صامدة وفقًا لأسعارها، أما الذي سيتأثر فهي دول أوروبا، لا سيما الذين بحاجة لهذا النفط الخام خاصة في هذه المرحلة".