واشنطن بوست: لا من مفر من مساءلة ترمب

سلَّط هذا الكشف، الضوء على التوتر القائم بين هدفين أساسيين لوزارة العدل في عهد النائب العام ميريك غارلاند: كيفية نزع الصبغة السياسية عن وزارة تحوَّلت فِعلياً إلى ذراع للبيت الأبيض في عهد ترامب، من دون التهرُّب من حتمية مطالبة إدارة خرقت القانون، بدفع ثمن تجاوزاتها.

واشنطن بوست: لا من مفر من مساءلة ترمب
دونالد ترامب

ترجمات - السياق

طالما بدا حتمياً، أن الاستغلال السيئ، من إدارة ترامب لأذرع الحكومة المعنية بالتحقيق والمساءلة، وذلك انطلاقاً من دوافع سياسية لديها، سيلفت أنظار الرأي العام يوماً، ويثير مطالب بالمحاسبة والمساءلة، والآن، نعايش هذه اللحظة.

في وقت قريب، كشف النقاب عن أن وزارة العدل، في عهد ترامب، سعت سِراً للاطلاع على سجل المكالمات الهاتفية، الخاص باثنين من أعضاء الحزب الديمقراطي، في لجنة شؤون الاستخبارات بمجلس النواب، اللذين كانا من أشد منتقدي الرئيس دونالد ترامب (بجانب مساعديهم وأفراد من أسرهم). وشكَّل هذا الكشف، الصدمة التي كان يحتاج إليها النظام، ليفيق من غفوته.

وسلَّط هذا الكشف، الضوء على التوتر القائم بين هدفين أساسيين لوزارة العدل في عهد النائب العام ميريك غارلاند: كيفية نزع الصبغة السياسية عن وزارة تحوَّلت فِعلياً إلى ذراع للبيت الأبيض في عهد ترامب، من دون التهرُّب من حتمية مطالبة إدارة خرقت القانون، بدفع ثمن تجاوزاتها.

من جهته، تعرض غارلاند لانتقادات، بسبب القرارات الصادرة قريباً، بخصوص أن وزارة العدل -في خضم دفاعها عن مؤسسة الرئاسة- خدمت في الوقت ذاته مصالح ترامب.

إلا أن الكشف عن مساعٍ سرية، من وزارة العدل في عهد النائبين العموميين جيف سيشنز وويليام بي. بار، للحصول على سجلات بالاتصالات الهاتفية، لاثنين من الديمقراطيين من ولاية كاليفورنيا، وهما النائبان آدم بي. شيف وإريك سوالويل، أثار تساؤلاً غير مريح لكنه جوهري: هل النضال ضد استغلال منظومة العدالة لأغراض سياسية، يتطلَّب أن تقدم إدارة جديدة على فضائح؟

وإذا كان ذلك ملائماً، هل يمكن محاكمة إدارة سابقة عن الانتهاك ذاته، الذي تحاول الإدارة الجديدة المسؤولة تحاشيه؟

في ما يخص الكثير من الديمقراطيين داخل الكونغرس، تبدو الإجابة واضحة.

في هذا الصدد، قال النائب جيم هايمز (ديمقراطي ـ كونيتيكت) وعضو لجنة شؤون الاستخبارات: "ميريك غارلاند محامٍ بارع للغاية، والمحامون بطبيعتهم يهتمون بسير العمليات، لكن هذه المسألة تتعلَّق بالفصل بين السُّلطات وأمور على صِلة بلب نظامنا الديمقراطي. ومن الضروري أن يعلم الشعب الأميركي كل شيء، حتى وإن تعارض ذلك مع الاعتبارات التقليدية للتحقيقات".

من ناحيتها، اتخذت وزارة العدل، الخطوة الأولى نحو الاستجابة لهذه المخاوف، وذلك مع إعلان المفتش العام بالوزارة، مايكل هورويتز، فتح تحقيق في ما إذا كانت التحقيقات، التي جرت مع صحفيين ومنتقدين لترامب "استندت إلى اعتبارات غير ملائمة".

وفي تلك الأثناء، انضم زعيم الأغلبية داخل مجلس الشيوخ، تشارلز إي. شومر (ديمقراطي ـ نيويورك)، إلى رئيس لجنة الشؤون القضائية بالمجلس ريتشارد جيه. دوربين (ديمقراطي ـ إلينوي) في دعوة سيشنز وبار للإدلاء بشهادتيهما، أمام اللجنة التي يرأسها دوربين.

وهدَّد شومر ودوربين، باستصدار مذكرتي استدعاء، إذا رفض المدعيان العامان السابقان الامتثال لهذا الطلب، ووصفا البحث عبر سجلات سرية، بأنه "إساءة استخدام جسيمة للسلطة، واعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات".

من جهته، قال رئيس لجنة الشؤون القضائية بمجلس النواب جيرولد نادلر (ديمقراطي ـ نيويورك)، إن الوزارة: "أمامها فترة قصيرة للغاية، لإقصاء نفسها عن حقبة ترامب بخصوص هذه المسألة".

وربما تمثِّل هذه الخطوات، بداية النهاية للحصانة من العقاب، التي طالما حظي بها ترامب.

على الجانب الآخر، فإن منتقدي غارلاند من الحزب الديمقراطي، ينبغي لهم أن يبدوا قليلاً من التعاطف معه، نظراً لأنه يواجه معضلة حقيقية، فهو رجل صالح يسعى لإحياء أفضل التقاليد الخاصة بالوزارة، ويرغب في إثبات أن القيادة الجديدة مختلفة تمام الاختلاف عن سابقتها.، ويفسر ذلك استعداده لاتخاذ قرارات، من المحتمل أن تثير غضب حزبه.

وفي الوقت الذي يقر تحولاً في سياسات الوزارة تجاه قضايا مثل حقوق التصويت، يبدو غارلاند عاقداً العزم على رفض استغلال القانون أو منصبه، لخدمة أغراض سياسية ضيقة.

وسعياً لدرء أي شكوك في أن غارلاند يدفع الوزارة باتجاه منحى تقدُّمي بدرجة أكبر، أعلن حملة جديدة، ضد قمع الناخبين. وتعد تلك خطوة كبرى، ذلك أنه قرَّر مضاعفة أعداد المسؤولين القانونيين، المعنيين بإنفاذ حقوق التصويت، وتعهَّد بمحاربة قوانين الولايات، التي تعيق قدرة الناخبين على الإدلاء بأصواتهم.

ومع ذلك، يبقى ترامب مشكلة مختلفة وأشد تعقيداً، لأنه كان مختلفاً عن سابقيه. وتكفي هنا الإشارة إلى خرقه المتكرِّر للأعراف، واللامبالاة التي كان يبديها تجاه الحدود القانونية للسُّلطة الرئاسية، وازدرائه للقيم ذاتها، التي يسعى غارلاند اليوم إلى تعزيزها.

وعليه، فإن الإجراءات التي قد تبدو معقولة، عند تطبيقها على أية إدارة سابقة، تبدو غير ملائمة عند تطبيقها على المآزق التي خلقتها فترة رئاسة ترامب.

في هذا الشأن، قال النائب بريندان بويل (ديمقراطي ـ بنسلفانيا) في إطار حديث دار بيننا: "قبل ترامب، طالما ساورني الاعتقاد بأنه على أية إدارة جديدة التركيز على المستقبل، وكنت أرفض فكرة التحقيق مع إدارة سابقة، لكن ها نحن اليوم أمام عرف آخر دمره ترامب".

وأضاف: "بالنظر إلى حجم الإجرام المستشري، الذي نعلم بالفِعل أنه وقع في ظل إدارة ترامب، سيكون من الخطر غض الطرف والتظاهر بأن شيئاً لم يحدث"، وحذَّر من أن: "فِعل ذلك سيزيد احتمال تكرار هذا الخرق للقوانين".

من جهتي، أعتقد أن الرئيس بايدن، كان يأمل أن يجري إنفاذ المساءلة القانونية، على الأقل بعض انتهاكات ترامب على أيدي محققين على مستوى الولايات وآخرين محليين، الأمر الذي كان ليعفي وزارة العدل في إدارته، من الاضطرار إلى اتخاذ مثل هذا النمط من الخطوات ضد رئيس سابق، أمر يحاول أنصار الديمقراطية الدستورية دوماً تحاشيه.

ومع ذلك، فإنه مثلما أوضح الخلاف على التحقيق في قضية شيف وسوالويل، فإن إدارة بايدن ربما لا تملك مثل هذه الرفاهية. والمؤكد أنه يحق لغارلاند، اتخاذ كل ما هو ممكن، لإبقاء الوزارة بعيداً عن التورُّط في السياسة، بيد أن طبيعة فترة رئاسة ترامب –للأسف- ستعقِّد أي مسار نحو العودة إلى الأعراف والقواعد القديمة... هذه كأس ترامب المسمومة.