خطة مارشال خضراء.. هل تنجح مبادرة مجموعة السبع في مواجهة طريق الحرير الصيني؟

تأتي أهمية مبادرة الحزام والطريق الصينية، باعتبارها مشروعاً منفتح الآفاق للبنية التحتية في العالم، تقدَّر تكلفته بتريليونات الدولارات، ويتضمَّن مبادرات تنموية واستثمارات، تستهدف الدول النامية في مختلف أرجاء العالم، ترى فيه القوى العظمى أداة لتوسع النفوذ الصيني، وتعتبره الولايات المتحدة وبعض شركائها الأوروبيين، وسيلة لبسط نفوذ بكين، على الصعيدين السياسي والاقتصادي في العالم.

خطة مارشال خضراء.. هل تنجح مبادرة مجموعة السبع في مواجهة طريق الحرير الصيني؟
الرئيس الامريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون

السياق

أصبحت مبادرة الحزام والطريق، الشغل الشاغل للدول الكبرى، لا سيما الغربية، حيث كانت مبادرة الحزام والطريق الصينية، محور الحديث على طاولات الحوار، وفي أروقة منتجع كورنوال-إنجلترا الذي احتضن قمة مجموعة السبع الأخيرة، التي تمخضت عن مبادرة "بناء أفضل للعالم"، بينما سماها مراقبون "خطة مارشال الخضراء"، وهي مبادرة بنية تحتية عالمية، مشابهة للنسخة الصينية، فهل تنجح هذه الدول، في وقف التنين الصيني عن الانتشار عرضًا في آسيا وأوروبا وإفريقيا، أم أن بكين سيكون لها رأي آخر؟

كتب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، على صفحته في (تويتر)، أن قادة مجموعة الدول السبع في القمة، صدقوا على اقتراح الرئيس الأمريكي جو بايدن، بشأن حد أدنى لمعدل الضريبة العالمي بـ 15%، الذي يتعيَّن على الشركات متعدِّدة الجنسيات دفعه، بصرف النظر عن مكان وجودها.

وكان الاتفاق متوقَّعاً، بعد أن أيَّد مسؤولون ماليون في مجموعة السبع، الاقتراح الأسبوع الماضي. ويهدف إلى منع الشركات الكبيرة متعدِّدة الجنسيات، من البحث عن ملاذات ضريبية، وإجبارها على دفع المزيد من دخلها للحكومات.

وأضاف سوليفان في تغريدته: "أمريكا تحشد العالم، لجعل الشركات متعدِّدة الجنسيات، تدفع نصيبها العادل، حتى نتمكَّن من الاستثمار في طبقتنا الوسطى".

 

خلافات تجارية

لدى مجموعة الدول السبع، الكثير من الخلافات التجارية، بما في ذلك الخلافات طويلة الأمد، بشأن إعانات إيرباص وبوينغ، فضلاً عن التعريفات الجمركية على الصلب والألومنيوم، التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عام 2018، لكن هذه المرة تم التركيز على مجالات ذات الأرضية المشتركة، ومنها دعم وتعزيز "النظام التجاري متعدِّد الأطراف، و"قواعد التجارة الدولية"، والأهم من ذلك، محاولة الوقوف في وجه خطط بكين، لتقويض نظام التجارة متعدِّد الأطراف، بحسب موقع صوت أمريكا.

هيمن الملف الصيني، رغم أنها ليست جزءًا من المجموعة، على جدول أعمال القمة، ففي مقال رأي نشرته "واشنطن بوست"، 5 يونيو الجاري، كتب بايدن أن مجموعة الدول السبع، ستعلن أيضًا عن "بديل للعروض التي تقدِّمها المبادرة الصينية، من أجل ترقية البنية التحتية المادية والتقنيات الرقمية والمشاريع الصحية، بشكل أكثر مرونة، لدعم التنمية المستدامة في العالم".

ومن المتوقَّع أن تُدرج الدول السبع، مجموعة من الملفات لدراستها، مثل المساواة بين الجنسين، واستراتيجية التعافي من وباء كورونا، وإعادة بناء الاقتصاد العالمي، وتعزيز دور المرأة، إضافة إلى ملف التعليم على مستوى العالم.

 

طريق الحرير

تأتي أهمية مبادرة الحزام والطريق الصينية، باعتبارها مشروعاً منفتح الآفاق للبنية التحتية في العالم، تقدَّر تكلفته بتريليونات الدولارات، ويتضمَّن مبادرات تنموية واستثمارات، تستهدف الدول النامية في مختلف أرجاء العالم، ترى فيه القوى العظمى أداة لتوسع النفوذ الصيني، وتعتبره الولايات المتحدة وبعض شركائها الأوروبيين، وسيلة لبسط نفوذ بكين، على الصعيدين السياسي والاقتصادي في العالم.

ما زاد مخاوف أمريكا وحلفائها، هو توقيع أكثر من 100 دولة اتفاقات وشراكات استراتيجية مع الصين، ومشاريع ضخمة مثل مد خطوط سكك حديدية، وإقامة موانئ وطرق سريعة، وغيرها من مشروعات البنى التحتية، بينما تشير قاعدة بيانات "ريفينيتيف"، إلى أنه حتى منتصف العام الماضي، كان هناك أكثر من 2600 مشروع، مرتبط بالمبادرة، بـ 3.7 تريليون دولار، رغم تأثُّر نحو 20% من المشروعات بسبب بجائحة كورونا، بحسب بيان الخارجية الصينية.

 

مبادرة "بناء أفضل للعالم"

اتفق الرئيس الأمريكي بايدن وشركاء مجموعة السبع، على إطلاق مبادرة البنية التحتية العالمية الجديدة الجريئة Build Back Better World (B3W) ، وهي شراكة بنية تحتية شفافة وذات معايير عالية، وتقودها الديمقراطيات الكبرى، بتكلفة تتخطى تريليون دولار، للمساعدة في إعادة ضبط البنية التحتية، في شتى أنحاء العالم، التي تفاقمت مشكلاتها بسبب جائحة كورونا، وتركِّز المبادرة على: المناخ والصحة والأمن الصحي والتكنولوجيا الرقمية، والمساواة بين الجنسين.

سيكون مشروع B3W عالمي النطاق، يبدأ من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إلى أفريقيا، ثم إلى المحيطين الهندي والهادئ، على أن يغطي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، في جميع أنحاء العالم.

 

مخاوف غربية

لماذا يَعُدُّ الغرب، مبادرة الحزام والطريق، تهديدًا مباشرًا له؟!

رغم أن هذه المبادرة الطموحة، ستعمل على ترميم البنى التحتية للبلدان التي تستثمر فيها، فإن الغرب ينتقدها، بسبب الديون التي كدَّستها الصين، على المقاطعات الأفقر، في محاولة لتضمين هذه الدول النامية في مجال نفوذها، وهنا يكمن ما يسميه الغرب "فخ الديون" حسب جريدة فايننشال تايمز، لأن هذه الديون مع الوقت، ستستخدم لممارسة نفوذ كبير على الدول المشاركة وقادتها، عندما يجدون أنفسهم حتمًا في ضائقة مالية.

هناك أيضًا اعتبارات جيوسياسية مهمة، حيث تتصارع واشنطن وبكين على نفوذهما العالمي، وبينما تزيد بكين من سطوتها وتدخلاتها في بعض الدول، خصوصًا إفريقيا، باتت الولايات المتحدة تستشعر الخطر حيال ذلك، كما تخوض بكين وواشنطن حاليًا صراعًا بشأن مجالات نفوذهما المستقبلية.

ومن ثم فإن الحرب التجارية الحالية، جزء صغير من معركة الهيمنة، ففي أكتوبر الماضي، أعلن نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس أن هناك "حرباً باردة" جديدة تتطوَّر بين البلدين، لذا، فإن أي حل للحرب التجارية، سيكون هدنة صغيرة في هذه المعركة طويلة الأمد، وذلك يعني أن الحرب الباردة الجديدة، تدور رحاها في ساحات أخرى كالإنترنت.