تحرُّش واعتداءات تهز مصر... كيف تئدُ القاهرة ظاهرة العنف ضد الأطفال؟

وتشير دراسة المجلس القومي للطفولة والأمومة، إلى أن 65% من الأطفال بين 13 و 14 عاماً، يتعرَّضون للضرب بالعصي أو الأحزمة، ويصل العنف النفسي إلى 75% في سن المراهقة.

تحرُّش واعتداءات تهز مصر... كيف تئدُ القاهرة ظاهرة العنف ضد الأطفال؟
متظاهرون مصريون يشاركون في مظاهرة في القاهرة ضد التحرش

السياق

في فترة قصيرة، اهتز الشارع المصري، على أخبار عدة، أبطالها أطفال، فكان التحرُّش والاعتداء، الرابط بين الحوادث المختلفة، وكان أبرزها: تحرُّش رجل غريب، يحاول اغتيال براءة طفلة، في منطقة المعادي بالعاصمة القاهرة، وكذلك اعتداء أب على ابنه الطفل، حيث قيَّده وأغرقه بـ(عسل النحل)، حتى يزيد عذابه، إلا أن القضيتين فتحتا الباب على مصراعيه، لظاهرة تنتشر في الشارع المصري، وعلى الحكومة التدخل سريعًا لإيجاد حل، وإن شئت قل: وأد هذه الظاهرة في مهدها، فهل تنجح؟!

تحرُّش المعادي

في مارس، اهتز الشارع المصري على فيديو منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه رجل أربعيني، يحاول التحرُّش بطفلة لم تتعد 6 سنوات، وبعد تلقي قسم شرطة المعادي -جنوب القاهرة- بلاغاً من إحدى السيدات، التي تفيد باكتشافها تحرُّش شخص بطفلة، انتقلت قوة من المباحث على الفور، وتبيّن أنه يعمل محاسباً في إحدى شركات البناء، بإحدى الدول العربية، وأنه حاول التحرُّش بطفلة. 

وتمكَّنت القوات، من تحديد محل إقامته، وتم استئذان النيابة العامة، وألقي القبض عليه، وأخطرت النيابة، التي باشرت التحقيق، وقرَّرت التحفُّظ على مقطع الفيديو.

وبدأت النيابة التحقيق مع المتهم، في ما هو منسوب إليه، وطلبت تحريات المباحث عن الواقعة.

وبعد شهر تقريبًا من التحقيقات، حُكم على المتهم محمد جودت حسين بالسجن المشدد 10 سنوات، حيث تنص المادة 116 من قانون الطفل، على مضاعفة عقوبة أي جريمة، إذا وقعت في حق الأطفال، "ويزاد بمقدار المِثل الحد الأدنى للعقوبة المقرَّرة لأي جريمة، إذا وقعت من بالغ على طفل، أو إذا ارتكبها أحد والديه، أو من له الولاية أو الوصاية عليه، أو المسؤول عن ملاحظته وتربيته، أو من له سُلطة عليه، أو كان خادماً عند مَنْ تقدَّم ذِكرهم"، ما يعني مضاعفة عقوبة التحرُّش الموجودة في قانون العقوبات.

أسرع حُكم

القضاء المصري، واجه القضية بثبات يحسد عليه، وأصدر فيها حُكمًا سريعًا، ليضرب عصفورين بحجر واحد، الأول: إسكات الرأي العام الغاضب من هذا المتهم، والثاني: إيصال رسالة قوية، مفادها أن أي شخص تسوِّل له نفسه ارتكاب مثل هذا الذنب، فإن مصيره سيكون كسابقه.

طفل العسل

على الجانب الآخر من مشاهد الاعتداءات على الأطفال في مصر، قضية الأب الذي تخلى عن إنسانيته، وليس أبوته فقط، وقيَّد ابنه (7 سنوات)، من يديه وقدميه، بأحد الأعواد الخشبية، وألقى به أعلى سطح منزله، بعد أن دهن جسمه بالعسل الأسود، وتركه للحشرات والذباب، في الشمس الحارقة.

القصة انتشرت كالنار في الهشيم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال هاشتاج -وسم- «طفل العسل»، فأثارت موجة من الغضبِ والانتقاد الشديد لوالد الطفل، وتحرَّكت الأجهزة المعنية، بعد تقدُّم والدة الطفل ببلاغ عبر خط "نجدة الطفل" عزَّزته شهادات جيران الأسرة، في إحدى قرى منطقة شبين القناطر بمحافظة القليوبية، شمالي العاصمة القاهرة، الذين قالوا إن هذا الرجل دائم التعدي على زوجته وأبنائه، ولا يحسن معاملتهم.

وخلال تحقيقات النيابة، بعد القبض عليه، برَّر والد الطفل -الذي يعمل سائقاً- ارتكابه للواقعة، بأنها محاولة منه لتأديب طفله، وأنه فكَّه بعد فترة قصيرة، ولم يقصد أبداً إيذاءه نفسياً ولا بدنياً.

وفي تطور لاحق، قال الطفل المجني عليه، إنه يحب والده، وإنه يرغب في العودة إليه، معترفاً بأنه أخطأ، حين تسلَّل إلى منزل الجيران، من دون استئذانهم، لإحضار الكرة الخاصة به، بعد أن سقطت عندهم قائلاً: "أنا غلطت وبابا عاقبني، وأنا بحبه"، بينما طالبت والدة الطفل، بالتوقُّف عن نشر صور الواقعة عبر مواقع التواصل أو وسائل الإعلام، لأنها تسبَّبت في أذي نفسي لطفلها، على حد قولها.

قصص كثيرة

القصتان السابقتان، ضمن بعض القصص الإخبارية، التي تتناولها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، عن العنف الأسري، وتحديداً العنف ضد الأطفال، التي دفعت المجلس القومي للطفولة والأمومة، إلى إعداد دراسة عن العنف ضد الأطفال في مصر.

وأظهرت نتائج الدراسة، أن الأطفال يتعرَّضون للعنف، في أماكن يفترض أن تكون آمنة، مِثل المنزل أو المدرسة أو النادي، ويتعرَّضون للعنف من أشخاص يفترض فيهم الاعتناء بهم، مِثل الوالدين أو المعلمين.

وتشير دراسة المجلس القومي للطفولة والأمومة، إلى أن 65% من الأطفال بين 13 و 14 عاماً، يتعرَّضون للضرب بالعصي أو الأحزمة، ويصل العنف النفسي إلى 75% في سن المراهقة.

وبحسب الدراسة، فإن 70% من المراهقين، يتعرَّضون للعنف المنزلي، مقارنة بـ 14% يتعرَّضون للعنف في المدارس، في حين يعاني طفل من كل ثلاثة أطفال، العنف والإيذاء النفسي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وأظهرت الدراسة، أن أقل من 20% من الآباء، ليسوا على دراية بقانون الطفل، الذي يحظر الزواج المبكر للفتيات، ويجرِّم بعض الممارسات الطبية والاجتماعية الخاطئة، مثل ختان الإناث، إذ تشير الدراسة إلى أن 11% من الفتيات، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 19 سنة، متزوجات أو تزوجن مرة واحدة على الأقل، بينما خضعت نحو 61% من الإناث، في الفئة العمرية من 15 إلى 17 سنة، إلى عملية ختان.

كيف الحل؟

أما عن الحلول المقترحة، لمواجهة هذه الظاهرة، فأرجع مختصون -حسب الدراسة التي أعدها المجلس القومي للطفولة والأمومة- الظاهرة إلى ما سموه، (تغيُّـر منظومة القيم) داخل المجتمع، بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة، التي أضرت كثيراً بمفهوم الأسرة وأدوار أفرادها، خصوصاً مسؤولية الوالدين في التربية والتوجيه.

كما حمَّلت الدراسة، المسؤولية، إلى ما وصفتها بالقوى الناعمة، المؤثِّرة على المجتمع، كالأعمال الدرامية، التي تبث عبر السينما والتلفزيون، والتي تدخل كل البيوت من دون استئذان، وهي تظهر العنف، كممارسة عادية غير مستهجنة، تعيد الحقوق إلى أصحابها، وتظهر مرتكب هذا العنف بصورة البطل المحبَّب إلى الجماهير، أو ما يمكن أن نطلق عليه "دراما غير صديقة للمجتمع والطفل".

ودعت الدراسة، إلى ضرورة قياس أثر برامج التدريب والتوعية، التي يحصل عليها المعنيون في هذا المجال، في سلوكياتهم، وألا تكتفي الدولة بضخ الأموال، في برامج التدريب والتوعية، في المدارس والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني، من دون متابعة الأثر الذي تحدثه هذه البرامج، التي قد تحتاج إلى تعديل سلوكي أو منهجي.