ديلي مونيتور: الإصلاح الاقتصادي بين مصر وسلطنة عُمان

أثار البرنامج الدراماتيكي، الهادف إلى تقليص أعباء الحكومة والتقشُّف أثناء الوباء، ردود فِعل شعبية معارضة، فقد احتج المئات من الباحثين عن عمل في المدن الكبرى بمختلف أنحاء عُمان الشهر الماضي، بسبب ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، ومندِّدة بالفساد.

ديلي مونيتور: الإصلاح الاقتصادي بين مصر وسلطنة عُمان

ترجمات - السياق 

نشرت صحيفة ديلي مونيتور البريطانية، تقريراً مفصلاً، تناول عمليات الإصلاح الاقتصادي في سلطنة عمان، أبرزت خلاله الإرث الاقتصادي المترهل الذي تسلَّمه السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، بعد رحيل السلطان قابوس في يناير 2020، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي العماني بنسبة 0.8% عام 2019، بعد أن أثقلت كاهله ببيروقراطية وديون ضخمة وعجز وأسعار نفط منخفضة، ناهيك عن جائحة كورونا.

أوضحت الصحيفة، أنه رغم التقارير الإيجابية الدولية، لتعامل السلطنة مع الوباء، فإن السلطان الجديد أخذ على عاتقه تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي صعب، فور تسلُّمه زمام السلطة، بدءاً بحالات التقاعد القسري في الخدمة المدنية، الهادفة إلى تشكيل حكومة تكنوقراطية أكثر رشاقة وأصغر سناً، تزامنت مع إدخال ضريبة القيمة المضافة، وإنشاء هيئتين جديدتين "الهيئة العمانية للاستثمار، لتحسين إدارة الأصول العامة، وهيئة "تنمية الطاقة في عُمان"، لإدارة وتمويل الاستثمارات في الطاقة.

ورغم انكماش الاقتصاد العُماني بـ 6.4% عام 2020، فإنه كان أقل حدة من المتوقع، وفي هذا العام تنتظر السلطنة نموًا متواضعًا بـ 1.8%، وفقًا لصندوق النقد الدولي، على أن يسير النمو العام المقبل على الطريق الصحيح، بتحقيق نمو تصل نسبته إلى 7.4%، وهي أعلى توقعات لصندوق النقد الدولي لدول المنطقة.

 

مكاسب رغم التحديات

أثار البرنامج الدراماتيكي، الهادف إلى تقليص أعباء الحكومة والتقشُّف أثناء الوباء، ردود فِعل شعبية معارضة، فقد احتج "المئات من الباحثين عن عمل" في المدن الكبرى بمختلف أنحاء عُمان الشهر الماضي، بسبب ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، ومندِّدة بالفساد.

هذه "الاحتجاجات"، قوبلت بحضور كثيف لقوات الأمن واعتقالات للخارجين عن القانون، وتفاعل السلطان مع الحدث، برد فعل سياسي سريع، معلناً في 25 مايو الماضي، أنه سيتم توفير وظائف لأكثر من 32 ألف شخص بدوام جزئي .

تقول "المونيتور": قد يكون برنامج توفير الوظائف إصلاحًا ضروريًا على المدى القصير، نظرًا للاضطرابات التي سبَّبتها برامج الإصلاح، ولتعزيز منظومة الأمن، التي توترت بسبب فيروس كورونا، وطرح التقرير تساؤلاً عما إذا كان بإمكان عُمان التمسك ببرنامج التقشُّف وتلبية متطلبات المرحلة، في الوقت الذي تحاول السلطنة فيه التعافي من كوفيد 19.

 

التجربة المصرية

طرحت "المونيتور" النموذج المصري مثالاً مشابها، لما تمر به السلطنة من ظروف، وأضافت إليه المسؤولية الأمنية المتمثِّلة بالمخاطر التي تهدِّد الأمن القومي المصري، من مختلف الاتجاهات، فقالت الصحيفة إنه بينما كان الرئيس السيسي مشغولاً بالتخطيط لوقف إطلاق النار في الصراع بين إسرائيل وحماس، قيَّم صندوق النقد الدولي أداء الإدارة المصرية بشكل إيجابي، وأثنى على التزام القاهرة بالحفاظ على استقرار الاقتصاد أثناء الجائحة، مع حماية الإنفاق الاجتماعي والصحي، فضلاً عن الإصلاحات الهيكلية الرئيسية، وأشارت الصحيفة، إلى أن هذا التوازن، هو ما يجب أن تسعى إليه سلطنة عُمان أيضًا.

وأضاف التقرير: "أظهر الاقتصاد المصري مرونة، حيث خفَّف تأثير أزمة فيروس كورونا، من خلال استجابة السياسات السريعة والمتوازنة من السلطات"، مشيرًا إلى أنه "تم الوفاء بجميع المعايير الهيكلية، بما في ذلك المزيد من الإصلاحات المتعلِّقة بالشفافية المالية والحوكمة، والحماية الاجتماعية، وتحسين بيئة الأعمال، مع استمرار الجهود الموجَّهة نحو تقليل مواطن الضعف المتعلِّقة بالديون، وتوفير مساحة أكبر في الميزانية لأولوية الإنفاق".

كان الاقتصاد المصري بمفرده في المنطقة، وواحد من القلائل في العالم، إلى جانب الاقتصاد الصيني، الذي سجَّل نمواً ملحوظاً منذ بدء الجائحة، بـ 2.8% العام المالي 2020/2021، مع نمو متوقَّع بـ 5.2% في 2021/2022، وفقًا لـ صندوق النقد الدولي.

ورغم اعتماد مصر على السياحة، لجلب العملة الصعبة، وهو من المجالات التي طالتها أضرار تفشي كورونا عالميًا، استفادت مصر من العلاقات التجارية والاقتصادية الإقليمية والدولية الموسَّعة، ومن ذلك تعميقها لجذور العلاقات الاقتصادية مع العراق، ببناء عدد من الجسور في الموصل، كما قدمت 500 مليون دولار مساعدات لإعادة إعمار قطاع غزة، كما استفادت من حصتها مع صندوق النقد الدولي، لمساعدة السودان في سداد بعض ديونها المستحقة، بينما زادت تعاونها اقتصاديًا مع الصين، في مجالات عدة، كالتعليم والأقمار الصناعية.

 

مستقبل عمان

خلال 40 عامًا ، نجحت دول مجلس التعاون الخليجي، في إنشاء اتحاد جمركي وسوق مشتركة، ومكَّنت مواطني الخليج من السفر من دون قيود، ولكن يمكن أن تكون هناك مزايا أخرى في العمل الجماعي، بمعالجة مستقبل محتمل ما بعد النفط، والاعتماد على الطاقة المتجدِّدة والنووية، وفي التعامل مع الصين، كقوة اقتصادية كبيرة.

 

الاختلاف بين مصر وعمان

تقول "المونيتور": إن مكانة مصر كأكبر دولة من حيث عدد السكان في شمال إفريقيا، ودورها الأساسي في العديد من الأمور الدبلوماسية، يجعلانها مختلفة عن دول أقل تعداداً ومساحة مثل عُمان.

تسعى مصر إلى التعافي من الأزمات الاقتصادية، بالاعتماد على قناة السويس وشبكات السكك الحديدية، فقد وقَّعت الشهر الماضي اتفاقاً مع بنك التنمية الأفريقي بـ 177 مليون دولار لتحسين شبكة السكك الحديدية، وعلى مدى نحو شهرين ابتداءً من أواخر مارس الماضي، كان هناك خمسة حوادث للقطارات، أسفرت عن مقتل 43 شخصًا وإصابة 319، ومن المعروف أن شبكة السكك الحديدية في مصر هي الأقدم في إفريقيا، وبحاجة ماسة إلى الإصلاح.

ورغم الضرر الذي لحق بمصر إثر جنوح سفينة الشحن إيفر جيفن في قناة السويس، وإغلاق القناة أمام الملاحة الدولية ستة أيام، فإن عائدات القناة بلغت 553.6 مليون دولار في أبريل، وهي نسبة عالية، ومصر لديها الآن قاطرات ورافعات ضخمة، جاهزة لأي أزمة مشابهة في المستقبل.

 

الدروس المستفادة

قد لا يكون التحول الاقتصادي في مصر، نموذجًا واحدًا يناسب الجميع بالنسبة للاقتصادات الهشة في المنطقة، لكن من الواضح أن هناك بعض النقاط المهمة لبلدان مثل عمان، التي رغم احتجاجات الشهر الماضي، تبدو في مسار إيجابي.

تتضمن حزم الإصلاح، التي يقرها صندوق النقد الدولي دائمًا، درجة من التقشُّف للحد من البيروقراطيات والميزانيات المتضخمة، وزيادة الشفافية، والسماح للقطاعات الخاصة الصغيرة الحجم عادة بتوفير فرص عمل... كل ذلك مع عدم تقويض شبكة الأمان الاجتماعي، كان هذا مسار مصر لمدة خمس سنوات، والنتائج تقول إنه لابد أن تسير عُمان أيضًا على مسار مماثل.