واشنطن بوست: نتنياهو يترك إسرائيل أكثر انقسامًا من أي وقت مضى

ساعد الصراع الفلسطيني، في تحديد فترات تولي رؤساء الوزراء الإسرائيليين، على مدى أربعة عقود، حتى بدأ نتنياهو فترته الثانية في المنصب الأعلى، عام 2009، وقد صمَّم على عدم حل النزاع، بل دفعه جانبًا وهمَّشه.

واشنطن بوست: نتنياهو يترك إسرائيل أكثر انقسامًا من أي وقت مضى

ترجمات - السياق

نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، تقريرًا لتقييم أداء رئيس الوزراء، المنتهية ولايته في إسرائيل بنيامين نتنياهو، قالت فيه: إنه الأطول حُكمًا في تاريخ إسرائيل (12 عاماً) ومع ذلك يترك بلاده أكثر انقسامًا، من أي وقت مضى.

التقرير نوَّه لحالة الانقسام في الشارع الإسرائيلي، بشأن نتنياهو، وضرب مثلاً بالمنطقة التي يقع فيها منزله، بشارع بلفور في القدس المحتلة، حيث يتظاهر البعض ضده، رافعين لافتات السلام، ويهتف البعض الآخر باسمه، ويهاجمون المعارضين.

الصحيفة أجرت لقاءات مع عدد من المارة والمتظاهرين، أمام منزل نتنياهو، وقالت سيلفيا سترومبفمان، المتقاعدة البالغة من العمر 68 عامًا، التي شاركت في الوقفات الاحتجاجية، بالقرب من منزل رئيس الوزراء أكثر من عام: "لم تكن إسرائيل منقسمة بهذا الشكل، أي وقت مضى".

وأشارت الصحيفة، إلى أنه في الوقت الذي ينهي فيه بنيامين نتنياهو ولايته، بعد موافقة البرلمان، على ائتلاف حاكم جديد يستبعده، فإنه ليس فقط زعيم إسرائيل الأطول حُكمًا، بل أيضًا أحد أكثر زعماء إسرائيل نفوذاً. فقد أعاد توجيه نهج البلاد، الذي استمر عقوداً من الزمن تجاه السلام والأمن، وأعاد تشكيل اقتصادها ومكانتها في العالم، وقلب القواعد والمفاهيم القانونية القديمة للخطاب المدني، رأساً على عقب.

فبالنسبة لمؤيديه، يترك نتنياهو، المعروف للجميع باسم "بيبي"، وراءه اقتصادًا مزدهرًا واحترامًا دوليًا وعقدًا من دون تفجير حافلات من النشطاء الفلسطينيين.

أما بالنسبة للمعارضين، فإنه يترك دولة أكثر انقسامًا وأقل عدالة، وغير مبالية -إلى حد كبير- بالسلام مع الفلسطينيين.

 

غضب الشارع

الإسرائيلية سترومبفمان، التي تخطِّط لمواصلة مشاركتها في وقفات احتجاجية، حتى خروج نتنياهو من الحُكم، في غضون أسابيع، قالت لـ "واشنطن بوست": "سيستغرق الأمر سنوات، لإعادة البناء، كل الأشياء يجب أن تتغيَّـر".

وكان الكنيست الإسرائيلي، وافق على ائتلاف حاكم جديد، منهيًا فترة رئاسة بنيامين نتنياهو، التي استمرت 12 عامًا، بينما ترك رحيله انقسامًا حادًا بين الفصائل الإسرائيلية (اليسار واليمين، المتدينون والعلمانيون، العرب واليهود).

وفي ذلك يقول الصحفي الإسرائيلي أنشيل بفيفر، الكاتب في صحيفة القدس: "إن استراتيجية نتنياهو السياسية، تستند إلى إبقاء غضب الناس حيًا".

وأضاف بفيفر، مؤلف سيرة "بيبي"، أن إجمالي 12 عاماً، من تولي نتنياهو منصب رئيس الوزراء، يضعه بين أكثر قادة إسرائيل تحولاً، قائلاً إنه أحد أهم رؤساء الوزراء الإسرائيليين على الإطلاق، بسبب طول فترة بقائه في السلطة، وتأثيره على المستويين الداخلي والخارجي، لكنه لم يترك وراءه أمرًا محوريًا يتذكَّره الناس به، رغم أنه تسبَّب في تغيير أمور كثيرة -سياسية ومجتمعية- في الشارع الإسرائيلي.

حكومة التغيير.. تستعد لإنهاء عهد نتنياهو

تهميش الصراع الفلسطيني

ساعد الصراع الفلسطيني، في تحديد فترات تولي رؤساء الوزراء الإسرائيليين، على مدى أربعة عقود، حتى بدأ نتنياهو فترته الثانية في المنصب الأعلى، عام 2009، وقد صمَّم على عدم حل النزاع، بل دفعه جانبًا وهمَّشه.

طالما أشار نتنياهو إلى اعتقاده بأن إسرائيل ستستفيد، إذا ركَّزت بدرجة أقل على الصراع، وجادل بأن على الدولة أن تتخلى عن أي تنازلات كبيرة للفلسطينيين على الأرض، أو مطالب أخرى، وأن تحول اهتمامها بدلاً من ذلك، على سبيل المثال، إلى التهديدات الإيرانية، والمضي قُدُمًا اقتصاديًا.

وقال بفيفر: "لقد كانت حياته مهمة إلى حد كبير، لتهميش القضية، ورفع العبء عن إسرائيل".

ففي عام 2009، أصبح أول زعيم من حزب الليكود اليميني، الذي يتزعمه، يقول إنه يؤيد حل الدولتين، الذي يستلزم قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، لكنه بعد ست سنوات، تعهد بعدم قيام دولة فلسطينية "في عهده".

وأوضح بفيفر أن رؤساء الوزراء السابقين، حاولوا معالجة القضية الفلسطينية، مضيفاً: "لقد اتخذ بيبي سياسة عدم المحاولة، وقد نجحت، لقد أزال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من جدول الأعمال، سواء داخل إسرائيل، أو على الساحة الدولية".

تلاشى الموضوع من قلب السياسة الإسرائيلية، ففي استطلاع حديث لمنظمة بتسيلم لحقوق الإنسان، احتلت القضية الفلسطينية المرتبة السادسة، في أهمية الناخبين، وراء غلاء المعيشة والتعليم وتهديدات سيادة القانون، والمخاوف من أن إسرائيل ستكون معزولة دبلوماسياً.

يقول أنصار نتنياهو، إنه قضى وقتًا طويلاً في التفاوض مع القادة الفلسطينيين، لكنهم أضاعوا فرص صُنع السلام.

وقال دوري جولد، المسؤول السابق بوزارة الخارجية في عهد نتنياهو: "أعتقد أن التاريخ همَّش الفلسطينيين إلى حد كبير، لم يتطلب الأمر أي استراتيجية إسرائيلية".

لكن منتقديه، خاصة بين الفلسطينيين، يقولون إن نتنياهو لم يعترف بأن لديهم أي مطالبات أو مظالم مشروعة... "في ذهن نتنياهو، إسرائيل هنا إلى الأبد والفلسطينيون متطفِّلون".

تقول ديانا بوتو، محامية حقوق الإنسان الفلسطينية، التي تعيش في إسرائيل: "أعتقد أن ذلك تم ترسيخه في الخطاب، خلال فترة حُكم نتنياهو".

 

أصدقاء جدد وتحالفات متوترة

عام 2016، منتصف فترة ولايته، التي استمرت 12 عامًا رئيساً للوزراء، قطع نتنياهو اجتماعه مع رئيس باراغواي في القدس، لعرض خريطة ملونة للعالم، وقد صوَّر العدد المتزايد من الدول، التي أصبحت صديقة لإسرائيل.

وخلال فترة ولايته، ساعد في صفقات تاريخية، مع العديد من الدول العربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، واتفق الجميع على إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع إسرائيل.

يبدو أن اتفاقية إبراهيم هذه، التي توَّجت عقودًا من الذوبان في العلاقات العربية الإسرائيلية، تؤكِّد صحة مقولة نتنياهو بأن الدول العربية ستتطلع -نهاية المطاف- إلى ما وراء الصراع الفلسطيني، على أمل الاستفادة من براعة الأعمال والتكنولوجيا والأمن الإسرائيلية.

وقال جولد، الدبلوماسي الإسرائيلي الكبير: "لقد أثبت رئيس الوزراء، أن كثيرين مخطئون بشأن اتفاقية إبراهيم".

لكن بعض العلاقات القديمة عانت، ففي الشرق الأوسط -على سبيل المثال- توترت العلاقات مع الأردن، التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، قبل أكثر من 20 عامًا، وتوترت العلاقات مع الولايات المتحدة، أهم حليف لإسرائيل.

انفصل نتنياهو عن إدارة أوباما، بشأن الاتفاق النووي عام 2015، الذي وقَّعته إيران مع الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى، وضغط علناً ضدها. ثم تحالف بشكل وثيق مع الرئيس دونالد ترامب والجمهوريين، لدرجة أن الدعم التقليدي من الديمقراطيين لإسرائيل، بدأ التآكل.

كانت حماسة نتنياهو لترامب، جزءًا من ميل أوسع نحو الحكام المستبدين الشعبويين، الذي تبناه الرئيس الأمريكي السابق، وفقًا لدبلوماسي غربي كان مطلعًا على المداولات، بشأن تغيير موقف إسرائيل.

سافر نتنياهو إلى برازيليا لحضور حفل تنصيب جايير بولسونارو، واستضاف فيكتور أوربان المجري، وباع أسلحة للرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي.

وقال الدبلوماسي، الذي تحدَّث بشرط عدم الكشف عن هويته لـ "واشنطن بوست": "فجأة أصبح صديقًا لكل هؤلاء البلطجية، يبدو أن الأمر يتعلَّق بإظهار أنه جناح ترامب".

وبذلك، أبعد نتنياهو إسرائيل عن بعض الحلفاء في أوروبا، وأقام بداية فاترة لإدارة بايدن.

 

تنشيط القطاع الخاص وضعف الخدمات العامة

عندما دخل نتنياهو الحكومة، كان الاقتصاد يحمل طابعاً مؤسسياً اشتراكياً إلى حد كبير. كانت الصناعات الرئيسية -بما في ذلك شركات النفط، وشركة الطيران الوطنية، مملوكة للدولة. كما أعطت الحكومة الأولوية للإنفاق الاجتماعي، على المدارس والرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية.

كرئيس للوزراء ووزير للمالية بشكل منفصل، اتبع نتنياهو سياسات ساهمت في ظهور قطاع خاص أقوى، إلى جانب قطاع عام ضعيف. انضم نتنياهو، الحاصل على شهادة في الإدارة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى حملة لخصخصة الصناعات المملوكة للدولة، ودعا إلى خفض الضرائب على أرباح رأس المال، وتبسيط اللوائح، وترويض بعض البيروقراطية الإسرائيلية المجنونة.

يقول جوناثان ميدفيد، رئيس صندوق استثماري في القدس: "عندما جئت إلى هنا قبل 40 عامًا، كان عليك الانتظار عاماً، للحصول على خط هاتف مزعج".

اجتذب قطاع التكنولوجيا المزدهر في إسرائيل 10 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية العام الماضي، ويوظِّف الآن 10 في المئة من القوة العاملة.

قال ميدفيد: "ساعد بيبي في توفير بيئة لهذا الازدهار". وأشار إلى أن الطفرة التكنولوجية لها جذور عميقة، بما في ذلك تقليد الابتكار في الجيش وبرامج الحاضنة، إضافة إلى حوافز الاستثمار المقدَّمة قبل وصول نتنياهو إلى الساحة.

في الوقت نفسه، شهدت فترة ولايته تراجعًا في استثمارات القطاع العام، وخفضًا في مدفوعات الرعاية الاجتماعية، بينما ارتفعت نسبة الإسرائيليين الذين يعيشون في فقر إلى 21% خلال ولايته.

قال دان بن دافيد، أستاذ الاقتصاد، رئيس معهد شوريش في جامعة تل أبيب: "الطفرة التكنولوجية تحجب صورة أكبر: عدد متزايد من الناس ليسوا في اللعبة". وأضاف: "نحن ننظر إلى عدم المساواة الهائل في إسرائيل، هذا أيضًا تغيير".

يظهر تأثير هذه السياسات في المقاييس الاجتماعية، حتى قبل وباء كورونا، كانت المستشفيات الإسرائيلية تعاني إجهاداً بنسبة 90%، وهي أعلى نسبة بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذ يحصل الطلاب الإسرائيليون في المتوسط، على درجات أقل من تلك الموجودة في أي دولة غنية أخرى، في الرياضيات والعلوم والقراءة.