رحلة بايدن إلى أوروبا... نهاية وليست بداية جديدة

لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية، مستعدة لتغطية الفجوات الهائلة في دفاعات أوروبا المحلية، فضلاً عن نقص الطائرات الناقلة وقدرات الرفع الثقيل، هكذا أضافت الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن دول القارة العجوز تعاني نقصاً بالبنية التحتية لمواجهة التهديدات الإلكترونية، التي يتفوَّق فيها الروس.

رحلة بايدن إلى أوروبا... نهاية وليست بداية جديدة
جو بايدن

ترجمة - السياق

قالت وكالة بلومبرج الأمريكية، إن زيارة الرئيس جو بايدن إلى أوروبا، شهدت خطابات مثيرة، ورأت الوكالة -في تقرير- أن الارتياح المشترك، الذي خيَّم على مجريات الزيارة، في معظم العواصم الأوروبية، جاء بعد تغيير ساكن البيت الأبيض السابق دونالد ترامب.

رحب وزير الخارجية الدنماركي جبي كوفود، بنظيره الأمريكي أنتوني بلينكين في كوبنهاجن، قبل وصول بايدن إلى بريطانيا، لحضور اجتماع مجموعة الدول السبع، وفي استقباله للضيف قال كوفورد: "اليوم يوم جيد للدنمارك، ومرحلة جديدة من التعاون عبر الأطلسي، لأن أمريكا عادت اليوم".

 

ترحيب حار

وبحسب التقرير، فإن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أفرط في الترحيب بالعودة الأمريكية، متحدِّثًا عن العلاقة التي لا يمكن تدميرها، بين بريطانيا والولايات المتحدة، بينما اقترح إصدر ميثاق الأطلسي الجديد، مذكِّرا بميثاق 1941.

ووقَّع بايدن وجونسون، "ميثاق الأطلسي الجديد"، في سان إيفز بمدنية كونول البريطانية، الذي تضمَّن 8 نقاط، بينها تأكيد مسؤولية البلدين المشتركة، عن حفظ الأمن الجماعي والاستقرار الدولي، ومواجهة التهديدات الإلكترونية.

إلا أنه مع ذلك الترحيب، الذي قوبلت به العودة الأمريكية، فإن قمة مجموعة السبع، بحسب بلومبرج، لا تفعل الكثير لتغيير المسائل المستعصية على الحل، مشيراً إلى أن الصين وليس روسيا، محور اهتمام الولايات المتحدة.

 

رجل روسيا القوي

من ناحية أخرى، أوضح التقرير، أن بريطانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة، قبل البريكست، من الدول الغنية، التي كانت على استعداد لدفع حصة مقبولة من ميزانيتها للدفاع، إلا أنه لا يمكن لأحد، أن يوافق على مزيج العصا والجزرة المناسب، في مخطابة رجل روسيا القوي فلاديمير بوتين.

وأكَّد التقرير، ضرورة تدشين استراتيجية مشتركة مدروسة، بين التكتل الغربي لمواجهة روسيا، بدلاً من مجرد تعاقب ردود الأفعال، على مبادرات الكرملين.

واستبعد التقرير، أن يثمر اجتماع بوتين وبايدن المقبل، نتائج جوهرية، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي، لا يمكنه تقديم الشيء الوحيد الذي يحتاجه نظيره الروسي بشدة، وهو "رخصة" بمواصلة التصرُّف كيفما شاء.

ومن المقرَّر أن يجتمع الرئيس الأمريكي جو بايدن، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في 16 يونيو الجاري بجنيف، في قمة ستبحث تدهور العلاقات بين الكرملين والغرب، والاستقرار النووي الاستراتيجي.

أوروبا تتهرَّب من المواجهة

أشارت "بلومبيرج" إلى حادث إرغام بيلاروسيا طائرة مدنية، عبرت أجواءها، على الهبوط، لاعتقال معارض بيلاروسي كان فيها، الأمر الذي أيَّدته روسيا، في موقف كشف "بشاعة قيادة العصابات في موسكو"، بحسب التقرير، في الوقت الذي أكَّد فيه رئيس المخابرات الألمانية، أن أنشطة التضليل الروسية والتدخل في سياسة ألمانيا، وصلا إلى مستويات الحرب الباردة.

مع ذلك المستوى، الذي وصلت إليه موسكو، فإن أغلبية الحكومات الأوروبية، تتهرَّب من المواجهة مع موسكو، ومن تبني الإجراءات اللازمة للاستعداد لها.

وأشارت "بلومبيرج" إلى أن بعض تلك الحكومات تبرِّر الإحجام عن زيادة الإنفاق الدفاعي في بلادها، أو محاولة فرض عقوبات أكثر صرامة على موسكو، بأن طموحات بوتين والطبقة الحاكمة في روسيا، تكمن في الحفاظ على مناصبهم وزيادة ثرواتهم.

 

التسلُّح الروسي

وتساءلت "بلومبرج" عن الهدف من سباق التسلُّح الروسي، رغم أن الكرملين لن يخوض أو يبدأ حربًا ضارية مع الغرب، إلا أنها أكَّدت أن سياسة الرئيس بوتين، تعتمد على إثارة الأعمال العدوانية في محيطه القريب، لتعزيز سُلطته في الداخل.

فلم تعد الولايات المتحدة الأمريكية، مستعدة لتغطية الفجوات "الهائلة" في دفاعات أوروبا المحلية، فضلاً عن نقص الطائرات الناقلة وقدرات الرفع الثقيل، هكذا أضافت الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن دول القارة العجوز تعاني نقصاً بالبنية التحتية لمواجهة التهديدات الإلكترونية، التي يتفوَّق فيها الروس.

 

التجارة لا المواجهة

تابع التقرير: تهتم فرنسا وإيطاليا وألمانيا، بالتركيز على التجارة، لاسيما خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الممتد من روسيا إلى ألمانيا، لكن الحكومة البريطانية تتبنى خطابًا عدائيًا وشديد اللهجة ضد موسكو، إلا أنها تفتقر إلى الجرأة الكافية للتصعيد مع الكرملين، لأنها ستتضرَّر أكثر بخروج المستثمرين منها، في إشارة إلى نزوح رجال الأعمال، إثر أي توترات.

وأشارت "بلومبيرج" إلى أن حلفاء أمريكا من الأوروبيين، أصبحوا قلقين بشأن ساكن البيت الأبيض الجديد، فالرئيس بايدن ومستشاروه، يتمهلون في تبادل الثقة مع الأوروبين المتحمِّسين بشكل مثير للشفقة لها، على عكس ما فعله سلفه دونالد ترامب، الذي أدار معركة الصدامات والإهانات نيابة عنهم.

ودللت الصحيفة على فرضيتها قائلة، إن حلفاء منظمة حلف شمال الأطلسي، أصيبوا بالصدمة من قرار الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان في وقت لاحق من هذا العام، الذي كان دعوة شخصية من بايدن، خالف فيها نصائح البنتاجون.

وفي أبريل الماضي، بعد نحو عقدين من تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان، وإسقاط نظام حكم حركة طالبان، قرَّرت واشنطن سحب قواتها، في موعد أقصاه الذكرى العشرون لهجمات 11 سبتمبر.

 

حلفاء الأطلسي

أشارت "بلومبيرج" إلى أن حلفاء الأطلسي، أصبحوا مجبرين على التصالح مع حقيقة أن الرئيس الأمريكي ليس صديقًا لبوتين، وأن جيران روسيا القاريين، سيتعين عليهم تحمُّل العبء الأكبر في إدارة علاقة الغرب معه.

وفي هذا الصدد، قال مسؤول فنلندي بارز لـ"بلومبرج": "إن الشيء الوحيد الذي يفهمه بوتين هو القوة"، بينما عقَّبت الصحيفة قائلة، إنه أمر صحيح بلا شك.

وقالت الصحيفة، إن الغرب أغنى بكثير من روسيا، التي لديها ناتج محلي إجمالي بحجم إسبانيا، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي ينفق فيه الأوروبيون نحو 270 مليار دولار على ميزانيات الدفاع، تنفق موسكو نحو 60 مليار دولار فقط، إلا أن الأخيرة تمكَّنت -عبر استخدام قوتها- من تحقيق أهداف سريعة ومحدودة، مثل الاستيلاء على شبه جزيرة القرم وشرقي أوكرانيا عام 2014، وهجوم عام 2008 على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا على حساب جورجيا، في ثقة منها بأن الغرب لن يكون له أي رد عسكري.

 

دولة ضعيفة

أكدت "بلومبرج"، أنه رغم أن بوتين يقود دولة فقيرة نسبيًا، فإنه يلعب بمهارة، فالقوات المسلحة الروسية، هي المؤسسة الوحيدة في موسكو، التي ازدادت قوتها في عهده، مشيرة إلى أن الروس يتدرَّبون على الهجوم، بدلاً من الدفاع، كونهم واثقين بأنه لا يوجد عدو خارجي، يطمح إلى غزو أراضيهم.

ونقلت الصحيفة عن خبير الاستراتيجيات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، باري بوسن، قوله، "حتى لو انسحبت أمريكا عسكريًا من أوروبا، فإن حلفاء الناتو الأوروبيين، قادرون على الدفاع عن أنفسهم ضد العدوان الروسي، ضاربة مثالاً على ذلك، بالاستيلاء على أراضٍ في بحر البلطيق، الأمر الذي من شأنه أن يثير غضب الأوروبيين".

 

تماسُك الناتو

تصريحات بوسن، اعترض عليها خبراء في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، مؤكدين أنه من المعقول، أن يكون بعض الأوروبيين غاضبين، وآخرون خائفين، بينما يعتقد فريق ثالت أن القتال لا يمثِّل مشكلة، مشيرين إلى أن تماسك حلف الناتو لم يكن من الدعائم القوية، في السنوات الأخيرة.

وقالت «بلومبرج»، إنه بصرف النظر عن ملاءمة ميزان القوى على الورق للغرب، فإن موسكو تتمتَّع بميزة نفسية، مشيرة إلى أن بوتين يبرَّر استبداده لشعبه بتقديم الغرب على أنه تهديد، لكنه مع ذلك، يعلم أن الخطر الحقيقي يتمثَّل في الاضطرابات الداخلية أو التمرُّد في روسيا وجيرانها مثل بيلاروسيا.

محرضون غربيون

وأكَّدت الصحيفة، أن بوتين يلقي باللوم على الاحتجاجات التي تندلع، وأعمال التخريب التي قد تحدث، على مَنْ يصفهم بالمحرِّضين الغربيين، لذلك يرد بقمع لا رحمة فيه.

وأضافت الصحيفة، إن كان بوتين يعتقد أن الغرب يعمل بشكل منهجي على مقاومة حكمه، فإن هدف سياسة الرئيس الروسي الخارجية الأول، هو تعزيز عدم الاستقرار بين دول الناتو، كون هذا الإجراء يضعف ثقة الحلفاء وسُلطاتهم في تحدي مغامراته.

وأكدت أن موسكو تسعى إلى توسيع دائرة نفوذها، لتشمل الدول التي كانت ذات يوم من مكونات الاتحاد السوفييتي، مشيرة إلى بوتين ينظر إلى البحر الأسود على أنه بحيرة روسية، وهو ما يفسِّر غضب موسكو عندما اقترحت البحرية الأمريكية، إرسال سفينتين حربيتين في مهمة، إلا أن تلك المهمة ألغيت في وقت لاحق.

وكانت الولايات المتحدة، أبلغت تركيا، في أبريل الماضي، بعبور سفينتين حربيتين تابعتين لها، من المضيقين التركيين (الدردنيل والبوسفور) إلى البحر الأسود، إلا أنها عادت في وقت لاحق، وألغت المهمة، وسط مخاوف من حشد عسكري روسي على حدود أوكرانيا.

 

رد عنيف

وقالت «بلومبرج»، إن بوتين سيرد بقوة، وربما بعنف، على أي خطوة من شأنها ضم أوكرانيا، إما في الناتو أو الاتحاد الأوروبي، ما سيسبِّب الكثير من المشكلات في دول البلطيق.

وأشارت إلى أنه بعد عقود من الحياد المتهاون، أصبح السويديون قلقين من عدوانية روسيا، وبدأوا اتخاذ خطوات لتعزيز دفاعاتهم بجدية أكبر، مؤكِّدة أنهم يخطِّطون لزيادة الإنفاق العسكري بنسبة 40% بحلول عام 2025 (وربما عضوية الناتو).

وكشفت عن أكثر الظواهر المروِّعة في القرن الحادي والعشرين، صعود ما تسمى "الأممية القومية"، وهي تحالف فضفاض من القوى غير الديمقراطية وغير الليبرالية، وفي مقدمتها الصين وروسيا.

 

دعم الديكتاتوريين

ونوَّهت الصحيفة إلى أن "العمالقة" يسارعون الخطى، لتقديم الدعم للديكتاتوريين المتشابهين في سياساتهم في كل قارة، كونهم يثقون أنهم من خلال ذلك، يقلِّلون فاعلية الديمقراطية، إلا أن ما ساعدهم بشكل أكبر، إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي أظهرت استعدادًا مذهلاً لـ«الانغماس مع الطغاة».

وأشارت إلى أن رحلات بايدن الأوروبية، يجب أن تكشف له عن انقسام الرأي القاري بشدة، بشأن كيفية إدارة روسيا، فدول البلطيق تريد ضمانات أمنية صارمة من الناتو، كونهم يعارضون مثل البولنديين، خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي يزيد نفوذ موسكو على أوروبا الغربية.

بينما يقف على النقيض من ذلك، الفرنسيون والإيطاليون، الذين يسعون إلى تعظيم تجارتهم مع روسيا، أضف إلى ذلك أن الرأي الألماني منقسم هو الآخر بشأن إدارة روسيا.

وقالت "بلومبرج"، إن ما يسمى "تفهُّم روسيا"، وهو فصيل يضم أقصى اليمين، إضافة إلى جزء كبير من مجتمع الأعمال معاد لأمريكا، لا ينزعج من سحق بوتين لحقوق الإنسان.

وأشارت إلى أن معسكر أتلانتيكر الألماني، الذي كانت المستشارة أنجيلا ميركل حاملة لواءه، يدعم الردود الحازمة نسبيًا على التجاوزات الروسية، بما في ذلك العقوبات، إلا أنها قالت إن ميركل في طريقها للخروج، بينما العقوبات المفروضة ضعيفة.

وأكَّدت أنه رغم نجاح ميركل في تمرير «نورد ستريم 2»، فإن الكرملين رد على المشروع، باغتيال قائد شيشاني سابق، في حديقة تيرغارتن، وسط برلين.