الاستقالة والحذر والأمل... رد فعل الأفغانيات على سيطرة طالبان

عندما استولت طالبان على كابل مرة أخرى في 15 أغسطس المنصرم، وأرسلت رسائل صادمة، عن شكل الحُكم عبر دولة ضعيفة بالفِعل، كانت ابنتاها عازمتين على المغادرة.

الاستقالة والحذر والأمل... رد فعل الأفغانيات على سيطرة طالبان

ترجمات - السياق

يبدو السوق الرئيس في كابل، مزدحمًا كما كان، حيث يتنقل الباعة والعملاء -رجالًا ونساءً- عبر الزحام والضجيج، لكن ثمة خوف وسط النساء، من أنهن مع عودة طالبان إلى السُّلطة في أفغانستان، سيواجهن القيود نفسها التي واجهنها خلال حكم الجماعة، بين عامي 1996و2001، عندما مُنحت النساء القليل من الحقوق، وكن محصورات إلى حد كبير في منازلهن، وغير قادرات على البحث عن فرص تعليمية أو مهنية.

وسلَّطت صحيفة  The Nationalالضوء على أوضاع النساء بعد سيطرة طالبان، عبر التحدُّث إلى ثلاث أفغانيات -مراهقة وشابة مهنية وامرأة أكبر سنًا- عن آمالهن ومخاوفهن من المستقبل.

 

من المسؤول؟

سألت الصحيفة، الأفغانية الأولى عن أحوالها في ظِل حُكم طالبان، فأشارت إلى صور عائلتها على تليفونها الخاص، قائلة: مَنْ الذي يتحمَّل المسؤولية عن هذا؟

 ووصفت الصحيفة حال المرأة قائلة: مرَّت بلقيس، 61 عامًا ، بلهفة عبر هاتفها، وشدَّت حجابها قليلًا للخلف، وكشفت عن شعر كستنائي مصبوغ باللون البني وجذور رمادية، ثم قالت: "هؤلاء بناتي"، وهي تضغط على الشاشة مع ظهور وجوه امرأتين، واحدة على كل جانب منها في الصورة، مضيفة: كلاهما غادر الأسبوع الماضي، واحدة للولايات المتحدة والأخرى إلى كندا.

مشيرة إلى أن زوجها توفي منذ 15 عامًا "وغادر معظم أقاربي الآخرين أفغانستان الأسبوع الماضي عبر المطار"، ثم همست -حسب وصف الصحيفة- والدموع تملأ عينيها، ثم تتدفق بلا حسيب ولا رقيب، وهي تتلعثم قائلة: "ما زلت هنا وحدي".

وأضافت الصحيفة -في تقرير- أرادت بلقيس المزيد من الأطفال، ولكن بعد خمس حالات إجهاض ووفاة أطفال، توقَّفت عن المحاولة وكرَّست حياتها لابنتيها، وكلتاهما الآن في أوائل الثلاثينيات من العمر، مشيرة إلى أنهما عندما نشأتا في ظِل حكم طالبان الأول، علَّمتهما بلقيس، وهي مدرسة سابقة، داخل جدران غرفة المعيشة.

وذكر التقرير، أنه عندما استولت طالبان على كابل مرة أخرى في 15 أغسطس المنصرم، وأرسلت رسائل صادمة، عن شكل الحُكم عبر دولة ضعيفة بالفِعل، كانت ابنتاها عازمتين على المغادرة، وتقول بلقيس عن هذا الموقف: "لم تكونا مستعدتين للتخلي عن حرياتهما والوظائف التي بنتاها خلال عقدين من الديمقراطية المدعومة من الغرب في أفغانستان".

وأضافت بلقيس: "لا نعرف ما الذي سنواجهه تحت حُكم طالبان هذه المرة، لكن غضب الشعب الأفغاني ليس معهم فقط، فلقد دمَّر الأمريكيون بلدنا، ومن ثم فإن مصير مستقبل المرأة الأفغانية مسؤوليتهم، لذلك يجب أن تتم محاسبتهم على الفوضى التي تسببوا فيها هنا".

وترى بلقيس، أن العيش تحت حُكم طالبان ليس همها الرئيس، إذ قالت وهي تمسح دموعها: "لقد فعلت ذلك من قبل، لكن ما يحطمني هو أن عائلتي تمزَّقت الآن، وأصبحت وأنا في سن الشيخوخة وحيدة، فمن يتحمَّل مسؤولية ذلك؟ طالبان أم الأمريكيون؟ أنا لا أعرف".

 

أشعر بالأمان

تحدَّث التقرير عن أفغانية أخرى، هي سوتارا، البالغة من العمر 15 سنة، التي بدت -حسب الصحيفة- متفائلة وصريحة، وهي تتسوق مع والدتها وشقيقاتها لشراء الملابس، إذ يعود أصلها إلى ولاية تخار الشمالية، وقد جاءت عائلتها إلى كابل قبل ثلاثة أشهر هربًا من القتال في مسقط رأسها، وانتقلت للعيش مع أقاربها في العاصمة الأفغانية.

ورغم أن استيلاء طالبان على السُّلطة مفاجأة لها، فإن سوتارة قالت إن الأمر لم يتغير كثيرًا في روتينها بكابل، وأضافت بثقة: "اليوم، أنا خارج المنزل للتسوق لشراء الأحذية وأشعر بالأمان"، لكنها اعترفت بأنها قلقة من المستقبل.

واستطردت سوتارا: "لقد التحقت بالمدرسة وتعلَّمت اللغة الإنجليزية أيضًا، فالتعليم مهم بالنسبة لي، وأريد التخرج، ثم قالت بلغة إنجليزية ممتازة، وهي تقف في السوق المزدحم بجوار والدتها وأختها: "أخشى ألا يكون ذلك ممكنًا في ظِل حُكم طالبان".

وأشار التقرير، إلى أن والد سوتارا بقي في المنزل، تاركًا النساء للتسوق، وقالت: "آمل أن نتمكن من الخروج مثل الآن في المستقبل.. وآمل ألا تقف الحكومة الجديدة في طريق أحلامي".

 

ما تحتاجه الأفغانيات

ونقل التقرير عن "مينا" -اسم مستعار- البالغة من العمر 30 عاماً، وهي جالسة على جانب الطريق، قولها: إنها شعرت بأن العودة إلى العمل كطبيبة في مستشفى عسكري، كان يتبع القوات المسلَّحة الأفغانية أمر "خطير للغاية"، مشيرة إلى أنها غادرت المنزل معظم الأيام، رغم أنها كانت تغطي وجهها وغالبا ما كانت برفقة والدتها.

كانت طالبان قالت إن العاملات في المجال الطبي يمكنهن العودة إلى العمل، وقد فعل الكثير منهن ذلك، لكن مينا اختارت الانتظار، وأوضحت: "بمجرد أن تهدأ الأمور ، سأجد وظيفة جديدة" ، قائلة إنها واثقة من العثور على عمل حتى في ظِل حُكم طالبان.

وقالت مينا: "في الوقت الحالي، أنا أراقب الموقف وأحاول عدم لفت الانتباه كثيرًا إلىّ"، لذلك طلبت من الصحيفة حجب اسمها الحقيقي، وأضافت: "عندما تعلن طالبان الحكومة، سأبحث عن وظيفة، خصوصًا كطبيبة" ، مشيرة إلى أن الأفغانية بحاجة إليها خلال الفترة المقبلة، ومن ثم لم تتخل عن عملها الأصلي كطبيبة.

من جانبهم، أعرب نشطاء حقوق المرأة والسياسيون السابقون في أفغانستان، عن قلقهم من المستقبل في ظِل حُكم طالبان، لكن معظمهم يرفضون التخلي عن الأمل.

وأشار التقرير، إلى أنه خلال الأيام الماضية ، نزلت النساء إلى الشوارع في مدينة هرات الشمالية الغربية وكذلك كابل، للمطالبة بحقوق التعليم والعمل.

وقالت شهرزاد أكبر، رئيسة اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان: "لقد قاومت النساء دائمًا"، إلا أنها اضطرت إلى مغادرة البلاد بعد استيلاء طالبان على السُّلطة، لكنها تأمل العودة، وقالت: "لديّ بعض الأمل، وهذا يأتي من نساء أفغانستان الشجاعات".