ما مصير أطفال داعش بمخيمات الاعتقال في سوريا؟
العديد من النساء والأطفال وعددًا قليلًا من الرجال يقبعون في معسكرين للاحتجاز وسط الصحراء شمالي شرق سوريا، من دون مخرج، حيث تخلت عنهم حكوماتهم.

ترجمات - السياق
بعد مرور نحو ثلاث سنوات على دحر التنظيم، يظل التساؤل عن مصير آلاف الأطفال، الذين قدموا للعيش تحت حكم داعش في سوريا، إما طواعية وإما بالإكراه.
وذكرت مجلة فورين أفيرز، أن العديد من النساء والأطفال وعددًا قليلًا من الرجال يقبعون في معسكرين للاحتجاز وسط الصحراء شمالي شرق سوريا، من دون مخرج، حيث تخلت عنهم حكوماتهم، مشيرة إلى أن بقاءهم هناك "قنابل موقوتة قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة".
وأشارت المجلة إلى أن بعض سكان هذين المخيمين ينتمون إلى داعش، في حين كان الآخرون ضحايا للاتجار بالبشر والاستمالة عبر الإنترنت، بينما اقتيد آخرون -كأطفال- للانضمام إلى التنظيم الإرهابي، أو العيش في الأراضي التي يسيطر عليها، وجرى تهجيرهم أو تخييرهم أو إجبارهم على العيش في ظل التنظيم الإرهابي.
المخيمات
وعن الحياة في المخيمات، بينت "فورين أفيرز" أنه جرى بناء المخيم الأكبر (الهول) في البداية للاجئين العراقيين عام 1991، بينما شُيد الأصغر (روج) عام 2014، لإيواء العائلات الفارة من العراق.
وأشارت إلى أن كلا المعسكرين توسع بشكل جدي عام 2019، بعد أن احتلت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، مدينة الباغوز، آخر معاقل داعش في سوريا.
وحسب المجلة، تختلف تقديرات عدد سكان المخيمات، لكن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تشير إلى أن العدد الإجمالي يزيد على 60 ألف شخص، أكثر من 80 في المئة منهم من النساء والأطفال، بينما في مخيم الهول، تتجاوز نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 12 عامًا، 50 في المئة (ما يقدر بنحو 30 ألف طفل)، وفي (روج) ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 55 في المئة، وفقًا لمؤسسة أنقذوا الأطفال الخيرية.
وتكشف المجلة الأمريكية، أن السكان في المخيمين يعانون الفوضى وانعدام الأمن، ويواجهون سلسلة من المآسي، بما في ذلك العنف والجوع والأمراض وانعدام التعليم.
وذكرت أن سكان المخيمين ينتمون إلى 59 دولة، مشيرة إلى أنه رغم أن أغلبية سكان المخيمين من السوريين والعراقيين، فإن هناك أكثر من 11000 سجين من جميع أنحاء العالم.
وأوضحت أن العديد من تلك البلدان، ترفض السماح لمواطنيها بالعودة إلى ديارهم، لافتة إلى أنه بدلاً من التعامل مع المشكلة الشائكة المتمثلة في إعادة الذين سافروا إلى العراق وسوريا للانضمام إلى داعش، ومحاسبة هؤلاء الأشخاص، فإنهم يتركونهم في رعاية قوات سوريا الديمقراطية -المدعومة من الولايات المتحدة- التي لا تملك القدرة على التعامل مع حاجات هؤلاء، خصوصًا أن معظمهم مصابون بصدمات نفسية، نتيجة ما مروا به وتعرضوا له.
وأشارت إلى أن هذا التعامل مع الاعتقال الجماعي التعسفي -لاسيما للنساء والأطفال- يتعارض مع القوانين الدولية، التي من المفترض أنها معنية بحماية حقوق الأطفال.
جهنم على الأرض
وترى "فورين أفيرز" أن بقاء هؤلاء الأطفال يُعد خطرًا على المنطقة، مشيرة إلى أن الفشل في إغلاق مواقع الاحتجاز هذه، يقوض استقرار المنطقة الأوسع، مع عواقب أخرى قد تتجاوز ذلك بكثير.
ونبهت إلى أنه قد يشعر الأطفال -الذين نشأوا في بؤس مدقع وقمع على الأرجح- بالعزلة عن المجتمع، ما يجعلهم أهدافًا مثالية للتجنيد من قِبل الجماعات الإرهابية، مشيرة إلى أنه قد ترفض البلدان إعادتهم إلى أوطانهم باسم الحماية من الإرهاب، لكنها بذلك تفتح دائرة جديدة من المعاناة والاغتراب.
وذكرت المجلة الأمريكية، أن عشرات الآلاف من النساء والأطفال، المحتجزين في مخيمي الهول وروج، لم يخضعوا لأي إجراءات قانونية، كما لم توفر لهم أي أوراق ثبوتية، ومن ثمّ لا يُعرف حتى الآن الدور الذي لعبوه أثناء وجودهم تحت سيطرة التنظيم الإرهابي، مشيرة إلى أن معظم هؤلاء الأطفال تقل أعمارهم عن 12 عامًا.
وقالت: "في الواقع، قلة من هؤلاء الأطفال يعرف تاريخهم، ورغم أن كل طفل من هؤلاء وصم بأنه ينتمي للإرهاب بسبب انضمام والديه للتنظيم، وأن القليل منهم لديه شهادات ميلاد أصدرها التنظيم خلال وجوده في السلطة، فإن تلك الأوراق لم يعترف بها في بقية أنحاء العالم، وتختلف القصص المتداولة عن أمهاتهم، لكن هناك حالات يمكن القياس عليها، حيث إن الرحلة التي خاضتها الأمهات تتشابه في معظم الأحيان".
واستشهدت المجلة بطفلة تدعى شميمة بيجوم، تعيش في مخيم الهول، والمولودة لأبوين بنغاليين عاشا في المملكة المتحدة، مشيرة إلى أنها انضمت إلى داعش وهي طفلة في الـ 15 من عمرها، بعد استقطابها عبر الإنترنت، وسافرت مع ثلاثة من أصدقائها حتى وصلت إلى الأراضي السورية، وهناك تزوجت مقاتلًا في التنظيم، وأنجبت طفلين، توفيا قبل أن تتم الـ 18 من عمرها، بينما رزقت بطفل ثالث توفي بسبب الالتهاب الرئوي، نظرًا لانعدام الرعاية الصحية.
وأشارت "فورين أفيرز" إلى أنه عام 2019 أسقطت الجنسية البريطانية عن "شميمة"، من قِبل حكومتها، بدعوى أنها تشكل تهديدًا للأمن القومي، كونها متعاطفة مع الإرهابيين، ومن ثمّ تم منعها من العودة بشكل دائم إلى وطنها، وهي الآن عديمة الجنسية، من دون أن تنظر الحكومة البريطانية لحداثة سنها، وأنه جرى تجنيدها وهي مازالت طفلة.
وحسب المجلة، فإن القانون نفسه الذي أسقط الجنسية عن "شميمة"، يعترف بأنها كانت ضحية اغتصاب قانوني بمجرد انتقالها إلى سوريا، حيث كانت تعيش تحت سيطرة داعش، لكن لم يهتم أحد بقضيتها، كونها من الأقليات الدينية والعرقية في بريطانيا، ما سهل تجريدها من الجنسية.
وترى المجلة الأمريكية، أن تجربة "شميمة"، ليست فريدة من نوعها، فأغلبية القصص تتشابه، وبالطبع حياتهم في المخيمات ليست آمنة، مشيرة إلى أن تلك المعسكرات محمية ويستحيل الخروج منها، بينما يعاني السكان الظروف الجوية، مثل الرياح التي تجعل الخيام تطير وتنهار، والأرض مليئة بالأمطار والصرف الصحي الملوث، إضافة إلى أكوام القمامة المتراكمة، والإمدادات غير الأساسية من قِبل الجماعات والمنظمات الإنسانية، مثل "أطباء بلا حدود"، التي أفادت بأن المخيمات "مليئة بأمراض لم تعالج".
تخلي الأوطان
وترى "فورين أفيرز" أن حياة هؤلاء الأطفال تزداد سوءًا كل يوم، إذ أن بلدانهم الأصلية ترفض عودتهم، خصوصًا حين يكون هذا البلد عضوًا في التحالف الدولي ضد داعش.
وبينت أن من المفارقات، قدرة هذه البلاد على نشر موادها العسكرية والاستخباراتية في المنطقة، رغم فشلها في توفير ممر آمن لهؤلاء لأطفال، واستحالة توفير الوثائق الضرورية، وفي الوقت ذاته، توفير ما هو أساسي في السجون، التي تساعد في احتجاز مواطنيها الشباب إلى أجل غير مسمى، من دون محاكمة عادلة.
وضربت المجلة مثالًا بكندا، التي عملت على إعادة توطين عدد محدود جدًا من الأطفال، منهم الطفلة اليتيمة "أميرة- 5 أعوام"، التي عادت لكندا في أكتوبر 2020، بسبب ضغوط من عمها والأمم المتحدة، بعدما قُتل والداها -وهما كنديان- وإخوتها الثلاثة، في غارة، لكن بقي هناك 46 امرأة وطفلًا يعانون في المعسكرات.
واقع مؤلم وحل وحيد
ووصفت "فورين أفيرز" الواقع اليومي لهؤلاء الأطفال بالمروع والمؤلم، حيث يفصلون عن أمهاتهم عندما يتجاوزون عتبة السنوات العشر، وينقلون إلى أماكن احتجاز مزدحمة، أو مراكز إعادة تأهيل، تفتقر حتى إلى أبسط الحاجات مثل (الفراش والمراحيض)، إضافة إلى سوء التغذية، حيث يعاني المحتجزون في هذه المرافق، الجرب وأمراضًا جلدية، وهم أكثر عرضة للسل وكورونا، بخلاف زيادة خطر الإصابة بفيروس الإيدز، بسبب زيادة تعرضهم للعنف الجنسي.
وعن المخرج لإنقاذ هؤلاء الأطفال، سواء من الوقوع في أيدي الإرهابيين، أم الإصابة بأمراض مزمنة، أكدت المجلة الأمريكية، أن الحل الوحيد المجدي لإنهاء هذا الكابوس، ضمان إعادة المقيمين الأجانب إلى أوطانهم.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة أعادت بالفعل 27 من رعاياها، وقدمت الدعم اللوجستي والأمني لتأمين نقلهم من الحدود العراقية، وكذلك أوزبكستان، التي أعادت 521 شخصًا من المخيمات ودمجهم وإعادة تأهيلهم بمجرد عودتهم إلى الوطن.
وشددت على أن إعادة هؤلاء الأطفال إلى أوطانهم، تتطلب دعم وكالات الأمم المتحدة المتخصصة مثل "يونسيف" التي اعتمدت على خبرتها لتسهيل الاندماج وتقديم الدعم على المدى الطويل.
كذلك -تضيف المجلة- تغيرت مواقف بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا والدنمارك، من رفض لإعادة النساء والأطفال، إلى قبول نسبي، حيث أعيد عدد كبير من النساء والأطفال العام الماضي، من دون أي آثار سيئة، لكن معظم البلدان الأخرى لا تزال غير راغبة في فعل الأمر نفسه.