اغتيال معنوي... ما وراء الحملة الإعلامية للإخوان ضد وزيرة الهجرة المصرية؟
حملة ضد وزيرة الهجرة المصرية... هل نجحت نظرية خرطوم الأباطيل الإخوانية؟

السياق
«اغتيال معنوي»، سياسة قديمة جديدة، ينتهجها «الإخوان»، ضد شخصيات ودول بعينها، في محاولة لتصفية حسابات، أو هدم أركان دولة تحاول الخروج من الكبوات التي ورطها فيها التنظيم الدولي.
إحدى تلك الدول، كانت مصر، التي ما زالت تعاني الآثار الكارثية التي خلفها تنظيم الإخوان، إبان فترة حكمه، التي وإن لم تدم سوى عام واحد، إلا أن تبعاتها ظلت تلاحق البلد الإفريقي حتى اليوم.
إلا أن التنظيم الدولي، الذي زرع الإرهاب في شمال سيناء لإرهاق الدولة المصرية، فشل في معظم خططه الهادفة لـ«تركيع»، البلد الإفريقي، فاتجه إلى النيل من سياسييه ووزرائه، لتقع وزيرة الدولة لشؤون الهجرة في شباك الاخطبوط الدولي.
تلك الجماعة (الإخوان)، وجدت ضالتها في قضية يحاكم فيها نجل وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم في الولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية اتهامه بالتورط في قتل شخصين، إلا أنه لم يصدر حكم فيها حتى اللحظة، ما يجعل براءته ممكنة، بل قد تكون مؤكدة.
وبعيدًا عن القضية التي يحاكم فيها الشاب المصري، التي تكهن الإخوان بأنه مدان فيها، حاول التنظيم الدولي، شن حملات شخصية ضد الوزيرة المصرية، التي كان لها مواقف ضد تيار الإسلام السياسي، فحاول الأخير الاصطياد في الماء العكر، وتجاوز الجانب المهني الخاص بنشر الحقائق، إلى التشهير بالأسرة.
ذلك الموقف، عدَّه متخصصون في ملف الإسلام السياسي تجسيدًا لإحدى آليات تنظيم الإخوان الإرهابي، في إدارة صراعه مع خصومه، عبر «الاغتيال المعنوي»، مستخدمًا التشهير والتدليس، مؤكدين أن تلك السياسة تنطلق من أسس عقائدية وفكرية تجرى تربيتهم عليها، في سياق كيفية إدارة الصراع وهزيمة «أعدائهم».
خرطوم الأباطيل
إلى ذلك، قال عمرو فاروق الباحث في شؤون تيارات الإسلام السياسي، في تصريحات لـ«السياق»، إن جماعة الإخوان تتعامل مع الدولة المصرية ومؤسساتها ورموزها في تلك المرحلة، من منطلقات عقائدية، وفي إطار «حالة من العداء والكراهية والشماتة في الأزمات التي تواجهها، على المستوى السياسي أو الاقتصادي».
وأضاف فاروق، أن الحملات الإعلامية التي تنتهجها جماعة الإخوان للنيل من رموز الدولة المصرية، تعتمد على فكرة تدمير الصورة الذهنية لرموز الدولة المصرية، ومحاولة اغتيالهم معنويًا، من خلال التأثير النفسي في الدوائر المجتمعية.
وأشار الباحث في شؤون تيارات الإسلام السياسي، إلى أن جماعة الإخوان -خلال السنوات الثماني الماضية- عملت على إسقاط النظام السياسي في مصر، من خلال استراتيجيات «حروب الجيل الرابع والخامس»، التي تعتمد على توظيف التكنولوجيا وتكثيف الشائعات والأكاذيب، وفقًا لنظرية «خرطوم الأباطيل»، واعتبارها السلاح الأقوى في صناعة حالة الفوضى التي يجرى بها إرباك المواطنين لتفكيك تماسك الجبهة الداخلية، وخفض الروح المعنوية، لإحداث فجوة بينهم وبين مسؤولي الدولة المصرية.
المظلومية التاريخية
وأكد فاروق أن جماعة الإخوان كثفت نشاط أبواقها الإعلامية ولجانها الإلكترونية، منذ اللحظات الأولى لإعلان واقعة اتهام نجل السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة، لاستثمارها في تحقيق مبتغاها من تشوية سمعة النظام المصري، فضلًا عن توظيفها فكريًا وعقائديًا وفقًا لأدبياتها التنظيمية، في تأكيد فكرة «الانتقام والعقاب الإلهي» من خصومها، في إطار حالة من الخداع وتزييف الواقع واستنطاقه بما يحقق لها «المظلومية التاريخية» أمام أتباعها وأنصارها من حركات الإسلام السياسي.
إلا أن لجوء الإخوان إلى تشويه الخصوم والنيل من سمعتهم وحياتهم الخاصة، ليس بالجديد، فتاريخ التنظيم مليء بالكثير من الوقائع، التي اتجه فيها لترويج الشائعات والأكاذيب، مثلما فعل مع الملك فاروق، والرئيس جمال عبدالناصر، وكذلك الرئيسين محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك، بحسب الباحث في تيارات الإسلام السياسي.
وأوضح فاروق أن المعركة مع جماعة الإخوان لم تنتهِ، مشيرًا إلى أن سيناريوهات العداء والانتقام مازالت قائمة، لاسيما أنهم حولوا الأزمة السياسية إلى خلاف ديني مذهبي، وأصبغوها «كذبًا بفكرة عداء الدولة ومؤسساتها للشريعة الإسلامية، وتوحد ذواتهم مع الإسلام كدين، واعتبار الاختلاف معهم اختلافًا مع الشريعة ومقاصدها».
مليشيات إلكترونية
من جانبه، قال أحمد رفعت، الكاتب والمحلل السياسي المصري، في تصريحات لـ«السياق»، إن تنظيم الإخوان يتفوق في موضوع الإعلام الإلكتروني بشكل خاص، فقد بدأ بناء قواعده في هذا الفضاء منذ عام 1998، وقبل أن تعرف مصر الصحافة الإلكترونية بشكلها الحالي، وأسسوا مواقع مثل: إسلام أون لاين وإخوان أون لاين والأمل، الذي كان يبث دروس وجدي غنيم، واكتسب شهرة واسعة من خلاله.
وأضاف المحلل السياسي، أن تنظيم الإخوان أسس ما يعرف بـ«المليشيات الإلكترونية» قبل أن يعرف الوطن العربي مواقع التواصل الاجتماعي، لتوجيه التعليقات في الأخبار التي كانت تنشر من خلال الصحف الإلكترونية.
إلا أنه مع ظهور «فيسبوك» اتجه تنظيم الإخوان إلى تأسيس «اللجان الإلكترونية» التي تعمل بشكل منظم على مدار الساعة، من خلال مكان واحد أو من أحد المنازل، لكن بشرط أن تتوافر له التكنولوجيا الحديثة والتواصل مع شبكات المحمول باختلاف أنواعها، بحيث يظلون مشتبكين مع كل الأحداث وكل الموضوعات طول الوقت، بحسب المحلل السياسي.
وقال رفعت، إن «اللجان الإلكترونية»، تعمل بشكل منظم وتقسم إلى مجموعات، لكل منها قائد ومسؤولون من بعده، لذا يمكن أن نرى عشرات التعليقات أو المنشورات متشابهة، لأنها تأتي من المستوى الأعلى وتنشر كما هي، من خلال أسماء مستعارة يصعب على المواطن العادي تمييزها، في صورة كانت بدائية لصفحات «فيسبوك» الخاصة بالإخوان، تطورت في ما بعد إلى وضع صور لشخصيات حقيقية، لكن الخبر المتعلق بها لم يكن كذلك.
تصفية حسابات
الأزمة تتمثل في أن تلك الصفحات تستطيع توجيه الرأي العام، في أي معركة تخص أجندتها، التي كان آخرها تلك المرتبطة باتهام نجل وزير الهجرة المصرية نبيلة مكرم بالقتل العمد، بحسب المحلل السياسي، الذي أكد أن تنظيم الإخوان استغل الحادث لتصفية الحسابات، كما يفعل عادة مع جميع الرموز والمسؤولين المصريين، بل وبشكل عام مع مؤيدي نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي .
ورغم أنه لا يوجد -حتى الآن- ما يثبت إدانة نجل الوزيرة أو تورطها في شيء، بل إنه ما زال مواطنًا مصريًا في أزمة يحتاج إلى دعم الجميع، فإن تنظيم الإخوان يحاول اغتيال الوزيرة معنويًا، وهو الشيء الذي يبرع فيه منذ النصف الأول من القرن العشرين، بحسب رفعت.
وقال المحلل السياسي، إن هذا النهج يوجد أيضاً داخل الجماعة، إذ كانوا يشنون حملات «عنيفة» ضد من يختلف معهم حتى ينصرف عنه أعضاء الجماعة ولا يتعاملون معه، مشيرًا إلى أن الأمر وصل بهم إلى حد أن المحامي بالجماعة، ويدعى حسين الجزار، حين تفوهت زوجته ببعض الكلمات ضد مصطفى مشهور، طلبوا منه تطليقها فرفض، وشنوا عليه حملة شنيعة، ومنعوا عنه القضايا حتى اكتأب وأصيب بالسرطان ومات.
وأشار رفعت إلى أن تنظيم الإخوان وأفراده لديهم القدرة على تشويه المعارضين لهم بشكل منظم، بحيث يرفض الناس التعامل معه، مؤكدًا أنهم استطاعوا فعل ذلك مع خصومهم حتى وقت قريب، ومارسوه مع شخصيات عامة، بحيث تؤدي حملة تشويهه إلى نبذه من المجتمع.
الدعاية السوفيتية
تلك الشبكة الإخوانية المعقدة، تضم سلسلة من المواقع والمنصات على الإنترنت، إلى جانب اللجان الإلكترونية التي تأسست عام 2015، بحسب أحمد سلطان الخبير في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب، الذي أكد أن هذه اللجان تابعة في الأساس للقيادي الإخواني محمود حسين، إضافة إلى أخرى للقيادي إبراهيم منير.
وأوضح سلطان، في تصريحات لـ«السياق»، أن هذه اللجان تدار من قِبل قيادات تقيم في إحدى الدول الأوروبية، وتعتمد على نموذج «الدعاية السوفييتي» القائم على ترويج الدعاية المضللة وبث رسائل دعائية متكررة بكثافة عالية.
وأشار إلى أن هذا النموذج منتشر لدى إعلام الإخوان، بينما انتهجته مؤخرًا مواقع لم تكن تحمل اسم الجماعة، ولم تكن معروفة، لكنها تخدم أهداف التنظيم.