بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.. هل تهدد حرب العصابات أوروبا؟

بعد عقدين من محاربة المتمردين في العراق وأفغانستان، ستتحول  قوات حلف الناتو إلى داعمة لحركات التمرد ومناصرتها بدلًا من محاربتها، ويمكن أن يتخذ ذلك شكلًا من أشكال تنفيذ دور فعال أو إرسال متطوعين، سواء كانوا أفرادًا سابقين أو حاليين تابعين للقوات الخاصة.

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.. هل تهدد حرب العصابات أوروبا؟

ترجمات - السياق

رغم الدعم الغربي العسكري، والتهديد بفرض مزيد من العقوبات على روسيا، في ظل تدخلها العسكري بأوكرانيا، ورغم الإصلاحات التي نفذها الجيش الأوكراني، فإن قدراته المحدودة لا تمكنه من التصدي لقدرات روسيا المتطورة وقواتها وامتيازاتها الجغرافية، وقد يجد الجيش الأوكراني نفسه مهزومًا بسرعة.

وتطورت الحرب الأوكرانية سريعًا في يومها الثاني، بينما تستهدف روسيا العاصمة كييف مباشرة.

وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، عبر «تويتر»: «إطلاق مروع لصواريخ روسية على كييف، آخر مرة شهدت عاصمتنا شيئا كهذا كانت عام 1941 عندما تعرضت لهجوم من ألمانيا النازية، وهزمت أوكرانيا ذلك الشيطان وستهزم هذا الشيطان أيضًا».

 

مجرد بداية

وتوقع جون ناجل، الضابط الأمريكي المتقاعد، أن تكون هزيمة الجيش الأوكراني وسقوط كييف، مجرد البداية، إذ يرجح أن تخول روسيا لنفسها التمدد، للسيطرة على الأراضي التي احتلتها، وتتورط بذلك في مستنقع من "حرب العصابات".

وأضاف في تصريح لـ "فورين بوليسي": "قد يستهوينا الاعتقاد بأن هذا التمرد سيكون مكلفًا لروسيا فحسب، على اعتبار أنه سيصبح جرحًا نازفًا يردع روسيا عن ارتكاب مزيد من الممارسات المتهورة، إلا أن هذا التمرد قد يؤدي إلى اندلاع مزيد من الصراعات مع الغرب".

وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن الملاذات الآمنة التي سيوفرها الغرب لـ"التمرد الأوكراني" في ما بعد، ودعمه الواضح المناهض لروسيا، قد يكونان سببًا في استفزاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمزيد من التدخلات، في الوقت الذي يكافح فيه للحفاظ على الاستقرار على الصعيد المحلي، في مواجهة الخسائر المتعاظمة.

وتوقعت أن ينتهي الغزو الروسي لأوكرانيا، بأن يتحول عدد من العسكريين والمدنيين الأوكرانيين، إلى "متمردين مسلحين"، لبدء مرحلة جديدة من "حرب العصابات" ضد الجيش الروسي، كمحاولة منهم لاستعادة بلادهم.

وذكرت المجلة أنه من المؤكد أن الدول الديمقراطية المجاورة، مثل بولندا ودول البلطيق والمنضمين حديثًا إلى حلف الناتو والدول التي لديها أسباب تاريخية وجيهة وممتدة للخوف من العدوان الروسي، إضافة إلى سوابق تاريخية وطنية ووجدانية مع حركات المقاومة الفدائية، ستوفر ملاذًا آمنًا لهؤلاء المقاتلين، ويعقب ذلك على الفور إرسال متطوعين والالتزام بتقديم دعم خفي، خصوصًا إذا أثبت المتمردون الأوكرانيون، الذين سيقاتلون في بادئ الأمر وحدهم، أنهم قادرون على استنزاف دماء الروس.

 

تحرير المضطهدين

وذكرت "فورين بوليسي" أن القوات الخاصة للجيش الأمريكي كانت ترفع شعار «معًا لتحرير المضطهدين»، لتحدي الاتحاد السوفييتي من خلال إثارة حركات التمرد داخل الستار الحديدي (وهو ما يشير إلى سياسة العزلة التي انتهجها الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما أقام حواجز تجارية ورقابة صارمة).

وأضافت: "بعد عقدين من محاربة المتمردين في العراق وأفغانستان، ستتحول  قوات حلف الناتو إلى داعمة لحركات التمرد ومناصرتها بدلًا من محاربتها، ويمكن أن يتخذ ذلك شكلًا من أشكال تنفيذ دور فعال أو إرسال متطوعين، سواء كانوا أفرادًا سابقين أو حاليين تابعين للقوات الخاصة، ولكن ما المخاطر ذات الدرجة الثانية والثالثة، التي يمكن أن يمثلها هذا التمرد؟".

وأشارت إلى أنه في الوقت الذي يصب فيه ما يسمى صراع المنطقة الرمادية، أو الحالة ما بين الحرب والسلام، في مصلحة الأنظمة الاستبدادية، مثل روسيا، سيكون التحدي الأهم أمام الأنظمة الديمقراطية الغربية، إدارة الدعم المقدم لحركات التمرد على مستوى الصراع في أوكرانيا، من دون إسناد نسبي واضح لهذه المسؤولية إلى دولة بعينها.

 

حرب بالوكالة

وأفادت المجلة الأمريكية، بأنه في هذه الحالة -اللجوء إلى حرب العصابات والتمرد- فإن الأمور ستسير وفق مفهوم "حرب بالوكالة"، أو "المرتزقة" أو "عصابات الدراجات النارية"، وقد تصل الأمور لاستخدام قوات خاصة سرية، تتمثل في الاستخدام الخفي للقوات التقليدية.

وأشارت إلى أن ذلك يقدم منظورًا مختلفًا عن القوات العسكرية التقليدية، ويوفر للدول الداعمة إمكانية إنكار تدخلها، موضحة أنه "بخلاف هذه القوات، قد يكون من الصعب إسناد تنفيذ العمليات المعلوماتية، مثل الهجمات السيبرانية، إلى جهات فاعلة حكومية".

وأمام هذه الخطط -حال تنفيذها- ترجح "فورين بوليسي" أن أي تمرد أوكراني ناجح سيسفر عن تزايد الخسائر الروسية، ولا تود موسكو مشاهدة أكياس الجثث العائدة إلى أراضي الوطن، الأمر الذي من شأنه إضعاف قبضة بوتين المحكمة على الاستقرار الداخلي، وهو اهتمامه الأول.

وأوضحت أن الصراع المستمر في أوكرانيا، قد يضرب مصالح موسكو في مقتل، سواءً كانت مصالح جيوسياسية أم محلية، ويمكن أن يبرر ذلك وجود مخاطرة كبيرة، إذا ظل بوتين في السلطة، فلا أحد يعلم كيف يفكر حينها في طريقة الرد.

وختمت "فورين بوليسي" تقريرها بالقول: "نظرًا لأنه فات الأوان للحيلولة دون الغزو الشامل أو كبح جماحه، بعد وصول القوات الروسية إلى مشارف كييف، قد يفكر الغرب في الحلول الأخرى من اللجوء إلى (التمرد وحرب العصابات)، إلا أن ذلك -مع استمرار بوتين في السلطة- سيؤدي إلى مأزق كبير لأوروبا يحمِّلها تكاليف باهظة جدًا.