هل تذهب حرب بوتين إلى أبعد من أوكرانيا؟
تحول روسيا في عيون الغرب من خصم إلى عدو بدأ

ترجمات-السياق
تساءلت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، عما إذا كانت الحرب التي شنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس على أوكرانيا، ستمتد إلى ما هو أبعد من كييف؟
وقالت المجلة، في تحليل لرئيس تحريرها جاكوب هيلبرون: عام 1946، ذهب السفير الأمريكي الجديد لدى الاتحاد السوفييتي والتر بيدل سميث، في وقت متأخر من الليل، للقاء الجنرال جوزيف ستالين في الكرملين، وكان حينها رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل، قد ألقى خطابه عن الستار الحديدي، وكانت العلاقات بين الغرب والشرق، أكثر برودة من أي وقت مضى، وكان السؤال الأول الذي طرحه سميث على الزعيم السوفييتي هو: "ماذا يريد الاتحاد؟ وإلى أي مدى ستذهب روسيا؟".
ولكن ظل ستالين صامتاً، ثم كتب سميث عنه في مذكراته: "لم ينظر إليّ بشكل مباشر، لكنه أبقى رأسه مائلًا إلى جانب واحد، وظل يدخن سيجارة روسية طويلة"، وبعد أن كرر سميث السؤال، نظر إليه ستالين مباشرة وقال: "لن نذهب إلى أبعد من ذلك بكثير".
مواجهة مباشرة
تساءل رئيس تحرير مجلة ذا ناشونال، جاكوب هيلبرون: "إلى أي مدى تستمر حرب بوتين؟ هل يسعى إلى إخضاع، ليس فقط شريق أوكرانيا ولكن غربها أيضاً؟ وهل يحاول إنشاء جسر بري إلى كالينينجراد عبر ليتوانيا، وهو ما سيدفعه إلى مواجهة مباشرة مع "الناتو"؟ أم ينتهي الأمر بروسيا بالغرق في أوكرانيا؟".
ورأى هيلبرون أنه، من خلال مهاجمة أوكرانيا الليلة الماضية، فإن بوتين شرع في أكثر المقامرات جرأة في حياته المهنية، مشيراً إلى أنه رغم أنه تم تصويره -في كثير من الأحيان- على أنه زعيم حذر وانتهازي، إلا أن غزوه لأوكرانيا كشف أن الغرب -كما ادعى الكرملين حتى وقت قريب- لم يكن ينغمس في شيء سوى "الهستيريا" بشأن احتمال وقوع هجوم.
الحرب النووية
ذكر هيليرون أن لغة بوتين -في تصريحاته باليوم السابق للهجوم- كانت تفوح منها رائحة تهديدات نيكيتا خروتشوف بشأن الحرب النووية، إذ قال: "كل من يحاول إيقافنا أو حتى يحاول تهديد بلادنا وشعبنا، يجب أن تعرف أن رد روسيا سيكون فورياً، وسيؤدي الأمر إلى عواقب لم تشهدها من قبل في تاريخك".
وتابع: "يبدو من غير المحتمل أن يكون بوتين عازماً على احتلال أوكرانيا، فهو يركز في الوقت الحالي على تأمين هيمنة بلاده على سماء كييف قبل دخول الدبابات، وربما يكون هدفه النهائي إنشاء دولة دمية، مع دمج جزء كبير من البلاد في روسيا نفسها، ولتحقيق ذلك فإنه يهدف لجعل الجيش الأوكراني مجرد قوة زائفة، فضلاً عن التخلص -قدر الإمكان- من أي مظهر من مظاهر الفخر الثقافي والوطني الأوكراني، كما سيسعى إلى تصفية النخب الأوكرانية، مثلما فعل الاتحاد السوفييتي في الكتلة الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية، ويريد، من بين أمور أخرى، إعادة تنصيب الرئيس الفاسد السابق لأوكرانيا الذي أطيح من السلطة عام 2014، فيكتور يانوكوفيتش".
حكومة المنفى
وفقاً لهيليرون، فإنه من المحتمل أن تبحث الحكومة الأوكرانية الحالية، بقيادة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، عن موقع لإقامة حكومة في المنفى، ولكن قد لا يكون من السهل تحديد مكان يسمح لها بدعم المقاومة المسلحة خارج أوكرانيا، فحتى بولندا وليتوانيا قد لا ترغبان في ذلك، لأنه سيؤدي إلى زيادة التهديدات الروسية ضدهما بشكل كبير، لأن الضمانات الأمنية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) لا تشمل شروطاً لدعم المتمردين المجاورين، فضلاً عن الكراهية الأمريكية الشديدة للاتجاه نحو الحرب الأوسع.
ومع ذلك فإنه من خلال إبراز بوتين نيته فإنه نجح -عن غير قصد- في إعادة إحياء "الناتو"، المنظمة التي كانت تبدو بلا فائدة حتى وقت قريب، لكن الوضع الآن تغير، إذ بات هناك تنسيق بين الدول الأعضاء، وتم إغلاق مشروع نورد ستريم2، كما انخرط الرئيس الأمريكي جو بايدن في مستوى من الدبلوماسية، لا ينافسه إلا تنسيق الرئيس السابق جورج بوش مع الحلف، في الفترة التي سبقت حرب الخليج الأولى، ويبدو أن الاتفاق على فرض عقوبات شاملة، هو النظام السائد في أوروبا، حسب الكاتب.
وأضاف: "ربما حدث التحول الأكثر بروزاً في ألمانيا، التي طالما كانت مؤيدة لشكل من أشكال سياسة الأوستبوليتيك مع روسيا، إذ كان من المفترض أن تؤدي العلاقات الاقتصادية إلى تخفيف حدة التوترات، ولكن ذلك قد توقف الآن بشكل كبير، حيث صرح المستشار الألماني أولاف شولتز بأنه سيدعم فرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة، وأن بوتين يجلب الحزن والدمار لدولة مجاورة".
تداعيات اقتصادية
لفت هيليرون إلى أن التداعيات الاقتصادية للعقوبات، ستكون كبيرة على أمريكا وأوروبا أيضاً، إذ تجاوزت أسعار النفط الخام 100 دولار للبرميل، كما بدأت ألمانيا التحرر من الغاز الطبيعي الروسي، قائلاً إن هدف بوتين سيكون معرفة مدى الألم الذي يمكن لخصومه تحمُّله، إذ قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: "الأمر ليس سهلاً، فقد كنت عمدة لندن، وأعرف مدى أهمية أن تكون مدينتنا منفتحة على الاستثمار، لذا فهذه مشكلة صعبة يجب التعامل معها".
ونهاية التحليل، قال هيلبرون، إن الكرة ظلت -حتى الآن- في ملعب بوتين، ولكن بعد أن بدأ الغزو، فإن الغرب سيبدأ هو الآخر الرد، إذ تحولت روسيا في عيون الغرب من خصم إلى عدو، الأمر الذي ستشكل عواقبه السياسة العالمية لعقود مقبلة.