روسيا وأوكرانيا.. زواج كاثوليكي بأمر موسكو

لا يقطع صوت الصمت في كييف، إلا أصوات الطائرات والمقذوفات، ولا يسير في شوارعها إلا الفار منها، أو من يبحث عن ملجأ خصصته الحكومة تحسبًا لهذا اليوم المشؤوم.

روسيا وأوكرانيا.. زواج كاثوليكي بأمر موسكو

السياق

تحت "جنح الليل السوفييتي" في الخامسة والنصف من صباح 24 فبراير 2022 فوجئت سماء أوكرانيا، بوابل من الصواريخ الروسية، محددة الأهداف ومحسوبة التأثير، يبدو -حسب مقاطع فيديو- أنها من نوع كروز.

ويقول بيان روسي:"البنية التحتية العسكرية ومنشآت الدفاع الجوي والمطارات العسكرية وطائرات القوات المسلحة الأوكرانية يجرى تعطيلها بأسلحة عالية الدقة".

لا يقطع صوت الصمت في كييف، إلا أصوات الطائرات والمقذوفات، ولا يسير في شوارعها إلا الفار منها، أو من يبحث عن ملجأ خصصته الحكومة تحسبًا لهذا اليوم المشؤوم، ووسائل إعلام أوكرانية رصدت إسقاط مروحيات روسية، بالقرب من العاصمة كييف.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعلن في ساعة مبكرة من صباح الخميس، أنه سينفذ "عملية عسكرية" في دونباس، شرقي أوكرانيا، الذي يضم منطقي لوهانسك ودونيتسك، بطلب من القوات الانفصالية هناك الموالية لموسكو.

 

عودوا إلى دياركم

وحثَّ بوتين الجنود الأوكرانيين في منطقة القتال، على الاستسلام وإلقاء الأسلحة والعودة إلى ديارهم.

الرئيس الأوكراني فولاديمير زيلينسكي، خرج في بيان صحفي يدعو مواطنيه إلى حمل السلاح، والمشاركة في الدفاع عن بلادهم، مضيفًا أن كل أوكراني مسؤول عن مستقبله، مناشدهم: كل من لديه خبرة عسكرية، ويمكن أن يدافع عن أوكرانيا عليه الانضمام إلى صفوف قوات الدفاع الإقليمية، في الوقت الذي قالت فيه الشرطة الأوكرانية، إنها ستوزع أسلحة على قدامى المحاربين.

جاء ذلك بعد ساعات من بدء عملية عسكرية روسية هناك، ولا أحد يعلم حتى الآن ما حدود تلك العملية، وهل تقتصر على ضم إقليمي دونيتسك ولوهانسك، أم تمتد لإطاحة النظام السياسي المدعوم غربيًا وإسقاط العاصمة كييف؟

 

العصور الوسطى...!

الشهية الروسية المفتوحة تجاه أوكرانيا ليست وليدة حاضرنا، بل قديمة بقدم الإنسان فيهما، جذور الصراع بينهما قوية وممتدة. وحسب إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله" فإن الصراع الروسي الأوكراني رُصد منذ العصور الوسطى، إذ أن كليهما لديه امتداد في "الدولة السلافية الشرقية" القديمة التي سميت "كييف روس".
وتشير الإذاعة الألمانية، إلى أن مساري هاتين "الأمتين" كانا مختلفين عبر تاريخهما، إذ  نشأت عنه لغتان وثقافتان مختلفتان رغم قرابتهما الجغرافية. وعلى عكس روسيا التي كونت إمبراطورية، لم تنجح أوكرانيا في تكوين دولتها المستقلة.

نعود إلى القرن السابع عشر، إذ أن مساحات شاسعة من أوكرانيا الحالية، كانت جزءًا مكملًا للإمبراطورية الروسية، وبسقوط تلك الإمبراطورية عام 1917، نالت أوكرانيا استقلالها.

استقلت أوكرانيا عن جارتها القوية فترة وجيزة، لكن بقيام روسيا السوفيتية ذهب استقلالها تحت التدخل العسكري الروسي.

 

الاستقلال القصير...!

بانهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه في تسعينيات القرن الماضي، نفضت أوكرانيا غبار روسيا عنها، واتجهت أنظارها نحو الغرب، على عكس دول مشابهة مثل بيلاروسيا، التي استطاعت موسكو أن تبقيها تحت جناحها، ما أغضب الكرملين لكن الوضع الاقتصادي السيئ، الذي سيطر على البلاد قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي والحروب التي دخلتها روسيا مثل حرب الشيشان، وعدم التطرق الجدي من أوروبا لموضوع ضم أوكرانيا إلى الناتو، حالت بينها وبين الدخول في صدام مع أوكرانيا الجارة.

بوتين والشقاق الأول

في عهد الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين -أثناء الفترة الأولى من حكمه- شهدت موسكو وكييف أول أزمة سياسية، كانت المسمار الذي دق في جدار الصداقة بين البلدين، إذ رعت موسكو وقتها بناء سد في مضيق كريتش باتجاه جزيرة كوسا توسلا الأوكرانية الحدودية، وهو ما رفضته أوكرانية وعدته اعتداءً على سيادتها.

بعد ذلك وأثناء فترة الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش عام 2003 بدأت مساعي واشنطن لضم أوكرانيا وجورجيا في حلف شمال الأطلسي، وهو ما قابله بوتين باحتجاج كبير معلنًا أن روسيا لن تسمح بذلك.

 

لن تتقربوا من الغرب..!

أكثر من سبب حالت دون انضمام أوكرانيا إلى "الناتو"، لكن مساعي كييف للتعلق بأستار الغرب لم تكل، فحاولت التقرب من أوربا باتفاقية تعاون، على مستوى عال، وقعت عام 2013، وبعد أشهر من توقيعها مارست موسكو ضغوطاً اقتصادية هائلة على جارتها، ونتيجة لذلك جمدت حكومة كييف الاتفاقية، ما قابله جموع من الأوكرانيين الطامعين في علاقات جيدة مع أوروبا باحتجاجات واسعة عام 2014 أجبرت الرئيس الأوكراني وقتها يانوكوفيتش على الفرار إلى روسيا، ما عده بوتين انقلابًا يستوجب التدخل الروسي ولو عسكريًا.

تباعًا بعد فرارا يانوكوفيتش إلى موسكو حدثت مواجهات في شبه جزيرة القرم، كان بطلها الانفصاليين المواليين لروسيا، ما استدعى تدخل موسكو عسكريًا، وسلب القرم السيادة الأوكرانية.

 

"مينسك" التي لم تفعل
عام 2015 وقَّعت أوكرانيا مع المتمردين -المدعومين روسيًا- هدنة لوقف إطلاق النار في العاصمة البيلاروسية مينسك بوساطة فرنسية وألمانية، لكن يبدو أن الاتفاقية -التي ألغيت قولًا وفعلًا- كانت مجرد حبر على ورق إذ أن إطلاق النيران والعمليات الاستنزافية لم تتوقف، بين الحكومة الأوكرانية المركزية والمتمردين الانفصاليين.

 

الحشد الأخير

جاء عام 2021 وأظهرت صور للأقمار الصناعية تحركات غير عادية لقوات عسكرية روسية، ما استدعي تدخل واشنطن بطلبها توضيحًا بشأن هذه التحركات الروسية، التي قدرتها حينها بـ100 ألف جندي، وهو ما تبعه تهديد من الرئيس الأمريكي جو بايدن، يؤكد فيه أنه إذا صحت التكهنات الاستخباراتية، وأقدمت موسكو على فعلتها وغزت أوكرانيا، فعلى الكرملين أن ينتظر العقوبات الاقتصادية الموجعة.

جولات دبلوماسية ومباحثات، بين الأطراف المعنية، لم تصل إلى حل، وكل طرف يتهم الآخر بالتعنت وعدم احترام رغباته ومخاوفه.

 

خطوة سابقة للحرب

قبل يومين فقط، قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتراف بلاده باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا، دونيتسك ولوغانسك، وطالب "مجلس الدوما" بالاعتراف الفوري بهذا القرار، ودعم الجمهوريتين اللتين تنتميان إلى أوكرانيا، بموجب القانون الدولي.

وألحق بوتين اعترافه، بإصدار مرسوم أمر بموجبه القوات المسلحة الروسية، بأن تتولى مهام حفظ السلام على أراضي الجمهوريتين الشعبيتين.

دونيتسك ولوغانسك، اللذان يسميان إقليم دونباس، سُحبا من السيادة الأوكرانية بفعل انفصاليين موالين لروسيا، بدعم قوى من موسكو بعد حرب عام 2014 إذ سيطروا على المباني الحكومية وأعلنوا "جمهوريات قومية" جديدة، واعترف بوتين بهما كجمهوريات مستقلة، ويعيش فيهما 3.8 مليون شخص يتحدثون الروسية، وكثيرون منهم يحملون الجنسية الروسية.

صباح اليوم أمر بوتين جيشه بالتحرك لإقليم دونباس شرقي أوكرانيا، بطلب من القوات الانفصالية هناك الموالية لموسكو، لمساعدتهم بناءً على اتفاقيات التعاون والشراكة بينهما.