السعودية تقدم نفسها كمركز ثقافي في المنطقة

أمام المملكة العربية السعودية، تحديات عدة لكي تستمر على هذا النهج في إنتاج الأفلام، وتقديم نفسها كرمز ثقافي مهم في المنطقة العربية.

السعودية تقدم نفسها كمركز ثقافي في المنطقة

ترجمات - السياق

سلَّطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الضوء على التغيير، والانفتاح الذي تشهده المملكة العربية السعودية خلال الفترة الماضية، مشيرة إلى أنها تسعى إلى سحب البساط من بيروت والقاهرة وبغداد ودمشق، المدن التي اشتهرت على مدى عصور بأنها عواصم الثقافة في المنطقة العربية.

ورصدت "نيويورك تايمز" عددًا من مشاهد الأفلام، التي عُرضت خلال مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، الذي أقيم مؤخرًا، منها: «امرأة سعودية حامل، بعيدة عن المنزل، تجد نفسها مطاردة من الشياطين، في مشهد ثانٍ يحاول مدوِّن فيديو سعودي وأصدقاؤه، الهروب من غابة مظلمة بسبب شهية الإنترنت النهمة للمحتوى والمخاطر الأكثر غموضًا.

وفي مشهد ثالث، في حفل زفاف، تصاب والدة العروس بالذعر عندما تختفي ابنتها مع انتظار ضيوفهم في الطابق السفلي".

كانت هذه مجرد أمثلة قليلة من 27 فيلماً سعوديا عُرضت لأول مرة هذا الشهر في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة، وهي جزء من جهد ضخم للمملكة، لتحويل نفسها إلى قوة سينمائية في الشرق الأوسط، تضاهي القاهرة وبيروت ودمشق وبغداد.

 

تحولات عميقة

رأت "نيويورك تايمز" أن هذه الجهود السعودية، تعكس تحولات عميقة في الصناعات الإبداعية عبر العالم العربي، مع بروز المملكة كمركز ثقافي جديد في المنطقة، وتلاشي هذا الدور لدى دول عربية أخرى، مشيرة إلى أنه طالما كانت القاهرة ودمشق وبيروت وبغداد منارات ثقافية عربية، حيث أنتجت الأفلام الرائجة وسجلت الأغاني وطبعت كتب المثقفين والأدباء.

لكن خلال السنوات الماضية، تراجع دور تلك العواصم العربية، بسبب الصراعات والانهيارات المالية وإخفاقات الدولة، حيث دمرت الحرب استوديوهات التلفزيون السوري وناشري الكتب في بغداد، بينما ترك الانهيار الاقتصادي السينما اللبنانية تكافح من أجل البقاء، في وقت شهدت فيه صناعة السينما المصرية تراجعًا فنيًا لسنوات.

وأوضحت "نيويورك تايمز" أن السعودية تنفق مبالغ طائلة، مدفوعة بثروتها النفطية، لتحويل نفسها إلى مركز ثقافي في المنطقة، من خلال ابتعاث صانعي الأفلام السعوديين للدراسة في الخارج، وإنشاء مدارس تدريب محلية ومسارح واستوديوهات تسجيل صوتية، إضافة إلى تمويل مبادرات لتشجيع الفنانين التشكيليين والموسيقيين والطهاة السعوديين.

كما جذبت الحكومة السعودية ثلاثة أفلام هوليوودية، ذات ميزانيات كبيرة لتصويرها في البلاد بتمويل حكومي، على أمل تجاوز الأردن والمغرب كوِجهة مفضلة للمناظر الطبيعية الصحراوية الخلابة.

 

وقت التألق

وترصد "نيويورك تايمز" التحول الشديد داخل المملكة هذه الأيام، فبينما كانت النجمتان هيلاري سوانك ونعومي كامبل تتمايلان على السجادة الحمراء لمهرجان البحر الأحمر بجدة، بفساتين كاشفة، كانت في الخلفية مؤثرات موسيقية راقصة، وضعها موسيقيون سعوديون، في بلد كان يمنع حتى وقت قليل، النساء من قيادة السيارات، كما كانت تُحظر دور السينما.

ونقلت عن المنتجة السينمائية والمسرحية السعودية، منى خاشقجي، قولها: «حان وقت التألق هنا في المملكة العربية السعودية».

وهو ما أكده المسؤول في وزارة الاستثمار السعودية بهاء عبدالمجيد، من أن المملكة لديها هدف واحد "جعل السعودية مركزًا جديدًا لصناعة الأفلام في المنطقة"، مشيرًا إلى أن المملكة ستدعم إنتاج 100 فيلم بحلول عام 2030، مع فتح الباب لتراخيص جديدة لإنتاج المزيد من الأفلام.

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن هذا التغيير مدفوع بفكر ورؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يريد التخلص من صورة المملكة الراسخة، من خلال بناء صناعة ترفيهية لتحفيز الاقتصاد وتوفير فرص عمل.

 

تحديات كبيرة

وترى "نيويورك تايمز" أن أمام المملكة العربية السعودية، تحديات عدة لكي تستمر على هذا النهج في إنتاج الأفلام، وتقديم نفسها كرمز ثقافي مهم في المنطقة العربية.

ونقلت عن مازن حايك، مستشار الاتصالات الإعلامية، المتحدث السابق باسم شبكة إم بي سي، أكبر تلفزيون في العالم العربي، قوله: "إذا كانت الفكرة دفع ريادة الأعمال الثقافية فقط، عندما يكون برميل النفط أعلى من 70 دولارًا فإنها محكوم عليها بالفشل".

وأضاف أن على الدول العربية ضمان الحريات الشخصية وسيادة القانون وممارسات السوق الحرة والتسامح، لغرس قيم الثقافة الإبداعية.

بينما قال المخرج والمنتج الفرنسي اللبناني، فيليب عرقتنجي: "السعودية تملك الموارد المالية، ونحن نمتلك ثراءً في القصص". وتساءل: "إنهم يضخون مبالغ ضخمة من المال، لكن إلى متى يستمرون في ذلك؟".

وأمام هذه التحديات، قال عبدالمجيد: الدولة لديها الآن 430 شاشة عرض سينمائي والعدد في طريقه إلى الزيادة، ما يجعلها السوق الأسرع نموًا في العالم، حيث تستهدف المملكة الوصول إلى 2600 شاشة عرض بحلول عام 2030.

 

قوة المنافسة

وانتقلت "نيويورك تايمز" إلى قوة المنافسة مع الأفلام المصرية، ونقلت عن محمد حفظي، رئيس "فيلم كلينك"، وهي شركة إنتاج مقرها القاهرة ، قوله: شعبية المحتوى المصري في السعودية، تجعله سوقًا مغريًا للاستوديوهات المصرية.

وأوضحت "نيويورك تايمز" أن عددًا من الأفلام الكوميدية المصرية، كانت الأكثر ربحًا في المملكة العربية السعودية هذا العام، متفوقة على أفلام هوليود.

وقالت ريبيكا جوبين، أستاذة الدراسات العربية بكلية ديفيدسون في نورث كارولينا، إن الإنتاجات السينمائية السعودية قد تستمر أيضًا في جذب مواهب التمثيل والكتابة والإخراج من لبنان وسوريا ومصر، مشيرة إلى أنها كي تكسر حدة المنافسة، خصوصًا مع القاهرة، عليها القيام بذلك للوصول إلى الجماهير غير السعودية في المنطقة.

وتحدث  مروان مقبل، الكاتب المصري الذي شارك في كتابة فيلم الرعب السعودي "جنون"، عن إمكانية أن تؤثر الصناعة السينمائية السعودية في قوة السينما المصرية: "الانفتاح السعودي من الممكن أن ينقذ صناعة السينما في مصر التي تعاني الركود حاليًا".