تحول دراماتيكي في الحرب... هل تلجأ روسيا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات؟

طالب المسؤولون الأمريكيون كييف بإظهار انفتاحها على التفاوض، ليس لدفع أوكرانيا نحو طاولة المفاوضات على الفور، ولكن للحفاظ على دعم الحلفاء المعنيين.

تحول دراماتيكي في الحرب... هل تلجأ روسيا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات؟

ترجمات – السياق

مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، التي دخلت شهرها التاسع من دون حسم، رأت الولايات المتحدة الأمريكية، أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يخاطر "بإرهاق أوكرانيا" إذا رفض المحادثات الروسية، مشيرة إلى أن دعم الحلفاء لكييف يتراجع، مع تنامي المخاوف بشأن التأثير الاقتصادي للحرب التي طال أمدها، وفق تقرير لصحيفة غارديان البريطانية.

كان بوتين، أكد استعداده لإجراء مفاوضات سلام مع أوكرانيا، بعد مُضي نحو تسعة أشهر على الحرب الروسية على أوكرانيا.

وخلال منتدى نقاشي مع خبراء دوليين، قال الرئيس الروسي في موسكو، قبل أيام: إن الحكومة الأوكرانية قررت رغم ذلك رفض إجراء هذه المحادثات تحت تأثير الولايات المتحدة.

وضم بوتين -نهاية سبتمبر الماضي- أربع مناطق أوكرانية إلى الاتحاد الفيدرالي الروسي، وعرض إجراء مفاوضات في كلمة ألقاها في الكرملين آنذاك، وفي المقابل، أصدر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرسومًا يقضي برفض إجراء محادثات مع بوتين.

 

انفتاح أوكراني

وبحسب ما ورد، فقد حذر مسؤولون أمريكيون، الحكومة الأوكرانية في جلسات خاصة، من أنها بحاجة إلى إظهار انفتاحها على التفاوض مع روسيا.

وحسب "غارديان" فقد حذر مسؤولون في واشنطن من أن "إرهاق أوكرانيا" بين الحلفاء قد يتفاقم، إذا استمرت كييف في إغلاق المفاوضات، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست.

وقال مسؤولون أمريكيون للصحيفة: إن موقف أوكرانيا من المفاوضات مع روسيا بدأ ينفد بين الحلفاء القلقين بشأن الآثار الاقتصادية لحرب طويلة الأمد.

وكشفت صحيفة واشنطن بوست أن الولايات المتحدة شجعت حكومة كييف سرًا لإظهار انفتاحها على مفاوضات مع روسيا، وبحسب الصحيفة الأمريكية فإن رفض أوكرانيا التفاوض سيجر تبعات كبيرة على تكلفة الغذاء والوقود.

ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها، القول: إن طلب المسؤولين الأمريكيين لا يهدف إلى الضغط على أوكرانيا للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإنما محاولة محسوبة لضمان أن تحافظ كييف على دعم دول أخرى.

وأضافت الصحيفة أن مسؤولين من الولايات المتحدة وأوكرانيا أقروا بأن رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إجراء محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، تسبب في قلق في أجزاء من أوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث تشعر تلك المناطق بأكبر تبعات للحرب الأوكرانية على تكلفة الغذاء والوقود.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي لم تذكر اسمه قوله: "الإرهاق من تبعات الملف الأوكراني حقيقة واقعة بالنسبة لبعض شركائنا".

كان زيلينسكي وقَّع مرسومًا في الرابع من أكتوبر الماضي، يعلن فيه أن آفاق أي محادثات أوكرانية مع بوتين "منعدمة" لكنه ترك الباب مفتوحًا لإجراء محادثات مع روسيا.

وقال الرئيس الأوكراني لاحقًا: إن أوكرانيا مستعدة فقط للدخول في مفاوضات مع روسيا، إذا غادرت قواتها جميع أنحاء أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم والمناطق الشرقية من دونباس، التي تسيطر عليها روسيا منذ عام 2014، وإذا عرضت ما سماها (الجرائم المرتكبة في أوكرانيا) أمام المحاكم الدولية.

كما أوضح زيلينسكي أنه لن يجري مفاوضات مع القيادة الروسية الحالية.

 

مساعدات أمريكية

وبينت "غارديان" أن الولايات المتحدة قدمت -حتى الآن- لأوكرانيا 18.9 مليار دولار (16.6 مليار جنيه استرليني) من المساعدات وهي مستعدة لتقديم المزيد، قائلة إنها ستدعم أوكرانيا إن تطلب الأمر.

ومع ذلك، قال مسؤولون أمريكيون للصحيفة: إن الحلفاء في أجزاء من أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، قلقون من الضغط الذي تسببه الحرب على أسعار الطاقة والغذاء، إضافة إلى سلاسل التوريد.

وقال مسؤول أمريكي، رفض ذكر اسمه: "إرهاق أوكرانيا شيء حقيقي لبعض شركائنا".

وطالب المسؤولون الأمريكيون كييف بإظهار انفتاحها على التفاوض، ليس لدفع أوكرانيا نحو طاولة المفاوضات على الفور، ولكن للحفاظ على دعم الحلفاء المعنيين، وفقًا للصحيفة.

وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه بالنسبة للمسؤولين الأوكرانيين، فإن طلب الولايات المتحدة يعني التراجع عن أشهر من الخطاب بشأن الحاجة إلى هزيمة عسكرية حاسمة ضد روسيا، من أجل تأمين أمن أوكرانيا على المدى الطويل، وهي رسالة يتردد صداها بقوة لدى الشعب الأوكراني الذي يخشى أن تعود روسيا لمحاولة الاستيلاء على البلد في المستقبل.

وأوضحت أن ما سمتها (الفظائع والقتلى والدمار الناجم عن الغزو الروسي) جعلت المفاوضات غير مستساغة للعديد من الأوكرانيين، خصوصًا أن الحالة المزاجية في أوكرانيا مزدهرة، بعد سلسلة من النجاحات في ساحة المعركة شمالي شرق خاركيف ومناطق خيرسون الجنوبية.

 

فرص للتفاوض

وعن إمكانية اللجوء إلى التفاوض، قال الدبلوماسي المخضرم ألكسندر فيرشبو، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في روسيا ونائب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي: إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تكون محايدة تمامًا بشأن كيف ومتى تنتهي الحرب.

وأضاف: "إذا أصبحت الظروف أكثر ملاءمة للمفاوضات، فلا أعتقد أن الإدارة الأمريكية ستكون سلبية".

بينما قال مسؤولون روس: إن كييف تستعد لمحاولة هجوم ثان، لاستعادة المزيد من منطقة خيرسون المحتلة، مشيرين إلى أنه ستكون لاستعادة السيطرة عليها قيمة رمزية ولوجستية هائلة بالنسبة لأوكرانيا، حيث تريد روسيا من المنطقة تأمين إمدادات المياه لشبه جزيرة القرم، إضافة إلى جسر بري إلى روسيا.

وفي بيان على منصة تلغرام، قالت إدارة خيرسون التي تسيطر عليها روسيا، إن إمدادات الكهرباء والمياه انقطعت بعد "هجوم إرهابي" دمر ثلاثة خطوط كهرباء في الجزء المحتل من المنطقة.

بينما قال المسؤول الروسي في خيرسون كيريل ستيموسوف، الخميس الماضي: إن القوات الروسية ستنسحب على الأرجح إلى الضفة الشرقية للمدينة، بعد أن أزالت سلطات الاحتلال العلم الروسي من مبنى الإدارة الإقليمية، وانتقلت إلى مكتب على الضفة الشرقية.

وقد أثارت الأحداث التي أعقبت الإخلاء الجماعي لمدينة خيرسون المحتلة شائعات بأن الروس ربما ينسحبون.

ومع ذلك، عززت القوات الروسية مواقعها، ووصفت المتحدثة باسم القيادة الجنوبية لأوكرانيا، ناتاليا هومينيوك، الأمر بأنه خدعة لجر أوكرانيا إلى المعركة.

بينما تشير التقارير الأخيرة لشبكة بي بي سي البريطانية، عن ساحة المعركة من الجانب الأوكراني -من خط الجبهة في خيرسون- إلى أن قوات كييف ربما لا تزال تفتقر إلى المعدات اللازمة.

وفي الشهر الأول من الحرب، أجرت أوكرانيا وروسيا محادثات، وعدت فيها أوكرانيا بأنها ستبقى على الحياد مقابل استعادة أراضيها، لكن روسيا دعت أوكرانيا إلى الاعتراف بالأراضي التي ضمتها إليها و"نزع السلاح"، وهي شروط لم تأخذها أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون على محمل الجد.

وفي تأكيده لموقفه، وصف زيلينسكي، استعداد روسيا للسماح لعدد كبير من الرجال الروس بالموت في الحرب بأنه "عناد مجنون"، موضحًا أن استعدادهم المزعوم للتفاوض كان "زائفًا".

وقال زيلينسكي: "عندما يفكر شخص ما في المفاوضات، فإنه لا يبحث عن طرق لخداع كل من حوله من أجل إرسال عشرات أو مئات الآلاف من الأشخاص إلى الموت".

وأضاف في حديثه عن افتتاح قمة المناخ في مصر: "يجب على أي شخص يفكر بجدية في قضايا المناخ أن يفكر بجدية في الحاجة إلى وقف العدوان الروسي على الفور، واستعادة سلامتنا الإقليمية، وإجبار روسيا على الدخول في مفاوضات سلام حقيقية".

وتابع أن "روسيا أظهرت مرارًا وتكرارًا أنها غير راغبة في المشاركة في هذه المفاوضات، التي اقترحناها مرارا وتلقينا دائمًا ردودًا روسية مجنونة بهجمات إرهابية جديدة أو قصف أو ابتزاز".

كان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قال إن بلاده "منفتحة" على التفاوض مع أوكرانيا، لكن اللحظة الحالية "ليست مناسبة".

وأضاف بيسكوف للصحفيين: "قلنا مرارًا إن الجانب الروسي يظل منفتحًا على تحقيق أهدافه من خلال المفاوضات، ولفتنا أيضًا انتباه الجميع مرارًا وتكرارًا إلى أننا في الوقت الحالي لا نرى هذه الفرصة، لأن كييف قررت عدم مواصلة أي مفاوضات".

 

الموقف الأمريكي

وعن الموقف الأمريكي من المفاوضات، كشفت "غارديان" أن واشنطن أعلنت أنها تتفق مع موقف أوكرانيا حتى الآن.

وقال مسؤول أمريكي لوكالة رويترز: "الكرملين يواصل تصعيد هذه الحرب، لقد أظهر الكرملين عدم رغبته في الدخول بجدية في المفاوضات حتى قبل أن يبدأ غزوه الشامل لأوكرانيا".

وبالفعل -حسب الصحيفة- اتخذ بوتين خطوات لإعادة توجيه الاقتصاد الروسي، من أجل المجهود الحربي في الحرب الأوكرانية، إذ عُد قراره بالتعبئة الجزئية دليلًا على أن روسيا تستعد لمسافات طويلة من الحرب.

وفي أكتوبر الماضي، أنشأ بوتين هيئة حكومية مؤثرة، باسم (مجلس التنسيق)، لتنسيق الإمدادات إلى الجيش، على أن يُكلف بتحويل الاقتصادات الإقليمية لروسيا لتلبية احتياجات الجيش الروسي في أوكرانيا.

ورأت "غارديان" أن الدافع الجديد لروسيا لتسليح وتجديد جيشها، جزء من استراتيجية ذات شقين مصممة لاستعادة الميزة في ساحة المعركة، وإعلان انتصارها المطلوب بشدة على كييف، بينما يتضمن الجزء الثاني من الاستراتيجية تعطيل أوكرانيا في العمق.

وأشارت الصحيفة إلى أنه خلال الشهر الماضي، استهدفت روسيا -بشكل منهجي- البنية التحتية الحيوية للطاقة في أوكرانيا، حيث تعرضت العشرات من محطات الطاقة والمحطات الفرعية وأجزاء أخرى من نظام الطاقة الأوكراني لأضرار بالغة، جراء الهجمات الروسية المتكررة.

بينما أعلنت السلطات الأوكرانية، انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد نتيجة لذلك.

ونقلت الصحيفة عن فولوديمير كودريتسكي، رئيس مجلس إدارة شركة الطاقة الوطنية "أوكررينغو"، قوله: إن الوضع بالنسبة لتوفير الكهرباء في أوكرانيا صعب للغاية، خاصة في المناطق الشمالية والوسطى، حيث يتجاوز نقص الطاقة نحو ألف ميغاوات.

وأضاف كودريتسكي: "لا يزال الوضع مع إمدادات الطاقة صعبًا للغاية، لم تمر خمس هجمات صاروخية ضخمة والعديد من الهجمات الأصغر من دون أن يلاحظها أحد من قبل نظام الطاقة لدينا... تعمل فرق الإصلاح على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لإزالة الضرر... لكن الوضع في كييف وخاركيف أصعب".

وتابع: "روسيا تحاول تدمير قطاع الطاقة في أوكرانيا"، مشددًا على أن الوضع حرج لأنه لم يكن من الممكن إصلاح الشبكة بالسرعة التي دُمرت بها، موضحًا أنه إذا استمرت الهجمات الروسية، سيصبح انقطاع التيار الكهربائي "أطول وأطول".

بينما قال رئيس منطقة كييف، أوليكسي كوليبا: إن محطات الكهرباء على أطراف العاصمة استُهدفت مرارًا لقطع التيار الكهربائي عن العاصمة.

وحثَّ رئيس بلدية كييف، فيتالي كليتشكو، سكان العاصمة على "التفكير في كل شيء، بما في ذلك الاستعداد للسيناريو الأسوأ، حيث تفقد العاصمة إمدادات الكهرباء والمياه، مع قرب الشتاء القارس".

وطلب كليتشكو، من السكان التفكير في مغادرة العاصمة، خاصة حال استمرار روسيا في ضرب البنية التحتية للطاقة في البلاد.

وقال العمدة، فيتالي كليتشكو، لوسائل إعلام حكومية: "نحن نفعل كل شيء لتجنُّب ذلك، لكن لنكن صريحين، أعداؤنا يفعلون كل شيء من أجل أن تكون المدينة من دون حرارة، ولا كهرباء، ولا إمدادات مياه، ومن ثمّ فإن مستقبل البلاد بشكل عام، ومستقبل كل واحد منا بشكل خاص، يعتمد على مدى استعدادنا للمواقف المختلفة".

وأضاف: "إذا كان لديكم عائلة ممتدة أو أصدقاء خارج كييف، حيث يوجد مصدر مياه مستقل وتدفئة، فبرجاء مراعاة إمكانية البقاء هناك فترة معينة من الوقت".

ونقلت وكالة الأنباء الأوكرانية عن رومان تكاتشوك، مدير الأمن في مجلس بلدية كييف قوله، إن السلطات تبذل كل ما في وسعها للحد من آثار هجمات روسيا المستمرة على منشآت البنى التحتية الحيوية.

بينما نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن تكاتشوك، تحذيره من أن "المدينة قد تفقد نظامها الكهربائي، إذا استمرت روسيا في ضرب البنية التحتية للطاقة الأوكرانية".