ماذا تعني أمريكا للعالم اليوم؟
حان الوقت لإعادة تقييم دور أمريكا في العالم، وكيف يمكنها المضي قدماً، بعد انهيار الإجماع الخاص بالسياسة الخارجية في واشنطن العاصمة، وانتهت المهمة الأمريكية في أفغانستان بعد نحو عقدين من الحرب.

ترجمات - السياق
قالت صحيفة واشنطن إكزامينر الأمريكية، إنه قد حان الوقت لإعادة تقييم دور أمريكا في العالم، وكيف يمكنها المضي قدماً، بعد انهيار الإجماع الخاص بالسياسة الخارجية في واشنطن العاصمة، وانتهت المهمة الأمريكية في أفغانستان بعد نحو عقدين.
وطرحت الصحيفة سؤالًا مفاده: "ماذا تعني أمريكا للعالم اليوم؟"، على بعض أهم المراقبين في مجال السياسة الخارجية، وجاءت إجاباتهم كالآتي:
القوى العظمى
قال المحرر في مجلة كومنتاري الأمريكية نوح روثمان: إن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، والأمة الوحيدة القادرة على تقديم عرض مستدام للقوة، على أي مسرح على وجه الأرض.
وأشار إلى أن أمريكا أكبر اقتصاد في العالم، مع تمتعها بقدرة على الابتكار والنمو غير المقيدين بالقيود السياسية العقابية، الشائعة في معظم الدول، ما يجذب تدفقاً ثابتاً من المهاجرين.
وتابع: "هي أمة تأسست على المبادئ الليبرالية، التي ظهرت في عصر التنوير، فالحرية الدينية، وحقوق الملكية غير القابلة للانتهاك، وحرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات، أمور أساسية في هذه الدولة، ومن دونها ينهار الصرح".
صيحات استياء ضد بايدن
قال المحلل دامير ماروزيك، من المجلس الأطلسي، ومقره واشنطن، إن قرار الرئيس جو بايدن الانسحاب من أفغانستان، قوبل بصيحات استياء من مختلف الجهات.
وأضاف: "بينما ركز الجزء الأكبر من الانتقادات على فوضى الانسحاب، وأثار أسئلة أخلاقية عن الديون التي ندين بها للشعب الأفغاني البائس، الذي تركناه في مأزق، ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، وتساءلوا عما إذا كانت مصداقية أمريكا في الخارج، ستضرر من الصراع القادم، بين الولايات المتحدة والصين".
بدوره، رأى ماروزيك أن الانسحاب من أفغانستان سيؤثر بالتأكيد في فكرة أن الولايات المتحدة ستظل ملتزمة بالقدر نفسه، بتوفير الأمن والنظام في جميع أنحاء العالم، إذ استيقظ الأوروبيون على حقيقة أنه إذا حدثت حرب إطلاق نار بين الولايات المتحدة والصين غداً، فإن أمريكا ستحول العديد من قواتها بعيداً عن القارة من دون تردد.
أما الكاتبة الأمريكية آن ر.بيرس فقالت إنه منذ نهاية الحرب الباردة، أعادت الإدارات الأمريكية المختلفة تطوير السياسة الخارجية، كما لو أن القوة والتأثير الذي حققته الولايات المتحدة، والجاذبية العالمية لنموذجها الديمقراطي، لم تكن تستحق الحفاظ عليها.
وتابعت: "صحيح أن هناك تحديات جديدة للإرهاب، وانتشارًا لأسلحة الدمار الشامل، وتوسعات صينية وروسية، ومجموعات شبه عسكرية، ومعلومات مضللة، وحربًا إلكترونية، لكن لهذه الأسباب بالذات، يجب على السياسة الخارجية الأمريكية، إعادة اكتشاف حلول أخلاقية واستراتيجية".
العودة إلى الوراء
الزميل في معهد بروكينجز شادي حميد، قال إنه إذا كان الصراع المركزي في عصرنا الحالي، هو الصراع بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية في الصين، فإنه يبدو من الغريب أن تستمر الولايات المتحدة في عدم تأكيد دور الديمقراطية في الخارج.
أما مايكل روبن، وهو زميل في معهد أمريكان إنتربرايز، فيرى أن الدرس الذي كان يجب تعلمه من حقبة ما قبل 11 سبتمبر، أن ما يحدث في أفغانستان لن يبقى في أفغانستان، إذ يقول المنتقدون إن انسحاب بايدن من هناك، يعيدنا إلى الوراء ويعيد تمكين تنظيم القاعدة، لكنْ في الواقع هناك أمور أكبر بكثير على المحك.
وتابع: "ليست طالبان وحدها على المحك، بل النظام الليبرالي بعد الحرب العالمية الثانية كله، فكوريا الشمالية وإيران والصين تحتجز وتتاجر بالرهائن، مقابل تقديم تنازلات دبلوماسية، والرئيس السوري بشار الأسد ينتهك الحظر، الذي أعقب الحرب العالمية الأولى على استخدام الأسلحة الكيماوية، كما ينشط تنظيم داعش من الموصل إلى موزمبيق".
معركة الصين
ترى فيكتوريا كوتس، وهي مديرة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز السياسات الأمنية، أنه على مدى العقد الماضي، أصبح من الواضح أن الصين تشكل تهديداً للأجيال القادمة للولايات المتحدة، وأنها ستتحدى أمريكا للحصول على مكانة القوة العظمى في وقت قصير.
ووفقًا لكوتس، ثبت أن افتراض ما بعد الحرب الباردة، بأن الاتجاه نحو الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية، كان حتمياً وليس خاطئاً فحسب، لكن يبدو أن الصين استغلت المؤسسات التي بنيناها وأفسدتها لتشجيع هذا الاتجاه أيضاً.
وقالت كوتس، التي شغلت منصب نائب مستشار الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، المستشار السياسي الأول لوزير الطاقة الأمريكي، في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إن الخبر السار هو أنه رغم النمو الاقتصادي المثير للإعجاب في الصين، فإن الممارسات العدوانية والوحشية التي تستخدمها بكين لتحقيق هذا النجاح، تجعل الدول الشريكة المحتملة أيضاً حذرة، وهو ما يصب في صالح أمريكا، طالما أن قادة البلاد يروِّجون لفكرة الاستفادة من الوجود في فريقها، وتوضيح أنه سيكون من الضروري اختيار جانب في هذه المعركة.
الحرب الباردة
من جانبه، قال الرئيس السابق لإستونيا، توماس هندريك إلفيس، إن الدور الأمريكي المتغير في الخارج، يتضح من خلال التعديلات التي يفكر حلفاؤها في إجرائها، مضيفاً أنه في عالم أعادت فيه الولايات المتحدة تحديد موقفها الأمني بشكل كبير، فإن أوروبا بحاجة جدية إلى إعادة تحديد موقفها هي الأخرى.
وأشار إلفيس، وهو زميل في مركز تحليل السياسة الأوروبية، إلى أن أوروبا بحاجة إلى العثور على مظلة خاصة بها، وهو ما يعني، على الأقل، تولي مسؤولية أمنها الخاص.
ومع ذلك، فإنه بعد مرور 30 عاماً على نهاية الحرب الباردة، استمرت القارة في ممارسة "تمرد مراهق" تجاه الولايات المتحدة، حيث كانت تتبنى استقلالاً استراتيجياً غامضاً، لكن الأخيرة ترى اليوم أمنها القومي في آسيا، وليس في أوروبا ،كما كان الحال في معظم السنوات منذ عام 1945، حسب إلفيس.
وتابع: "يبدو أن المغادرة المفاجئة للولايات المتحدة من أفغانستان، أيقظت البعض في أوروبا على واقع جديد، وبعد 70 عاماً من الوجود الأمريكي القوي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سيكون من المعقول أن تلعب أوروبا دوراً أيضاً في هذه المنطقة".
خطر وجودي
إلى ذلك، رأى ألبرتو فرنانديز وهو نائب رئيس معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام، أن بايدن وترامب كانا محقين في التركيز على الطابع العدائي للصين، وإعادة ضبط جهود الدفاع الأمريكية وفقاً لذلك.
وقال فرنانديز، الذي عمل منسقًا لاتصالات مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية: إن الولايات المتحدة تواجه خطراً وجودياً أكبر في أن تصبح نسخة غربية من الاتحاد السوفييتي القديم.
بينما تقول الزميلة البارزة في معهد هدسون، الأستاذة المساعدة في معهد السياسة العالمية الأمريكي، ريبيكا هاينريتش، إن العالم شاهد أمريكا وهي تتراجع تحت قبضة طالبان، فضلاً عن تقويتها روسيا من خلال التنازل عن العقوبات المفروضة على "نورد ستريم 2"، وتخليها عن فرنسا عندما أقامت سِراً تحالفاً أمنياً مع أستراليا والمملكة المتحدة، لذا فإنه ليس من المستغرب أن يشكك الحلفاء في دور أمريكا في العالم.
وتابعت: "أولاً وقبل كل شيء، يجب أن نعزز أسبقيتنا، وهذا يعني تعزيز اقتصادنا، من خلال رفع القيود وتحرير سلاسل التوريد المهمة من قبضة الصين الخانقة، كما يعني أن استقلال الطاقة ضرورة أمنية وطنية غير قابلة للتفاوض، كما يجب أن يدعم الاقتصاد ويشجع على بناء الأسر وازدهارها".
وشددت على ضرورة الاستثمار بحِكمة في الجيش، والتركيز على أنظمة الأسلحة التي نحتاجها لردع أخطر الخصوم، الصين وروسيا، ويتعين علينا الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، لجعل أسلحتنا أكثر فتكاً أثناء تدريب مقاتلينا، ليكونوا متقدِّمين بخطوة على أي نظير أو منافس، ويجب أن نستخدم القوة الجماعية لتحالفاتنا بشكل أفضل، فنحن بحاجة إلى "ناتو" قوي لردع روسيا، وبحاجة إلى تحالف رباعي (كواد) قوي لإضعاف الصين وردعها، كما نحتاج إلى شركاء من إسرائيل والخليج وآخرين، لمساعدتنا في تدمير الخلايا الإرهابية ومواجهة النظام الإيراني.
وفي نهاية التقرير رأى الكاتب الأمريكي جوناثان شانزر أنه صحيح أن النظام العالمي، الذي تقوده الولايات المتحدة، نجا من قبل حلف شمال الأطلسي، وكذلك الحلفاء في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، لكن من دون أمريكا قوية، فإنهم جميعاً سيشعرون بالقلق المُبرَّر بشأن صعود الصين، المرشح الأكثر احتمالاً لوراثة النظام العالمي.