كيف يؤثر الجيل الخامس في اقتصاد الهند؟

خدمات الجيل الخامس تعد أحدث معركة لمشغلي الشبكات في الهند، في حملتها للسيطرة على سوق الهاتف المحمول سريع النمو.

كيف يؤثر الجيل الخامس في اقتصاد الهند؟

ترجمات - السياق

في خطوة وصفها رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي بأنها (قفزة نحو العصر الجديد)، أطلقت الهند خدمات شبكة الجيل الخامس في البلاد بداية أكتوبر المنصرم، في وقت يأمل مشغلو الشبكات أن يكون للطرح تأثير كبير في كل من سوق الاتصالات المتنقلة واقتصاد الدولة.

وأشارت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، إلى أنه في سبتمبر 2017، شكّلت حكومة الهند فريق عمل يسمى (فايف جي الهند 2020)، للدفع من أجل "النشر المبكر" لتكنولوجيا الاتصالات في البلاد.

ولكن مع دخول العالم في محنة وباء كورونا عام 2020، اضطرت الهند لتأخير المشروع جزئيًا، حتى خرج للنور أخيرًا، وأعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي إطلاق خدمات شبكة الجيل الخامس في البلاد بداية الشهر الماضي.

 

السيطرة على السوق

وأوضحت "فايننشال تايمز" أنه مع استهداف الشركات لعطلة ديوالي -وهو عيد ديني للهندوس والسيخ يُحتفل به في فصل الخريف ومعناه عيد الأنوار- الأسبوع الماضي لإطلاقها الأولي، فإن خدمات الجيل الخامس تعد أحدث معركة لمشغلي الشبكات في الهند، في حملتها للسيطرة على سوق الهاتف المحمول سريع النمو.

وأشارت إلى أن المعركة بدأت عام 2016 عندما أعلنت شركة جيو فاينانشيال سيرفس، لمالكها قطب الأعمال الهندي موكيش أمباني، عزمها الحصول على أكبر قدر ممكن من البيانات في الهند.

أمام هذا العزم، كشفت شركة ريلاينس إندستريز، المملوكة لرجل الأعمال الهندي موكيش أمباني، استثمارها بقوة في الشبكة الجديدة، متفوقة على الشركات القائمة في حرب أسعار حادة.

عام 2019 -حسب الصحيفة البريطانية- أعلنت ريلاينس، أنها استثمرت نحو 3.5 تريليون روبية (48 مليار دولار بمتوسط سعر الصرف على مدى السنوات الخمس الماضية) في الشبكة.

وبينّت أنه عندما بدأ أمباني هذه الشركة قبل 6 سنوات، كانت كيفية بيع البيانات في دولة نامية هي المشكلة الكبرى، لكن السؤال الأهم الآن هو: ما الذي يمكن بيعه في المرحلة المقبلة للذين يستخدمون البيانات بكثرة؟ مشيرة إلى أن أحد الإجابات الممكنة لهذا السؤال هي: الخدمات المالية، لافتة إلى أن أغلبية الناس يحتاجون دائمًا إلى الائتمان.

هذا هو القطاع الجديد الذي يريد أمباني الانتقال إليه في المرحلة المقبلة، ويركز على "نشاط إقراض المستهلكين والتجار المعتمد على تحليلات بيانات الملكية، لتكملة ودعم نماذج التصنيف الائتماني المكتبية"، حسبما قالت شركة ريلاينس إندستريز في بيان صحفي، الجمعة.

وأوضحت أنه بينما يكفي استخدام مساحة تخزين بسعة 5 إكسابايت لتسجيل الكلمات التي نطقت بها البشرية، إلا أن عملاء شركة الاتصالات التابعة لقطب الأعمال الهندي موكيش أمباني استعملوا ما يقرب من 6 أضعاف مساحة البيانات هذه في الربع الماضي، لافتة إلى أن التحدي الذي يواجهه أمباني قد تغير لأن رجل الأعمال الهندي يستهدف مشتركيه البالغ عددهم 428 مليون شخص بخدمة جديدة في شبكة الجيل الخامس، كما يسعى لجذب 300 مليون ممن يستخدمون الهواتف الأساسية وحتى الذكية.

وحسب الصحيفة البريطانية، وجهت "جيو فاينانشيال سيرفس" ضربات مدمرة إلى المنافسين، أدت إلى توحيد السوق المجزأة.

ووفقًا للإحصاءات الرسمية، فإنه عام 2015، قبل وصول "جيو فاينانشيال سيرفس"، لم تكن هناك شركة واحدة تمتلك أكثر من 24 في المئة من حصة سوق شبكة الهاتف المحمول في الهند.

بينما اليوم، يكاد يكون السباق بين شركتين عملاقين -جيو- التي تحتل 36 في المئة، مع أقرب منافس لها (بهارتي إيرتل) بنسبة 32 في المئة، بينما تأتي شركة فودافون آيديا في المرتبة الثالثة.

وفي إشارة إلى الأهمية الكبرى التي تُمثلها شبكة الجيل الخامس لاستراتيجية أمباني ، فإنه لم يتردد في إنفاق نحو 11 مليار دولار من أصل 19 مليار دولار للحصول على أكبر قدر من خدماتها خلال المزاد الذي أقيم بشأنها.

مزاد هندي

تأتي مناورة أمباني في الجيل الخامس، بعد أن تبين أنه أكبر المشترين في مزاد هندي على ترددات النطاق هذا العام، ورغم أن هذه التكنولوجيا لم يثبت أنها مربحة بالنسبة لشركات الاتصالات اللاسلكية الآسيوية الأخرى، التي استثمرت فيها مليارات الدولارات، يأمل امبراطور الأعمال القوي جذب المستخدمين الأثرياء، ودعم طموحات شركة ريلاينس في مجالي الإعلام والتجارة الإلكترونية.

ووفق تصريحات رئيس مجلس إدارتها الملياردير موكيش أمباني، الذي يستمر في توسيع وتنويع نشاط امبراطوريته التي تبلغ قيمتها 220 مليار دولار، تخطط شركة ريلاينس إنداستريز لاستثمار تريليوني روبية (25 مليار دولار) في خدمة الجيل الخامس في مختلف أنحاء الهند.

ومن المقرر أن تطرح شركة ريلاينس جيو إنفوكوم، وهي ذراع الاستثمار في قطاع الاتصالات التابعة للمجموعة متعددة المجالات والأنشطة، خدمة مستقلة للجيل الخامس لا تعتمد على شبكة الجيل الرابع السابقة، كما ستقدم خدمات اتصال أسرع، بحسب ما قاله أمباني للمستثمرين خلال الجمعية العمومية السنوية للمساهمين.

في المقابل، تسعى مجموعة الملياردير غوتام أداني، لدخول عالم الاتصالات لأول مرة، مع بدء تشغيل الجيل الخامس.

 

عطش هندي

ووفقًا لـ "ريلاينس إنداستريز"، فإن الهند متعطشة للبيانات، مشيرة إلى أن "جيو" تمتلك حاليًا أكثر من 420 مليون مشترك في النطاق العريض المتنقل، بمتوسط استهلاك شهري يصل لنحو 20 غيغابايت.

ووفقًا لشركة إريكسون لصناعة معدات الاتصالات، فإن هذا الرقم أعلى بكثير من متوسط الاستهلاك الشهري العالمي البالغ 12 غيغابايت، مشيرة إلى أن الهند لديها ثاني أعلى حركة بيانات لكل هاتف ذكي في العالم.

وحسب "فايننشال تايمز" قادت بيانات الهاتف المحمول الرخيصة للغاية ثورة على الإنترنت في الهند، حيث أدت اتصالات الإنترنت إلى تسريع كل شيء من الخدمات الحكومية إلى المدفوعات.

ويرى بعض المحللين -المتفائلين بسوق الجيل الخامس- أن الشبكة الجديدة التي تنقل المعلومات أسرع من الشبكة الرابعة، ستوفر في النهاية طرقًا جديدة للمستهلكين والشركات الهندية لاستخدام الإنترنت، من السيارات المستقلة إلى الألعاب إلى التطبيب عن بُعد.

وفي ذلك قال موكيش أمباني للمساهمين بالاجتماع السنوي للشركة في أغسطس الماضي: "مع شبكة الجيل الخامس، سنربط الجميع في كل مكان وكل شيء بأعلى جودة وبأسعار معقولة"، مضيفًا: "سوف تكون شبكة (جيو فايف جي) أكبر شبكة للجيل الخامس وأكثرها تقدمًا في العالم".

وتعهد أمباني بإنفاق نحو تريليوني روبية (24 مليار دولار)، على مدى إطار زمني غير محدد، لبناء شبكة فايف جي لعموم الهند، كما وعد بأن يصل اتصال "فايف جي" عبر الدولة الشاسعة بحلول ديسمبر 2023، من خلال تقنية محلية طورها مهندسون هنود.

كانت إريكسون توقعت أن حصة "فايف جي" من حركة بيانات الهاتف المحمول في جميع أنحاء العالم سوف تتضخم من 10 في المئة عام 2021 إلى 60 في المئة بحلول عام 2027.

ومن المقرر أن يستخدم الجيل الخامس لشبكات الخلوي ترددات عالية، كما أن النطاق سيكون موسعًا، إذ يمكن للمستخدمين نقل سعة بيانات أكبر بمرات عدة من المتوفر حاليًا وأسرع من معايير الهواتف المحمولة القديمة، وبمعدلات تصل إلى 10 غيغابايت في الثانية.

وتتوقع شركة الاتصالات السويدية العملاقة "إريكسون" أنه بحلول عام 2024، سوف يستخدم أكثر من 40 في المئة من سكان العالم تكنولوجيا الجيل الخامس.

لكن -حسب "فايننشال تايمز"- فإن المبالغ الضخمة التي يتم ضخها في شبكة الجيل الخامس الوليدة في الهند، قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وهو ما يثير مخاوف المستثمرين والمستخدمين.