قناة مائية وجسر استراتيجي... لماذا يقاتل بوتين من أجل خيرسون؟

تعهدت الإدارة الموالية لروسيا جعل خيرسون حصنا منيعا لصد الهجوم الأوكراني المضاد، الذي لا يفصله سوى ستة أسابيع قبل أن يعوق الصقيع أي تقدم إضافي.

قناة مائية وجسر استراتيجي... لماذا يقاتل بوتين من أجل خيرسون؟

ترجمات - السياق

كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أسباب اهتمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بمدينة خيرسون جنوبي أوكرانيا، مشيرة إلى أنها فضلًا عن أنها تضم قناة مائية عذبة، تعد جسرًا بريًا مهمًا إلى شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو عام 2014.

وفي 30 سبتمبر الماضي، أعلنت روسيا ضم خيرسون، بعد استفتاءات في أربع مناطق أوكرانية، وصفتها كييف والغرب بأنها "صورية وغير قانونية".

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن قوات موسكو وكييف تستعد للقتال من أجل "السيطرة على مدينة خيرسون" جنوبي البلاد، في معركة يمكن أن تصبح "الأكبر والأشرس" في الصراع الروسي الأوكراني، وهو ما يمثل الاختبار الأصعب للرئيس فلاديمير بوتين، منذ غزو قواته أوكرانيا في فبراير الماضي.

وبينت أن الفوز في هذه المدينة -المهمة جدًا بالنسبة لموسكو كونها الرابط بين الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا منذ عام 2014- سيحدد إلى حد بعيد المنتصر في الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ فبراير الماضي، فإما يثبت بوتين قدميه، وإما أن يُجبر على التراجع خالي الوفاض.

 

انسحاب متعمد

ورغم أهمية خيرسون بالنسبة لبوتين، فإن "واشنطن بوست" نقلت عن مسؤولين غربيين، تأكيدهم أن روسيا تستعد لانسحاب "متعمد" من المدينة.

يأتي ذلك بعدما أشار مسؤولون أوكرانيون مؤخرًا إلى أن هجومًا على مدينة خيرسون -العاصمة الإقليمية الوحيدة التي تمكنت روسيا من السيطرة عليها منذ بدء غزوها في 24 فبراير- قد يكون وشيكًا.

ورغم المعركة الصعبة المنتظرة، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للأوكرانيين: "توقعوا أخبارًا جيدة من المنطقة"، بينما قال مسؤول آخر إنه يتوقع استعادة المدينة نهاية العام.

وحسب الصحيفة، تعد خيرسون مهمة استراتيجيًا بشكل استثنائي لروسيا والرئيس فلاديمير بوتين، كونها تضم قناة تمد شبه جزيرة القرم بالمياه العذبة، وعبر أراضيها ينوي بوتين مد الجسر الاستراتيجي، الذي يربط البر الروسي بشبه الجزيرة.

ومع ذلك، لم تظهر روسيا -حتى الآن- أي بادرة على استعدادها للتخلي عن المدينة، أو منطقة خيرسون الأوسع نطاقًا، ذات الأهمية الاستراتيجية والسياسية الهائلة للكرملين.

كانت القوات المسلحة الأوكرانية، قالت الأسبوع الماضي: إن روسيا نقلت ألف جندي إضافي إلى المنطقة حول مدينة خيرسون، التي كان عدد سكانها قبل الحرب قرابة 300 ألف نسمة.

لكن وردت أنباء متضاربة، الخميس، عن نشاط روسي جديد بالمنطقة، حيث أظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي بعض نقاط التفتيش الروسية وهي مهجورة، ولم يعد العلم الروسي يرفرف فوق المبنى الإداري الإقليمي.

وقال مسؤولون غربيون إن القوات الروسية -على ما يبدو- مستعدة للتراجع إلى الضفة الشرقية لنهر دنيبر، لكن مسؤولة أوكرانية كبيرة قالت لوسائل إعلام محلية: إن إنزال العلم قد يكون حيلة لإغراء قوات بلادها بدخول المدينة، حيث يمكن أن يهاجمهم جنود روس يتنكرون في أزياء مدنيين.

بينما أوضح كيريل ستريموسوف، نائب رئيس الحكومة الإقليمية المدعومة من موسكو، الخميس، أن هناك "قتالًا عنيفًا" على خط المواجهة، لكن الوضع لا يزال "تحت السيطرة".

 

تباطؤ أوكراني

ورغم اشتداد المعارك، فإن "واشنطن بوست" بينت أن جهود أوكرانيا لاستعادة البلدات في منطقة خيرسون الأوسع، تباطأت خلال الأيام الأخيرة، حيث تسببت أمطار الخريف في جعل الأرض موحلة، ما يصعب الحركة، فضلًا عن التحصينات الروسية.

ونقلت الصحيفة عن قائد ميداني، رفض ذكر اسمه، قوله: "الروس لديهم مواقع جيدة جدًا ومجهزة جيدًا في هذه المنطقة، لذا من الصعب طردهم في الوقت الحالي".

وأضاف: "حتى لو أطلقت النار بدقة بالمدفعية، فقد تقتل بعض الجنود الروس، لكن آخرين عادوا إلى هذه المواقع"، متابعًا: "للمضي قدمًا، نحتاج إلى الكثير من الدبابات وناقلات الجند المدرعة والموارد البشرية".

أواخر الصيف، ظهرت مؤشرات على أن أوكرانيا كانت تخطط لشن هجوم مضاد كبير على خيرسون، لذلك حولت روسيا وحدات عسكرية إلى الجنوب، ما أسهم في النجاح السريع لهجوم أوكراني آخر بمنطقة خاركيف في الشمال الشرقي، لكن توغل أوكرانيا جنوبًا كان بطيئًا، وتسبب في خسائر فادحة.

وتشكل منطقة خيرسون آخر عنصر حاسم في "الجسر البري" الممتد من البر الرئيس لروسيا إلى شبه جزيرة القرم، الذي كان بوتين يطمح إليه منذ أن ضمتها موسكو بشكل غير قانوني عام 2014، وفقًا لـ "واشنطن بوست".

بينما كان عدم القدرة على الوصول إلى القرم برًا، سبب إنفاق بوتين 4 مليارات دولار لبناء جسر القرم عبر مضيق كيرتش.

وفي فبراير، عندما أمر بوتين بغزو واسع النطاق، تدفقت القوات الروسية في شبه جزيرة القرم إلى جنوبي أوكرانيا عبر خيرسون، والآن أصبحت المدينة "موطئ قدم موسكو الرئيس على الجانب الغربي من نهر دنيبر"، وحال سقوطها، قد تواصل القوات الأوكرانية مسيرتها، ما يهدد بحصار القوات الروسية.

وحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه أوائل أكتوبر الماضي، كانت القوات الأوكرانية تتقدم تجاه مدينة خيرسون من الشمال والغرب.

وقال المسؤولون الذين عينتهم روسيا، إنهم أخلوا ما يصل إلى 70 ألف مدني ومكتب إداري إلى الجانب الشرقي من نهر دنيبر قبل هجوم أوكراني متوقع.

ولكن بدلًا من التخلي عن المدينة، يبدو أن الروس يعززون مواقعهم ويستعدون للمعركة الكبيرة المقبلة، رغم أن لا أحد يعلم ما إذا كانت المدينة ستسقط قبل الشتاء أم بعده، وفقًا للصحيفة الأمريكية.

ومع اقتراب المواجهة، تستمر الأوضاع بمدينة خيرسون في التدهور، حيث يقول الذين فروا من العاصمة الإقليمية، إن خطوط الاتصال مقطوعة، مشيرين إلى أنه حتى بطاقات (إس آي إم) الروسية -التي بدأ العديد من سكان خيرسون استخدامها في هواتفهم المحمولة، بعد غزو الروس أوائل شهر مارس- غالبًا لم تعد تعمل.

 

ظروف صعبة

وفي ما يخص الأوضاع على الأرض، نقلت "واشنطن بوست" عن أوكرانية تدعى تيتيانا كارتانوفيتش -51 سنة- التي فرت من مدينة خيرسون قبل شهر وهي الآن في كييف، قولها: "لم يكن من الممكن البقاء على قيد الحياة في ظل الاحتلال".

وأضافت: "في البداية، كان الاحتلال منظمًا، وكان هناك عدد قليل من نقاط التفتيش، لكن بمرور الوقت، بدأ الروس ترويع الناس، وتفتيش سياراتهم وإجبار الرجال والفتيان، وأحيانًا النساء، على خلع ملابسهم، حتى يتمكنوا من التحقق من وجود وشم يوحي بالتعاطف مع الجيش الأوكراني أم لا".

كان زيلينسكي تعهد بتحرير خيرسون، ثم الدفع باتجاه القرم، وهي خط أحمر لبوتين، الذي حذر مرارًا من أي عمل عسكري لاستعادة شبه الجزيرة.

وعن أهمية المدينة للروس، أوضحت الصحيفة الأمريكية، أن خيرسون تضم قناة بالغة الأهمية من الحقبة السوفيتية، التي طالما وفرت إمدادات حيوية من المياه العذبة إلى القرم.

ومنعت أوكرانيا ذلك التدفق المائي عام 2014، ما كلف موسكو مئات الملايين من الدولارات، وكانت إحدى الخطوات الأولى التي اتخذتها روسيا بعد بدء الغزو، الاستيلاء على القناة وتجديد تدفق المياه إلى شبه الجزيرة.

وخلال الأسابيع الأخيرة، أصبح سد كاخوفكا ومحطة الطاقة الكهرومائية محور اتهامات متبادلة بين الجانبين، حيث زعم زيلينسكي أن "الإرهابيين الروس" يخططون لتدميرهما، بينما اتهم المسؤولون الروس، أوكرانيا بالتخطيط لفعل الشيء نفسه، لكن لم يقدم أي من الجانبين أدلة.

وقد يؤدي إلحاق أضرار بالسد إلى إغراق جزء كبير من المدينة والريف المحيط بها.

 

انسحاب روسي

على جانب آخر، نقلت "واشنطن بوست" عن مسؤولين غربيين، قولهم: إن القوات الروسية تبدو مستعدة لانسحاب من مدينة خيرسون الأوكرانية، مع وصول الاستعدادات لما قد يرقى إلى مستوى انسحاب "منظم ومخطط جيدًا ومدروس" إلى مرحلة متقدمة.

وقال أحد المسؤولين -الذي اشترط عدم كشف هويته بسبب حساسية الموضوع- إنه رغم أن القوات الروسية لديها "النية والقدرة على الانسحاب" ، فإنها قد تقرر عدم تنفيذ هذا الانسحاب.

في غضون ذلك، قال مسؤول روسي في خيرسون: إن موسكو ستسحب "على الأرجح" قواتها من الضفة الغربية لنهر دنيبر إلى الضفة الشرقية، إلا أن مسؤولين أوكرانيين حذروا من أن القوات الروسية يمكن أن تهدف من وراء الحديث عن الانسحاب إلى نصب فخ للقوات الأوكرانية.

وقال أحد المسؤولين الغربيين للصحفيين، إن القيادة العسكرية الروسية انسحبت بالفعل إلى الضفة الشرقية لنهر دنيبر، "تاركة رجالًا محبطين وبلا قيادة لمواجهة الاعتداءات الأوكرانية".

وأضاف، أن تقييمات الاستخبارات الغربية واثقة إلى حد معقول من أن الروس يعتزمون الانسحاب، متابعًا: "أعتقد أنهم قرروا في رأيهم أن مدينة خيرسون لا تستحق القتال من أجلها، وأن هذا الحاجز الدفاعي الطبيعي للنهر له قيمة كبيرة بالنسبة لهم".

من جانبه، قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، الخميس: إن القوات الأوكرانية "لديها القدرة على استعادة مدينة خيرسون" الجنوبية من القوات الروسية.

وأفاد أوستن، في مؤتمر صحفي بمقر وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" في واشنطن، أنه "فيما يتعلق بمسألة ما إذا كان بإمكان الأوكرانيين الاستيلاء على الأراضي المتبقية على الجانب الغربي من نهر دنيبرو وفي خيرسون، أعتقد بالتأكيد أن لديهم القدرة على ذلك".

وأضاف: "الأهم من ذلك أن الأوكرانيين يعتقدون أن لديهم القدرة على ذلك... لقد رأيناهم يدخلون في جهد منهجي للغاية وفعال لاستعادة أراضيهم السيادية".

وأوضح أوستن أن الأوكرانيين "سيواصلون الضغط حتى يؤمنوا أراضيهم على الجانب الغربي من النهر".