كاتب أمريكي: أزمة أفغانستان تهز صورة الناتو في أوروبا

أظهر استطلاع للرأي، أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في يناير 2021 أن 60% من سكان أوروبا، يريدون أن تظل دولتهم محايدة، في أي صراع بين الصين والولايات المتحدة

كاتب أمريكي: أزمة أفغانستان تهز صورة الناتو في أوروبا

ترجمات-السياق

رأى الكاتب الأمريكي هنري أولسن، أن القادة الأوروبيين محقون في رغبتهم، في فهم ما يعنيه "عدم الكفاءة المخيف" في أفغانستان، بالنسبة لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، قائلاً: يجب عليهم أن يكونوا قلقين أيضاً، من أن تؤدي نظرة الرأي العام في بلدانهم للحلف، إلى القضاء عليه.

وأضاف أولسن، في مقال بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية: بالنظر لأن حلفاء الولايات المتحدة في "الناتو" ديمقراطيات، فإنه يجب على قادة هذه الدول، أخذ الرأي العام في الاعتبار، إذ إنه لا يمكنهم تجاهل آراء ناخبيهم.

وتابع: "هذا هو السبب في أن استطلاعات الرأي، التي تم إجراؤها عام 2020 وأوائل هذا العام، للرأي العام الأوروبي، يجب أن تهم القادة الأمريكيين والأوروبيين، إذ أظهرت هذه الاستطلاعات أن الرأي العام الأوروبي يبدو مختلطاً في ما يتعلق بالمصالح الأمريكية الأساسية، كما أن الآراء كانت متباينة، بشأن إشراك جيوش دولهم في الصراعات المسلَّحة".

وأشار الكاتب، إلى أن الخبر السار هو أن أغلبية الرأي العام الأوروبي بشأن الناتو والولايات المتحدة، يظل إيجابياً، إذ وجد استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث في يونيو 2021 أن 61% من الأوروبيين لديهم رأي إيجابي في الحلف، وذلك بأغلبية الآراء في الدول الأوروبية باستثناء اليونان، كما كانت لدى الأوروبيين أيضاً آراء إيجابية في الولايات المتحدة، حيث أعرب أكثر من 55% عن رأي إيجابي فيها.

وقال أولسن: إن المشكلة تظهر عندما يحفر منظمو استطلاعات الرأي هذه بشكل أعمق قليلاً، موضحاً أن السمة الأساسية لأي تحالف عسكري، هو أن يساعد الأعضاء بعضهم في حالة الهجوم، وتابع: "هذا الموقف الموحد، أو الدفاع الجماعي باللغة الاستراتيجية، هو ما يجعل التحالف ذا مصداقية، ففي حال لم يدافع طرف أو أكثر عن الأعضاء الآخرين، فإن المشروع ينهار، الأمر الذي يخشاه العديد من القادة الأوروبيين، لأن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، يثير تساؤلات عن قدرتها على الوفاء بالتزاماتها".

ورأى الكاتب، أنه سواء كان هذا الخوف مُبرَّراً أم لا، فإن أغلبية السكان في معظم الدول الأوروبية، تعارض استخدام قواتها لمساعدة أحد حلفاء الناتو الآخرين، وهي النتيجة التي ظهرت في استطلاع أجراه "بيو" في فبراير 2020، ووصفها الكاتب بـ"المذهلة"، حيث تم سؤال المشاركين من 16 دولة في الحلف، عما إذا كان يجب على دولتهم استخدام القوة العسكرية، للدفاع عن حليف في "الناتو" في صراع عسكري خطير مع روسيا، وأجاب أغلبية من خمس دول فقط، الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وهولندا وليتوانيا، بنعم، بينما عارضت الأغلبية في الدول الأخرى التي شملها الاستطلاع، مساعدة الحلفاء، مع ارتفاع نسبة معارضة الأمر إلى 60% بين الألمان.

وأشار الكاتب، إلى أنه قد يتساءل المرء عن سبب استمرار النظر إلى الناتو بشكل إيجابي، رغم هذه النتائج، قائلاً: إن هناك سؤالاً آخر من استطلاع عام 2020 يوضح ذلك، إذ إنه عندما سُئل الأشخاص أنفسهم، عما إذا كانوا يعتقدون أن الولايات المتحدة ستستخدم القوة العسكرية، لمساعدة حليف في "الناتو" يتعرَّض لهجوم من روسيا، أجابت أغلبية المشاركين في الدول الأوروبية التي شملها الاستطلاع بنعم، مع ارتفاع النسبة فوق 70% في إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا.

وتابع: "لذا فإنه يبدو بوضوح، أن العديد من الأوروبيين، يعتقدون أن (الناتو) أداة لضمان حماية الولايات المتحدة لهم، وليس تحالفاً جماعياً يدعم فيه الجميع بعضهم، وهو الاعتقاد الذي قد يكون وراء تلبية 10 فقط من أعضاء (الناتو) الثلاثين لهدف الحلف المتمثِّل في إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع كل عام".

وقال أولسن: رغم أن هذه الحقيقة مثيرة للقلق، فإن هناك استطلاعًا آخر للرأي، يشير إلى علامات مقلقة أخرى، موضحاً أن الولايات المتحدة تنظر إلى الصين، باعتبارها تهديداً وجودياً، الأمر الذي يتسبَّب في تحويلها للموارد العسكرية إلى المحيط الهادئ، لمكافحة صعود بكين، والعمل على إقناع حلفاء الولايات المتحدة، بمقاومة الجهود الصينية لجعل اقتصادات تلك الدول تعتمد على المستهلكين والشركات في بكين، وهو ما قال الكاتب إنه يعني أن حلفاء "الناتو" سيُطلب منهم تحمُّل بعض العبء في تحالف مناهض للصين، وذلك في الوقت نفسه الذي ينتشر فيه الحلف ضد روسيا.

لكن يبدو أن الأوروبيين لا يريدون ذلك، حيث أظهر استطلاع للرأي، أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في يناير 2021 أن 60% من سكان أوروبا، يريدون أن تظل دولتهم محايدة، في أي صراع بين الصين والولايات المتحدة، كما وجد الاستطلاع أن 59% ممن شملهم الاستطلاع، يعتقدون أن الصين ستكون أقوى من الولايات المتحدة خلال عقد من الزمان، بينما أكد 19% فقط استمرار تفوق الولايات المتحدة، وقال 67% إن أوروبا لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة دائماً، وعليها أن تهتم بالدفاع عن نفسها.

ورأى أولسن، أن هذه الاتجاهات تشير إلى أن الناخبين لن يدعموا الولايات المتحدة، في أي صراع يرى قادتها، من كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، أنه الأكثر أهمية لبلادهم.

وأكد الكاتب، أن هذه الآراء قابلة للتغيُّـر، إذ يمكن للقادة الأوروبيين محاولة إقناع ناخبيهم، بأهمية وجود تحالف غربي قوي وعالمي، وحذَّر من أن عدم القيام بذلك، سيدفع هؤلاء القادة لاتباع ناخبيهم، وتقليل الاستثمار في الدفاع وتجنُّب المواقف المناهضة للصين، التي يريدها قادة الولايات المتحدة.

وتابع: "في حال حدوث ذلك، فإنه من المرجَّح أن يستنتج الرؤساء الأمريكيون، من الحزبين، أن التدخل العسكري الأوروبي الكبير، لم يعد يخدم المصالح الأمريكية، وحينها سيصبح أسوأ كابوس تواجهه أوروبا، بسبب ميولها الخاصة، وليس بسبب العجز الأمريكي".