الركود الاقتصادي يطرق أبواب منطقة اليورو.. ما علاقة الغاز؟
نشاط الصناعات التحويلية بأنحاء منطقة اليورو تراجع بشكل كبير الشهر الماضي، إذ أبقت أزمة تكلفة المعيشة المتفاقمة المستهلكين حذرين بينما أدى ارتفاع فواتير الطاقة إلى الحد من الإنتاج.

ترجمات - السياق
رأت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، أن تراجع النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو خلال شهر سبتمبر المنصرم، يزيد التوقعات بحدوث ركود في أوروبا.
وأظهر مسح لمؤشر مديري المشتريات "بي إم آي" -وهو مؤشر اقتصادي يقدم نظرة عامة دقيقة على ظروف التشغيل- أن نشاط الصناعات التحويلية بأنحاء منطقة اليورو تراجع أكثر الشهر الماضي، إذ أبقت أزمة تكلفة المعيشة المتفاقمة المستهلكين حذرين بينما أدى ارتفاع فواتير الطاقة إلى الحد من الإنتاج.
وأوضح أن ثقة الأعمال والمستهلكين في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو تراجعت بشكل حاد خلال سبتمبر، في إشارة كبيرة على تدهور آفاق التكتل مستقبلا.
وأشار المسح الذي شمل 5000 شركة في جميع أنحاء منطقة اليورو إلى الركود وأسوأ أداء اقتصادي منذ عام 2013 - باستثناء أشهر الإغلاق الوبائي -.
وانخفضت القراءة النهائية لمؤشر ستاندرد أند بورز غلوبال لمديري المشتريات في قطاع الصناعات التحويلية إلى أدنى مستوى في 27 شهرًا عند 48.4 في سبتمبر من 49.6 في أغسطس، وهو أقل بقليل من القراءة الأولية البالغة 48.5 ودون مستوى الخمسين الذي يفصل النمو عن الانكماش.
تزايد الأدلة
ونقلت بوليتيكو، عن كريستوف ويل الخبير الاقتصادي في "كومرتس بنك" عقب صدور مسح مؤشر مديري المشتريات: إن الأدلة على قرب حدوث الركود تتزايد، مشيرًا إلى أنه بالإضافة إلى الارتفاع الصاروخي في الأسعار الذي ضرب الإنفاق والإنتاج، فإن "عدم اليقين بشأن إمدادات الغاز في المستقبل يجعل الشركات أكثر حذرًا، الأمر الذي يدعو إلى تقليل الاستثمار".
وأضاف: "قفز معدل التضخم في سبتمبر كان متوقعًا، وبالتالي فإن الضغط على البنك المركزي الأوروبي لمواصلة رفع أسعار الفائدة بدرجة كبيرة من المرجح أن يظل مرتفعًا".
وحسب الصحيفة، يتوقع البنك المركزي الأوروبي حاليًا ركودًا تقنيًا هذا الشتاء، والذي يُعرّف بأنه ربعين متتاليين من النمو السلبي.
ومن المقرر أن يستمر التضخم في الارتفاع، إذ وصل إلى رقم مزدوج في ألمانيا لأول مرة منذ انضمامها إلى منطقة اليورو.
فيما دفع ارتفاع الأسعار البنك المركزي الأوروبي إلى رفع أسعار الفائدة بمقدار 125 نقطة أساس بالفعل، مع وعد بالمزيد في الأشهر المقبلة.
من جانبها، قالت كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، يوم الإثنين: "نحن ندرك جيدًا أن تلك القرارات التي نتخذها بشأن أسعار الفائدة من أجل مكافحة التضخم لها تأثير على أولئك الذين يقترضون والذين يقرضون"، مضيفة: "نعم ستكون هناك عواقب من أنواع مختلفة، لكن الهدف هو استقرار الأسعار ".
وهذا بدوره -حسب الصحيفة الأمريكية- يثير مخاوف من أن يؤدي تشديد المعروض النقدي إلى حدوث ركود.
ونقلت الصحيفة عن أليكس برازير، نائب رئيس معهد بلاك روك للاستثمار، قوله: "يعتقد البنك المركزي الأوروبي بشكل أساسي أنه يعيد السياسة إلى طبيعتها، لكن في الظروف الحالية، يؤدي في الواقع إلى تضخيم الانكماش".
معارضة العقوبات
وترى بوليتيكو، أن كل هذه الصعوبات الاقتصادية من المقرر أن تغذي التوتر السياسي ومعارضة العقوبات ضد روسيا، مما يخيف السياسيين من أن الأشهر الصعبة مازالت تنتظرهم.
وأمام ذلك، قال المفوض الاقتصادي بالاتحاد الأوروبي باولو غينتيلوني الأسبوع الماضي: "ربما نكون متجهين إلى أحد أكثر فصول الشتاء تحديًا منذ أجيال".
فيما أقر كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي فيليب لين في وقت سابق من هذا الأسبوع أن منطقة اليورو قريبة بشكل خطير من الركود.
وحسب الصحيفة، تشير التوقعات الرسمية، التي لطالما كانت أكثر تفاؤلًا من معظم نظرائها في القطاع الخاص، إلى ركود النمو في الربع الأخير من هذا العام والربع الأول من العام المقبل.
وتعليقًا على ذلك، قال لين: "إذا اعتقدنا أن حالتنا الأساسية هي النمو بالكاد، فلا يمكن استبعاد الركود التقني والوقوع في ركود معتدل".
وأشارت الصحيفة، إلى أنه منذ توقعات البنك المركزي الأوروبي بالركود في منطقة اليورو، حذر البنك المركزي الألماني من أن "هناك علامات متزايدة على ركود في الاقتصاد الألماني بمعنى انخفاض واضح وواسع النطاق وطويل الأمد في الناتج الاقتصادي".
بدوره، يتوقع معهد إيفو ومقره ميونيخ حدوث ركود شتوي لألمانيا، مع انكماش الإنتاج بنسبة 0.3٪ العام المقبل، بينما يتوقع دويتشه بنك انخفاضًا هائلًا بنسبة 3 إلى 4٪.
وتشير توقعات المعهد إلى أن توقعات التضخم السنوي في ألمانيا لعام 2023 قد تم تعديلها أيضًا، حيث تم رفعها إلى 9.3% من 6% بالتوقعات السابقة.
وبالنسبة لعام 2022، فإن معهد إيفو يتوقع أيضًا أن ينمو اقتصاد ألمانيا بنسبة 1.6%، انخفاضًا من 2.5%، في حين سيصل تضخم ألمانيا إلى 8.1% مقارنة بـ 6.8% في التوقعات السابقة.
وأشار المعهد إلى أن التخفيضات في إمدادات الغاز من روسيا خلال الصيف والزيادات الحادة بأسعار الطاقة، كانت السبب الرئيس وراء التوقعات الجديدة غير المُبشرة للاقتصاد الألماني.
وأمام ذلك، ترى الصحيفة، أن التخفيض الملحوظ في توقعات النمو لألمانيا، أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، يمكن أن يضع بسهولة التوازن للمنطقة ككل نحو الركود.
كان استطلاع حديث أجرته وكالة بلومبرغ أظهر احتمال حدوث انكماش في ربعين متتاليين عند 80 في المائة في العام المقبل، ارتفاعًا من 60 في المائة في استطلاع سابق.
أزمة طاقة
ونقلت بوليتيكو عن كريستيان كيلر، رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية في مصرف باركليز الاستثماري، قوله: "بعد النمو القوي خلال الربع الثاني، مع خروج الاقتصادات أخيرًا من قيود كوفيد 19، تنحدر المنطقة الآن بشكل أعمق في أزمة طاقة"، مضيفًا: "نتوقع انكماش الناتج لعدة أرباع، مصحوبًا بارتفاع كبير في التضخم الرئيس".
وللإجابة على تساؤل للصحيفة، "ما مدى شدة هذا الركود"، قال فيليب لين ومسؤولون آخرون في البنك المركزي الأوروبي، بمن فيهم رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل: إن الخطوة التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي الشهر الماضي، برفع معدل الفائدة الرئيس بمقدار 0.75 نقطة مئوية كانت إشارة مهمة، محذرين من أنه "إذا بقي الوضع التضخمي على حاله، فسيتعين اتخاذ خطوات جديدة في رفع الفائدة".
وأضافوا، أن لدى البنك مؤشرات على أن التضخم ما زال ينتشر في العديد من مجالات الاقتصاد.
فيما قال الاقتصاديون في دويتشه بنك إن توقعاتهم لـ "ركود معتدل" في أوروبا لم تعد صالحة مع تصاعد أزمة الطاقة، وخفضوا التوقعات إلى -2.2 في المئة من 0.3 في المئة السابقة.
وبينما يتوقع بنك باركليز أن تنكمش منطقة اليورو بنسبة 1.1 في المائة العام المقبل، أيده في الرأي معهد بلاك روك للاستثمار وتوقع أيضًا انكماشًا بنسبة 1.1 في المائة في الإنتاج في عام 2023، أي ما يعادل انخفاضًا بمقدار نقطتين مئويتين من الذروة إلى القاع.
وحيال ذلك، قال أليكس برازير، نائب رئيس معهد بلاك روك للاستثمار: "المتوقع ركودًا كاملًا وليس مُصغرًا".
وأرجعت الصحيفة الأمريكية، تشاؤم التوقعات إلى تصعيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير للحرب في أوكرانيا بضمه أربع مناطق جديدة بطريقة غير شرعية، فضلًا عن توقف تصدير الغاز إلى أوروبا، مضيفة: "هذا التصعيد لا يمكن أن يمنح أي آفاق للإشراق في المنطقة بالقريب العاجل".
ألم الركود
وحسب بوليتيكو، تكمن المشكلة في أنه، على عكس فترات الركود السابقة، لا يستطيع البنك المركزي الأوروبي المساعدة في التخفيف من تأثير الانكماش الاقتصادي، مشيرة إلى أنه لمحاربة التضخم المشتعل، يتعين عليه -أي المركزي الأوروبي- تشديد السياسة النقدية.
وبالفعل، فقد أثارت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد في وقت سابق من هذا الأسبوع وللمرة الأولى احتمالية أن يتعين على صانعي السياسة رفع أسعار الفائدة الرئيسة إلى حد كبير بحيث يبطئون النمو الاقتصادي الهزيل بالفعل.
وفيما يخص احتمالية تراجع ضغوط الأسعار، شددت الصحيفة الأمريكية، على أنه لا توجد أي علامات على ذلك في أي وقت قريب، موضحة أن مسح مؤشر مديري المشتريات أظهر أن الارتفاع في تكاليف الطاقة أعاد إشعال الضغوط التضخمية، وبالتالي فإن "التحدي الذي يواجه صانعي السياسة لترويض التضخم مع تجنب الهبوط الحاد للاقتصاد أصبح بالتالي صعبًا بشكل متزايد".
وحسب الصحيفة، يواجه البنك المركزي الأوروبي مقايضة قاسية للغاية بين التضخم الأساسي المستمر وتوليد الركود.
وفي ذلك، يقول أليكس برازير، نائب رئيس معهد بلاك روك للاستثمار: "لا أعتقد أنهم قد اعترفوا بحجم هذه المقايضة حتى الآن"، مضيفًا: "بمجرد الاعتراف بهذه المقايضة، سنرى صورة أوضح".
التداعيات السياسية
وحول التداعيات السياسية، بينّت بوليتيكو، أنه في حين أن العمالة في منطقة اليورو وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، فقد انخفضت الأجور الحقيقية، حيث فشل نمو الأجور في مواكبة التضخم، مما أدى إلى تقويض القوة الشرائية للعمال وتوليد أزمة في تكلفة المعيشة.
من جانبه، حذر اللوبي التجاري كونفيندستريا في إيطاليا من أن ما بين 400 ألف و600 ألف وظيفة قد تُفقد نتيجة لارتفاع أسعار الغاز.
وأمام ذلك، -حسب الصحيفة- بدأ السخط الشعبي في الظهور، مع اندلاع الاحتجاجات في جمهورية التشيك وسلوفاكيا وبولندا وألمانيا ضد ارتفاع أسعار الطاقة.
ولمحاولة إبقاء السخط الشعبي تحت السيطرة، سعت الحكومات في جميع أنحاء أوروبا لضخ مئات المليارات من الدولارات لتخفيض أسعار الطاقة للمنازل والشركات، ولكن من غير المرجح أن يوفر ذلك راحة طويلة الأمد، خصوصًا مع دخول فصل الشتاء الذي يحتاج للمزيد من استخدامات الطاقة في التدفئة، وفق الصحيفة الأمريكية.
ومع هذه التحديات الضخمة، قالت سارة فاغنكنيخت من حزب "دي لينك" اليساري المتطرف في ألمانيا: "لن نساعد أوكرانيا إذا كسرنا العمود الفقري الصناعي لدينا"، في إشارة إلى أن توقف الغاز الروسي قد يعني رفع الأيدي الأوروبية عن مساعدة كييف.
وقالت فاغنكنيخت في تصريح لوكالة "د ب أ"، إن "الخامات الروسية، وقبل كل الشيء الطاقة الروسية الرخيصة نسبيًا، هي الظروف الضرورية لوجود صناعة ألمانية قادرة على التنافس، ونحن لا يمكن أن نستغني عنها".
وأضافت أن "الحرب الاقتصادية تدمر ألمانيا، بينما لا تلحق أي ضرر تقريبًا ببوتين، ولا توقف القتل في أوكرانيا".