روسيا والكوارث النووية... من مقبرة الأرض إلى سفرودفنسك
مدينتان وقاعدة عسكرية و3 غواصات، تلك حصيلة هذه الكوارث النووية، التي امتد تأثير بعضها خارج روسيا، حتى غطَّت معظم قارة أوروبا.

السياق
شهدت روسيا تاريخاً طويلاً من الكوارث النووية، منذ أن كانت تحت مسمى الاتحاد السوفييتي، منها ما كان معلناً، وما تم الكشف عنه في ما بعد.
مدينتان وقاعدة عسكرية و3غواصات، تلك حصيلة هذه الكوارث النووية، التي امتد تأثير بعضها خارج روسيا، حتى غطَّت معظم قارة أوروبا.
الكوارث الـ 6 ارتبطت، إما بانبعاثات نووية، وإما بتفجيرات تسبَّبت في مقتل الآلاف، تمت التغطية عليها، لكن مع مرور الوقت، كشفت مقابر الضحايا عن هذه الحقيقة غير المروية.
"مقبرة الأرض"
"أوزيرسك" أو المدينة المفقودة، التي تعرف أيضاً بالمدينة الـ40، تُعَدُّ شاهدة على أولى الكوارث النووية في روسيا.
فقد تم إنشاء هذه المدينة عام 1946، لبناء قنبلة نووية، بعيداَ عن أنظار الولايات المتحدة، وتم إقناع سكانها، الذين بلغ عددهم في ذلك الوقت 100 ألف نسمة، بأنهم في مهمة قومية، حيث تم الإغداق عليهم بالخدمات والامتيازات، التي كانت ستاراً للتلوث النووي، الذي عاشوا فيه طويلاً.
وفي عام 1957، نتيجة ضعف إجراءات الأمان، تعرَّضت المدينة لأسوأ كارثة نووية، تُعَدُّ -بحسب خبراء- أسوأ من تشيرنوبل، تعرف بـ"كارثة كيشتيم".
فقد عانت المدينة إشعاعاً نووياً، بخمسة أضعاف المعدل الطبيعي، ما أثَّر على حياة ما يقرب من 500 ألف شخص.
فقد تم بناء مفاعل نووي سري يسمى "ماياك" بالقرب من بحيرة "إرتياش"، لبناء القنبلة النووية، وفي سبيل ذلك، تم التخلُّص من مئات الملايين من النفايات النووية، التي كانت كفيلة بتحويلها إلى حظيرة سامّة.
ورغم محاولات الاتحاد السوفييتي السابق، محو أي أثر لهذه المدنية، باعتبارها مكاناً سرياً، فإنها بعد نحو 4 عقود، باحت بأسرارها أو بمعنى أدق، بمأساتها، حيث ظل مستوى الإشعاع حول البحيرة مرتفعاً، طوال هذه السنوات.
تشيرنوبل... انفجار نهاية العالم
يُـعَـدُّ انفجار مفاعل تشرنوبل، عام 1986، آخر علامات شيخوخة الاتحاد السوفييتي، وانهياره الذي تم بعد أقل من 5 سنوات.
فقد شهد المفاعل، الذي كان يقبع بالقرب من مدينة بريبيات في أوكرانيا السوفييتية آنذاك، انفجاراً نتيجة تجربة محاكاة لصاروخ نووي، بينما أشارت رواية أخرى، إلى أن الانفجار وقع خلال صيانة دورية للمُفاعل، الذي كان يقع على بُعد 130 كيلومترًا من العاصمة كييف.
وكما كان يتعامل الاتحاد السوفييتي، مع الكوارث الخاصة بالمشروعات القومية، حيث التعتيم، حاول التغطية على الانفجار، وتأكيد أن نسبة التسرُّب الإشعاعي ضئيلة جداً، رغم أن الانفجار تسبَّب في مقتل 31 شخصاً في ذلك الحين.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية، إلى مقتل نحو 9 آلاف مدني، من جراء كارثة تشيرنوبل في الأيام التالية.
ووفق تقرير أممي، صدر عن لجنة الأمم المتحدة العلمية، المعنيّة بآثار الإشعاع الذري، فإنه خلال عام 1986، تم إخلاء ما يزيد على 115 ألف شخص من محيط المفاعل، وأُعيدَ تسكينهم في أماكن أخرى.
كما تضررت مساحات شاسعة من بيلاروسيا وأوكرانيا، بالتسريبات المشعة، كما رُصدت الآثار الإشعاعية، في جميع دول نِصف الكرة الشمالي.
وأشار التقرير أيضاً إلى تعرُّض أكثر من 8 ملايين شخص في: بيلاروسيا، وروسيا، وأوكرانيا، للإشعاع بدرجاته المختلفة، كما عانى نحو 155 ألف كيلومتر مربع، التلوث الإشعاعي.
3 غواصات وقاعدة عسكرية
لم تقتصر الكوارث النووية، في الاتحاد السوفيتي وروسيا، على المدن السرية ومفاعلاتها النووية، لكن القواعد العسكرية، التي كشفت عن تخزين السلاح النووي فيها، امتدت إلى جانب الغواصات، التي لم تسلم بدورها، من ضعف إجراءات الحماية.
ففي عام 1989، أي قبل أشهر من سقوط الاتحاد السوفييتي، اشتعلت النيران في غواصة نووية سوفييتية تدعى "كومسموليتس"، أثناء إبحارها على عمق يزيد على 350 متراً، في بحر النرويج.
الانفجار أسفر عن مقتل 40 بحاراً، كما ظلت الغواصة قابعة في قاع بحر النرويج، على بعد 1700 متر.
وأشارت تقارير، إلى أن الغواصة -البالغ طولها نحو 120 متراً- انبعثت منها إشعاعات السيزيوم، بشكل مرتفع عن المعدل الطبيعي للإشعاع في البحر، بـ 800 ألف مرة.
ثم جاءت الألفية الثانية، لتعلن عن كارثة نووية جديدة في روسيا أيضاً، وذلك مع غرق الغواصة النووية "كورسك" عام 2000.
وصُنِّفت هذه الحادثة، بأنها أسوأ الحوادث في تاريخ القوات البحرية الروسية، رغم أنها لم تسفر عن أي تسرُّب إشعاعي.
وغرقت الغواصة "كورسك" بالقرب من القطب الشمالي في بحر بارنتس، وأشارت تقارير إلى أن سبب الغرق هو تسرُّب وقود أحد الطوربيدات، ما أدى إلى سلسلة انفجارات أغرقت الغواصة، وقُتل 108 من البحّارة.
وفي عام 2019، كانت روسيا على موعد جديد مع الكوارث النووية، حيث شب حريق، في إحدى غواصاتها التي تعمل بالطاقة النووية، في مدينة سيفيرومورسك، المطلة على بحر بارنتس، أسفر عن مقتل 14 بحاراً.
وتعاملت روسيا أيضاً، كما كانت، مع الكوارث النووية، حيث رفضت الإفصاح عن تفاصيل الحادث، مع تأكيد أنه لا يوجد أي تسرُّب إشعاعي.
وفي العام نفسه أيضاً، شهدت القاعدة العسكرية الروسية، في مدينة سفرودفنسك، انفجاراً تسبَّب في رصد تسرُّب إشعاعي مرتفع.
ولم تعترف السلطات الروسية بالتسرُّب الإشعاعي، إلا بعد أيام، حيث أعلنت أن الانفجار وقع خلال إطلاق صاروخ يعمل بالطاقة النووية، ما تسبَّب في ارتفاع مستويات الإشعاع إلى 4 أضعاف المعدل الطبيعي، ومقتل 5 من الوكالة النوية الروسية.
وهكذا، يحمل التاريخ النووي في روسيا، العديد من المآسي، بجانب علامات الاستفهام عن درجات الأمان لمنشآتها وأسلحتها النووية، التي تتسبَّب في كوارث، يمتد تأثيرها إلى تهديد الحياة، في مناطق عدة .